جمع الدكتور سمير جعجع حوله إلى طاولات على شكل مربع مجموعة صحافيين وإعلاميين وناشطين، جلّهم من قوى 14 آذار أو من جوّها، في مقر قيادة حزب “القوات اللبنانية” في معراب أمس، وكانت جلسة أخذ وعطاء في السياسة أطلّت من لبنان على أوضاع المنطقة أيضاً، جلسة ثرية بالأفكار والمعلومات، كما تكون قبل خوض “الحكيم” معركة سياسية أو بعدها، أو حين يرغب في تحديد تموضع يمكن أن يثير جدلاً على مشارف مرحلة جديدة من صراع يُدمنه ساكن الأعالي، يثابر عليه مُذ تفتّح وعيه السياسي. ولا كلَل
استهلّ رئيس “القوات” بترتيب للأولويات يُبيّن أن “حزب الله” بمشروعه الإستراتيجي هو الجوهر واللاعب الرئيسي إن لم يكن الوحيد فعلياً قبالة قوى 14 آذار يجمع بين أطرافها، رغم التمايزات واختلاف الحسابات، مشروع استراتيجي عنوانه “لبنان أولاً”. ثم عرض فوائد لورقة “إعلان النوايا” بين حزب “القوات” و”التيار الوطني الحر”، مؤكداً أن هناك مصلحة لـ”القضية” في التطبيع بين الجمهورين
ولشدَّ ما يستغرب جعجع تكرار مسؤولين في “حزب الله” مقولة إن كل هدف هذا الحزب هو تحقيق المشاركة، سائلاً “هل شاركونا كلبنانيين مرة في قرارات الحرب والسلم التي يتخذونها؟ عندما قرروا المشاركة في حرب سوريا هل سألونا رأينا؟”. الرسالة التي أراد إيصالها: “ركزوا على الجور. دعكم من واجهات يستخدمها “حزب الله” للتضليل”.
ويستنتج المستمع إلى رئيس “القوات” أن “حزب الله” الذي يتحكم في إدارة عملية تعطيل المؤسسات في لبنان ويضع الشروط هو أيضاً واجهة محلية لسياسة إقليمية أكبر، فمشكلات لبنان الكبيرة ليست لبنانية. والدليل ما كشفه جعجع مؤكداً أن المسؤولين الإيرانيين أبلغوا إلى مراجع دولية، صراحةً، وللمرة الأولى، أنهم يوافقون على انتخاب رئيس جمهورية للبنان، بلا لون ولا طعم، ولكن بشرط أن تقبل دول العرب والغرب ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا
هكذا، عندما ترى إيران مصلحة لها في انتخاب رئيس لجمهورية لبنان ينفّذ “حزب الله” التوجيهات ويمتثل مَن يدورون حوله، ولو بعد منتصف الليل. تذكّروا الدوحة في 2008 .
وأضاف جعجع إلى المعلومة الثمينة عن الشرط الإيراني خلاصة اقتناع تكوّن لديه: “حزب الله” يريد من قانون للانتخابات النيابية على قاعدة النسبية الاستيلاء على كل السلطة في لبنان بالاستناد إلى أكثرية في البرلمان لم يستطع الحصول عليها في انتخابات 2005 و2009 “لكننا لن نقدم إليهم ما يريدون”
وعرّج على وضع قوى 14 آذار مشدداً على تماسكها عندما يتعلق الأمر بالمشروع والنظرة إلى لبنان، وملاحظاً اختلافا في مقاربتين للأوضاع. فريق يرى أن “الحشرة” تستلزم القبول بالحد الأدنى، وفريق (“القوات” خصوصاً) يتمسك بالحد الأقصى إلى أن يحين وقت التفاوض الحقيقي، وعند ذلك يكون التنازل محدوداً، سواء تعلق بمعركة رئاسة الجمهورية أو تأليف حكومة أو التهديد الأمني. رأي جعجع في هذا المجال أن “7 أيار” يصعب أن يتكرر لأن الجيش بقيادة العماد جان قهوجي يمسك البلاد حالياً ولا يتهاون.
ولا يرى رئيس “القوات” اختراقات إيجابية على مستوى المنطقة في المدى المنظور بل أن أزماتها تتجه إلى التصعيد خلافاً للتحليلات التي ملأت وسائل الإعلام حول “الاتفاق النووي” مع إيران. قال إن الحرب شاملة في المنطقة من اليمن إلى سوريا ومفتوحة على التصعيد ودخول عناصر جديدة فيها. وبدا واثقاً وهو يقول إن قوى المعارضة السورية حصلت أو ستحصل خلال أسابيع على أسلحة مضادة للطائرات شديدة الفاعلية، مما يتسبب بمشكلة للمقاتلات الروسية في أجواء سوريا.
والختام أن موازين القوى ليست سيئة بالنسبة إلى لبنان، و”الفريق الآخر” في وضع داخلي سيئ، ولا خيار غير ثبات 14 آذار وسعيها إلى تحقيق الأهداف. ودار حوار.