للمرّة الثانية فُتحت أبواب المحكمة العسكرية الدائمة لاستجواب الشيخ أحمد الأسير. جلسة لم تستمرّ أكثر من 30 دقيقة، عبَّر خلالها الأسير بنظراته التي غزَلت في القاعة مراراً، فيما لم يتفوَّه إلّا بكلمة «حاضر» لحظة مناداته. تدابير أمنية مشدّدة، تفتيش دقيق، مشهد أمني بامتياز في محيط المحكمة العسكرية، أمّا القاعدة الأساس «ممنوع المرور لمن ليس له عمل». تسجيل الأسماء، التدقيق بالبطاقات، تفتيش حقائب اليد، المرور تحت الآلة الكاشفة، 4 محطات ملزِمة للصحافيين قبل دخولهم القاعة لمتابعة محاكمة الأسير. هذه التدابير الروتينية غالباً ما تُتّخَذ تزامناً مع الجلسات ذات الـ«صيد الثمين».
في التفاصيل...
منذ الحادية عشرة قبل الظهر، اقترب الصحافيون والمحامون من باب المحكمة العسكرية الدائمة، ليتسنّى لهم الدخول أوّلاً وحجز «الأماكن الاستراتيجية» في نظرهم. شكّلَ استباق تفاصيل الجلسة سيّد الكلام، والتوقّعات مثل النار في الهشيم بين الصحافيين، «لن تأتي الجلسة بنتائج جديدة»، «المحاكمة اليوم سريعة»... إلى أن فُتح باب القاعة عند الساعة 11.20 دقيقة، وبعدها أعلَن العميد الركن الطيار خليل ابراهيم افتتاحَ الجلسة بحضور ممثل النيابة العامة العسكرية مفوّض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجّار.
جلس المحامون في المقاعد الأمامية، الصحافيون عن يسار القوس، وفي مقابلهم جلست ثلاث عائلات من عوائل شهداء الجيش في أحداث عبرا ووكيلهم في الصف الأوّل، خلفَهم بثلاثة مقاعد جلسَت والدة الأسير وزوجته أمل شمس الدين محاطتين بعسكريين. أمّا في قفص الاتّهام فوقف المتّهمون، وتوزّعوا كذلك على المقاعد الخلفية من القاعة وسط انتشار أمني وحراسة مشدّدة.
كيف بدا الأسير؟
أمّا الأسير، بعينيه الجاحظتين خلف نظاراته الشفافة، فقد جلس في مكانه المعتاد، عند المقعد الخامس لجهة الحائط عن يسار المحكمة محدّقاً إلى كلّ من يدخل القاعة من صحافيين، محامين، موقوفين، أمنيين... مرتدياً عباءةً بيضاء ومعتمراً قلنسوته كالمعتاد، لم يَبدُ شاردَ الذهن، إنّما دائم التفكير، مرّةً يتلمّس ذقنه الطويلة التي أعادت رسم أولى إطلالاته، ومرّات يسترق النظر إلى زوجته خلف بزّات العسكريين، على رغم إحاطتهم له وحجب أيّ حوار لا من قريب ولا من بعيد معه داخل القاعة.
بدورها أمل التي صعبَ التعرّف إلى تعابير وجهها كونها منقّبة من رأسها حتى أخمص قدميها، حاولت مراراً استراقَ النظر إلى الأسير متلفّتةً برأسها يميناً وشمالاً إلى أن رآها فابتسم قبل أن يعود إلى «عبسته».
أمّا والدة الأسير فبدت شاحبة اللون، مصفّرة الوجه، عبثاً حاولت النظر إليه من دون جدوى، على رغم أنّ عينيها لم تدمعا، عكس الجلسة الأولى، لكنّها بدت متأثّرة، مرتبكة، مرّةً تسند خدّها الأيمن ومراراً تعضّ على أصابع يدها اليمنى. أمّا اللحظة الوحيدة التي نَطقت بها، فكانت خلال مغادرتها القاعة عندما وقفت لحظة لترسلَ قبلةً إلى ابنها في الهواء قائلةً: «تقبرني».
محصَّلة الجلسة
بعدما سبقَ أن تقدَّم وكلاء الدفاع عن الأسير وهم 3 محامين: عبد البديع عاكوم، محمد صبلوح، أنطوان نعمة، من المنصّة أمام قوس المحكمة، في الجلسة المنصرمة (15 أيلول 2015) وطلبوا الاستمهال للاطّلاع على الملف وتقديم دفوع شكلية، قدّم المحامي نعمة مذكّرة الدفوع، وأبرز ما تضمّنته: إعتراض على استجواب الأسير أمام استخبارات الجيش، وعدم حصول على إذن من دار الفتوى لملاحقته، وعلى تلازم محاكمة الراشدين والقاصرين في الملف. بالإضافة إلى طلب من المحكمة بتعيين لجنة طبّية للكشف على الأسير والتأكّد من حاله الصحّية.
بناءً على طلب وكلاء الدفاع، كلّفت المحكمة الطبابة العسكرية تشكيل لجنة من ثلاثة أطبّاء (نفسي وجسدي وصحّة عامّة) للكشف على صحّة الأسير، على أن تُقدّم إلى المحكمة تقريراً مفصّلاً في الجلسة المقبلة. بعدها أعلن القاضي إبراهيم إرجاءَ الجلسة إلى 5 كانون الثاني 2016.
وعلى غرار الجلسة الأولى سَمح رئيس المحكمة لزوجة الأسير ووالدته بلقائه في غرفة مجاورة لقاعة المحكمة. دامَ اللقاء ما يقارب ربع الساعة، أكّدت بعده شمس الدين لـ«الجمهورية»: «أنّ صحّة الأسير غير مطمئنة، ولا بدّ من نقله من سجن الريحانية إلى مكان صحّي ولائق كونه يعاني من مرض السكّري ومن الحساسية إضافةً إلى ثقب في صمّام القلب».
«الدار» تتبرّأ من الأسير؟
وعمّا إذا كانت «ملاحقة الأسير تحتاج لإذن من دار الفتوى»، وفق الدفوع الشكلية التي قدّمها وكلاء الدفاع، أوضَح مصدر مسؤول في دار الفتوى، لـ«الجمهورية»: «المشايخ فئتان: الأولى مشايخ تابعون إدارياً وتنظيمياً لدار الفتوى، ومشايخ يتبعون معنوياً للدار، ومن بينهم الشيخ الأسير لكن قبل أن ينزلق في المتاهات ويخوض معارك لم يكن أحد راضياً عنها إلّا جماعته».
وأضاف: «كان الاسير في الأساس يدير جامعاً خاصّاً في صيدا، أي إنّه لا يتبع للأوقاف الإسلامية أو لدار الفتوى، ومسجد بلال بن رباح من هذا النوع من الجوامع، بالتالي إدارياً لا يُعتبر الأسير تابعاً لدار الفتوى».
وتابع: «أمّا معنوياً، لو لم يُثِر إسم الأسير كلّ هذا اللغط لاعتُبر ضمنياً تابعاً لدار الفتوى كأيّ شيخ في أقصى عكّار أو البقاع. ولكنّه بصورة عامّة لا يتبع إدارياً لدار الفتوى، فهو لم يكن يحضر إلى الدار، ولا يتقاضى أيّ راتب».
«لإنزال أشدّ العقوبات»
تزامناً، اعتصَم أهالي شهداء الجيش اللبناني في أحداث عبرا أمام المحكمة العسكرية، مطالبين بالعدالة لأرواح أبنائهم. وتحدّث محامي الأهالي الدكتور زياد بيطار بعد انتهاء جلسة الاستجواب، قائلاً: «الدفوع الشكلية التي قدّمها وكلاء الدفاع عن الأسير هي فقط لتضييع الوقت. كلّ همّنا جلاء الحقيقة، حقيقة مَن دعَم هذا الإرهابي من سياسيين وغير سياسيين ومهما كان شأنهم، وكشف ُالمحرّضين في الاعتداء على الجيش اللبناني في صيدا وبحنين».
وأكّد على «ضرورة الأخذ باعترافات الأسير أمام الضابطة العدلية، وهي الكفيلة بإنزال العقوبات لجرائمه، خصوصاً أنّه اعترف بأنّ ما أدلى به أمام الضابطة العدلية قدَّمه من دون أيّ ضغط نفسي».
المصدر " الجمهورية"