كلما إشتدت الازمات في لبنان سوءاً , وفقد الناس الامل بمستقبلٍ واضح , تراهم يلجؤون إلى مَنْ يُعطيهم أملا ولو من خلال التبصير والضرب بالمندل , وسرعان ما يستغلُ واقع الناس  الحائر بين واقعٍ مرير وبين أمل غير موجود , تجّار الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب , ببرامج إعلامية تصرف الناس عن واقعهم , وبالتالي إبعادهم عن قضاياهم اليومية بإشغالهم بتوقعات مستقبلية من خلال بعض المنجمين الكسبة , لعلهم يهدّؤون من روعهم .

 فيطلُ على الناس بين فينة وأخرى , سمير طنب وليلى عبداللطيف وجومانة وهبي وأمثالهم لقولوا للناس أنهم يعرفون المستقبل أكثر وضوحا من الله حسب إعتقادهم , فلذلك يعطون ويبثون  المعلومات المستقبلية والتوقعات المستقبلية ويرسمون مستقبل البلاد والعباد , وهم مطمئنون لحصولها , بينما النبي (ص) صاحب الرسالة السماوية والمُخاطب من السماء مباشرة يقول : " لو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير " . والمشكلة أن بعض الناس تؤمن بهم أكثر من إيمانهم برسول الله (ص( .

من الطبيعي أن الغيب أمرٌ مسلٍ للناس , والناس تُحب أن تُعطى أملا كانت قد فقدته , ولكن الخطير بالمسألة أن تحلّ هذه الترّهات محل البرامج الانمائية التي هي وظيفة الدولة , ووظيفة القيمين على المجتمع وعلى مصالح الناس , وتتحول هذه الترّهات الى ثقافة سائدة , تُستغل من المقصرين ومن اللاعبين بمصالح الناس .

"هذه الأمور ليست علمية ونتائجها ليست موثّقة مئة بالمئة أو ما يدانيها بحيث تتحول إلى حقيقة حتمية، مثل توقع الخسوف والكسوف، وليست إخباراً إلهياً على لسان نبي أو ولي" والدين يحذّر من هذه الظاهرة ومن خطرها، كونها "تعمل عكس الدين الذي يحرّض الإنسان على عمل الخير والتقدّم  تجاه الآخرين على قاعدة تحصيل الأجر والجزاء الحسن بخدمة الحقيقة , وإعطاء الناس الحق والعلم الصحيح , وحسن هذه الأعمال في قيمتها مهما كانت الظروف المحيطة. فيما تقوم هذه التنبؤات بحسم بعض الأمور لدى من يتتبعونها فتثبطهم عن الفعل مهما كان حسناً ومجدياً وتحوّلهم إلى متلقين سلبيين لحركة الكون، وبذلك تدخل في مسار الجبرية التي تبيح للشخص فعل أي شيء وإلقاء تبعاته على التسيير الكوني. وهو أمر مرفوض شرعاً وعقلاً، والدين الإسلامي ينهى بشكل قاطع عن الانخراط في مثل هذه المتابعات، ويرفض قتل العقل وتسليمه لهذه المسارات".

والقانون أيضا يعتبر هذه الطُرق تجارة بالكذب , وإستغلال عواطف الناس , فإن أيّ توقع يؤدي لخلق الذعر أو تحديد مصير شخصٍ وتهديد حياته بالخطر، هذا أمرٌ يُعاقب عليه قانون العقوبات اللبناني، إما لجهة التدخّل بالجرم وإما لجهة الاشتراك والتحريض عليه".

يُرجع كثيرٌ من المحلّلين الاجتماعيين والمختصّين في علم النفس، مسألة متابعة الأبراج والتوقعات لحاجة قديمة عند الإنسان في إشباع فضوله، وحبّه لمعرفة الغيب، أياً كان نوعه. وقد تتزايد هذه الرغبة أو تتضاءل في الفرد، تبعاً لمشاربه المعرفية، ولعامل الاستقرار والأمان في مسيرته الحياتيّة. لذا، نجد أن الشعوب الأكثر تدافعاً على مضارب العرّافين، هي الشعوب التي تعاني نقصاً في الثقافة، وكذلك الشعوب المتعرّضة للأزمات الأمنية والاجتماعية.