مرة أخرى تمد السلطة يدها على الحركة النقابية بهدف قمعها وإسكاتها عن رفع الصوت دفاعاً عن لقمة العيش .
فوزير التربية الياس بو صعب، هدد أساتذة التعليم الثانوي في حال أصرت رابطتهم على الإضراب ، طالباً من إدارته تسليمه تقارير بالمديرين الذين سيلتزمون الإضراب ، قائلاً بلغة التهديد : "إن غداً لناظره قريب."
ولم يكتف معاليه بذلك بل هدد بمحاسبتهم عبر تطبيق المادة 14 "قانون الموظفين "الصادر في 12-6-1959والتي نصها :"يحظر على الموظف أن ينضم إلى المنظمات أو النقابات المهنية ، و أن يضرب عن العمل أو يحرض غيره على الإضراب".
واسهب الوزير في إعطاء النصائح للأساتذة بطلبه منهم عدم الخروج من هيئة التنسيق النقابية التي أمعن معاليه مع حلفائه في 8 و14 آذار في ضربها والإمساك بها ، والتدخل بقراراتها، إلى أن أصبحت كالإتحاد العمالي العام ، تأخذ قرارها المطلبي في الصباح وتتراجع عنه في المساء...
وعلى كل حال لم يتأخر الرد على وزير التربية بعد مؤتمره الصحفي نهار الاثنين الماضي ، فتصريحاته استفزت الأساتذة ونفذوا إضراباً شاملاً فيه نكهة التحدي في اليوم التالي .
فرد عليه رئيس الرابطة عبدو خاطر بالقول :"إن الإضراب حق مقدس" وان كان البعض في الرابطة اعتبره توزيع أدوار بينه وبين وزير التربية لإستعادة ماء وجه رئيس الرابطة المتهم بالإنصياع للوزير الذي ينتمي إلى تياره .
أم رد رئيس التيار النقابي المستقل حنا غريب جاء أقوى عندما دعا أبو صعب إلى الالتزام بالدستور وتطبيقه لأن الأساتذة كرسوا حرية العمل النقابي بالممارسة ، مستنفراً تياره لإنجاح الإضراب .
والغريب أنّ وزير التربية في مؤتمره الصحفي أراد تطبيق القانون اللبناني بحق الأساتذة ضارباً بعرض الحائط الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية التي وقعها لبنان عام 1972 والتي تنص المادة الثامنة منها بأحقية كل شخص ضمن نقابة أو هيئة بمن فيهم موظفو القطاع العام الحق بالإضراب ، وهذه الإتفاقية الدولية تلغي المادة 14 من قانون الموظفين العثماني الصادر عام 1959 لأن المعاهدة بمفاعيلها القانونية تلزم الدولة الموقعة عليها باحترامها.
وفي تفنيدنا لمواقف السلطة ووزير التربية وهيئة التنسيق النقابية وحركتها المطلبية الملتبسة نجد ما يلي :
1 - خروج وزير التربية على القوانين الدولية والتي وقعت عليها الدولة ،وليس آخرها الإتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية عام 1972.
2-نهج هيئة التنسيق التراجعي أمام رغبات أهل السلطة بشكل غير مبرر، بإعلانها للإضرابات والإحتجاجات في الشارع والتراجع عنها دونما تحقيق أي هدف من أهدافها.
3 - ولاء غالبية رؤساء الروابط وأعضاء هيئاتها الإدارية لقوى السلطة في 14 و8 آذار.
4 - تدخل السلطة المباشر في شؤون هيئة التنسيق ومونتها عليها، وهذا ما تؤكده تصريحات الوزراء المعنيين بالشؤون المطلبية غداة كل تحرك.
وأخيراً يبقى السؤال الكبير والمطروح بإلحاح :
اذا كانت السلطة تنجح دائما وحتى الآن بالامساك بالحركة النقابية، فلماذا لا يدرك الأساتذة والموظفون والعمال والعسكريون و كل أصحاب الحقوق مصالحهم ويقلبون الطاولة في وجه هذه السلطة الفاسدة؟ !