تشكل واقعة كربلاء ، حالة رسخت الإنقسام بين المسلمين لسنة وشيعة ، ومع أنّ الحسين (ع) بالأصل هو حفيد النبي وهو للأمة الإسلامية كاملة إلا أنّ ما حدث سنة 61 للهجرة حوّل السنة لأتباع يزيد والشيعة لشيعة الحسين ..
هذه المفاهيم التي ترسخت بالعقائد وتناقلتها الأجيال تناقلاً طوعياً لا عقلانياً ، حوّلت شهر محرّم لمجالس عزاء ينشق بها المسلمون ، فيصبح السني في كل عاشوراء " قاتل" أو "تابع قاتل" ، أما الشيعي فيجدد حزنه الأبدي على الشهيد المظلوم (ع) .
وهذه العقيدة خاطئة لحد كبير ، وتحمل من المغالطات ما يكثر حوله التأويل ، فهل السنة لا يهيمون حقاً بحب الحسين وهم من يسمون أغلب توائمهم ( حسن وحسين) ، وهل يمكن لمن هم يتخذون خط الرسول عليه الصلاة والسلام وسنته أن يشمتوا بمقتل حفيده وأن يؤازروا القاتل ؟!
لتوضيح هذه الإلتباسات بالحجة ، ولتقويم هذه النظريات الخاطئة كان لنا حديث مع المفتش العام المساعد للأوقاف الإسلامية الشيخ الدكتور حسن مرعب ، الشيخ الدكتور حسن وفي سؤال عن قيمة آل البيت عند السنة من حسن وحسين وفاطمة وزينب عليهم السلام ، أجابنا أنّ آل بيت النبي صلّ الله عليهم وسلم هم ليسوا فقط الحسن والحسين وزينب وفاطمة عليهم السلام ، هم أبناؤه جميعاً وبناته وأزواجه وأمهات المؤمنين وكل من تناسل من أحفاده إلى قيام الساعة .
وأضاف قائلاً " إنّ مكانة آل البيت عند أهل السنة والجماعة هي مكانة عالية وعظيمة فحب آل البيت من الإيمان ونحن نصلي على أهل بيت رسول الله عليهم السلام في كل صلاة في تشهدنا الأول و الأخير بل ونعظم آل البيت ونجلهم ونقدرهم ولهم مكانة عالية في قلوبنا وفي قلوب الأمة الإسلامية جمعاء ، وليس هناك أكثر تسمية بأسمائهم لمحبتنا بهم ممّا يسمى عند أهل السنة والجماعة لذلك قيمتهم عندنا هي قيمة كبيرة جداً " ..
وأما فيما يتعلق بكون أهل السنة لا يعلنون الحداد السنوي مع الحسين (ع) ولا يجددون الحزن ولا يعتمدون مجالس عزاء ، اعتبر أنه مع المكانة الكبيرة والمحبة والتعظيم لهم إلا أنهم ليسوا أعظم من رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولذلك فنحن نعظمهم ونكرمهم لقربهم من الرسول ولإتصالهم به .
ونحن بالتأكيد نحزن على مقتل الحسين (ع) ونتأثر كثيراً لما أصابه وأصاب أهل بيته ممّن كانوا معه في كربلاء ولكن حزننا يقف عند الحدود الشرعية ، فكما يقول عليه الصلاة والسلام : (ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)
فلذلك إن كنا نحزن على الحسين (ع) فإننا نحزن على جد الحسين ونحزن على أب الحسين والذي هو علي بن أبي طالب (ع) والذي مات مقتولاً وشهيداً ولذلك حزننا هو على كل آل بيت الرسول عليهم الصلاة والسلام ، فنحن نحزن عليهم ونترضى عليهم بل ونسلم عليهم ( عليه السلام) ، وأيضاً الصلاة والصيغة الكاملة والصحيحة على سيدنا رسول :اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" .
لذلك نحن نكرمهم ونحن نجلهم ولكن حزننا عليهم يقف عند حد الشرع فلا نتجاوز حدود الشرع بحجة أننا حزينون على الحسين (ع) بل على العكس نحن نحزن عليه ونقول بأنّ هذه المقتلة كانت مقتلة عظيمة وأن كل من شارك في هذه المقتلة أو دعا إليها أو حتى أشار إليها عليه من الله ما يستحق أيّا كان هذا الإنسان ، ونحن نعتقد اعتقاداً جازماً أن من بادر إلى سيدنا الحسين (ع) بسيفه هو منافق حكماً وهذا بإجماع الأمة جمعاء أن "شمر بن ذي الجوشن" الذي بادر بسيفه إلى الحسين (ع) بأنه منافق ..
أما عن يزيد والذي يُتهم السنة أنهم "مناصروه" ، فقال الدكتور الشيخ حسن مرعب أنّه بالنسبة ليزيد فكثير من العلماء قد حكموا عليه بالفسق ، وقالوا بأنّه فاسق وهذا رأي معتبر عند أهل السنة والجماعة ؟
وأضاف : "نحن لا نترضى على يزيد وهو من جيل التابعين وليس من جيل الصحابة كما أننا نحمله خطيئة مقتل الحسين (ع) حيث أنه كان هو الحاكم حينها وسوف يحاسبه الله يوم القيامة على هذه الفعلة الشنيعة " .
من هنا ومن بعد ما رفعنا الإشكال عن تقاطع الحسين (ع) بين السنة والشيعة ، يظل هنا نوعُ من التعارض يموضع عاشوراء بين الطرفين بغير حقيقة ما هي عليه ، فعاشوراء السنة لا صلة لها لا بالحسين ولا بالعزاء ، وما يأخذ على أهل السنة والجماعة من "شماتة" يوضح بنقطتين :
الأولى : أهل السنة لا مانع شرعي يمنعهم من إقامة أفراحهم لا في شهر محرّم بالمطلق ولا في عاشوراء من باب الحصر ، لذلك فالأعراس التي يقيمها البعض هي "روتينية" وليست متعمدة !
الثانية : ما يشتهر به أهل السنة من تعميم البياض في يوم العاشر إضافة إلى الصيام ، فهو يعود إلى سنّة شرّعها الرسول عليه الصلاة والسلام وهي متعلقة بالنبي موسى مباشرة ، إذ أنهم يصومون اليوم الذي نجّى به الله موسى من الغرق ، ويقدّمون به ما كان أبيضاً من المآكل ، لا فرحاً بمقتل الحسين كما يتهمهم البعض وإنما لمناسبة إسلامية مغايرة بعيدة كل البعد .
إذا ، الحسين عليهم لا سني ولا حتى شيعي ، هو حفيد الرسول وهو لكل الأمة الإسلامية بل ولكل الإنسانيين ...
ومظلمة الحسين هي قضية ليس هناك من لا يتأثر بها ولا يحزن ، إلا أن اختلاف الطقوس المتبعة للحزن ومدته فهي ترتبط بالعقيدة التي تتبعها كل ملّة ، فليس كل من ارتدى أسوداً عشق الحسين ، وليس كل من لم يحضر مجالس عزاء ابن يزيد !