بعد أقل من شهر على انخراط سلاح الجو الروسي في الحرب ضد الشعب السوري، بدأ دم الجنود الروس يسيل في ميدان المعارك التي يخوضها حلفاء بشار الأسد دفاعاً عما تبقى من حكمه الممتد على مساحة قليلة من الأراضي السورية ما بين دمشق والساحل الشمالي، من حيث تنطلق المقاتلات الروسية لقتل السوريين المقاومين ضد حكم آل الأسد، الذي أعلنت انقرة أنها تقبل بقاء بشار على رأسه ستة أشهر فقط يتنحى بعدها.

فقد ذكر مصدر عسكري رفيع قريب من دمشق أن ثلاثة روس على الأقل يقاتلون إلى جانب القوات السورية قتلوا ليل أمس وأصيب عدد آخر حين أصابت قذيفة موقعهم في محافظة اللاذقية الساحلية. 

وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن إن مصادره في المنطقة أكدت وفاة الروس. ولكنه لم يعط رقما لعدد الحالات. وقال إنه يعتقد أنهم لا ينتمون لقوات نظامية روسية ولكنهم متطوعون. 

وقال المصدر المؤيد للحكومة والمطلع على مجريات الأحداث العسكرية في سوريا إنه كان هناك 20 روسيا في الموقع في منطقة النبي يونس حينما سقطت القذيفة.

وكالات أنباء روسية إن وزارة الدفاع الروسية نفت مقتل جنود روس في سوريا في الآونة الأخيرة. ونقلت وكالة تاس للأنباء عن وزارة الدفاع القول «في ما يتعلق بالتقارير التي ظهرت في وسائل إعلام أجنبية بشأن الوفاة المزعومة في روسيا لجنود روس، نؤكد أنه لم يسقط ضحايا بين جنودنا من القوات المسلحة الروسية في سوريا«.

ودفعت العمليات البرية التي ينفذها الجيش السوري بغطاء جوي روسي عشرات الاف المدنيين الى الفرار من مناطقهم، واشارت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة (اوتشا) فانيسا اوغنان، في بريد الكتروني الى تقارير تفيد «بنزوح قرابة 35 الف شخص من (بلدتي) الحاضر والزربة في ريف حلب الجنوبي الغربي على خلفية الهجوم الحكومي في الايام القليلة الماضية«.

واوضحت اوغنان ان العديد من النازحين بحاجة «الى الغذاء والحاجيات الاساسية وعدة الايواء بشكل عاجل»، مضيفة ان «وكالات الاغاثة تبدي قلقا متزايدا حول العائلات التي تعيش في العراء مع ازدياد برودة الطقس خصوصا خلال الليل«.

وقال الناشط ومدير وكالة «شهبا برس» المحلية في حلب مأمون الخطيب ان «كثافة الغارات الروسية على المنطقة واستهدافها من قوات النظام بالمدفعية الثقيلة والصواريخ، بالاضافة الى خشية الاهالي من اقتحام مقاتلين ايرانيين لقراهم» دفع بعشرات الالاف من السكان الى النزوح باتجاه ريف حلب الغربي الواقع تحت سيطرة الفصائل.

وبحسب المرصد السوري تمكنت قوات النظام من السيطرة حتى الان على خمس قرى وعدد من التلال المجاورة في ريف حلب الجنوبي منذ بدء الهجوم.

وبحسب المرصد، اضطر نحو مئة الف شخص للنزوح من مناطقهم في محافظات حلب وحماة (وسط) واللاذقية (غرب) منذ بدء النظام عملياته البرية.

وفي محافظة حمص (وسط)، نزح الالاف من منازلهم في الريف الشمالي منذ بدء قوات النظام عملياتها الخميس الماضي. وقال حسان ابو نوح وهو ناشط في مدينة تلبيسة التي تعرضت للقصف الروسي ان النازحين «توزعوا على مناطق ارياف حمص بعد ان اخذوا معهم ما تمكنوا من حمله«.

وافاد المرصد ان طائرات روسية شنت الثلاثاء ضربات على مناطق عدة في ادلب وحلب وحمص وريف دمشق. واحصى المرصد الثلاثاء مقتل 370 شخصا على الاقل جراء الضربات الروسية، معظمهم من مقاتلي الفصائل.

وقال مدير المرصد «قتل 370 شخصا في مئات الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الروسية في سوريا هم 127 مدنيا، بينهم 36 طفلا، بالاضافة الى 243 مقاتلا، 52 منهم من تنظيم داعش«، وذلك منذ بدء موسكو حملتها الجوية حتى ظهر الثلاثاء.

وفي محافظة اللاذقية الساحلية، افاد المرصد الثلاثاء عن «مقتل 45 شخصا على الاقل بعد ظهر الاثنين في سلسلة ضربات جوية روسية استهدفت قرى عدة ومقار تابعة لفصائل اسلامية ومقاتلة في منطقة جبل الاكراد في ريف اللاذقية الشمالي«.

ووفق المرصد، فإن معظم القتلى هم من مقاتلي الفصائل بالاضافة الى عدد من المدنيين، من دون ان يحدده.

وقال عبد الرحمن ان بين القتلى قياديا في احد الفصائل وعائلات مقاتلين.

وبحسب المرصد، قتل 16 عنصرا من قوات الدفاع الوطني، ابرز المجموعات المسلحة الموالية للنظام، الاثنين خلال اشتباكات مع الفصائل المقاتلة في منطقة جبل الاكراد.

وتكبدت قوات الأسد خسائر فادحة في المعركة التي فتحتها ضد الجيش الحر في سهل الغاب بريف حماة، فيما استخدمت ميليشيات إيرانية 5 طائرات إيرانية من دون طيار مفخخة في هجوم شنته على قاعدة لحركة «أحرار الشام» لم تسفر عن خسائر في صفوف الحركة.

وقال مقاتلو فصائل سورية معارضة قرب حلب إنهم حصلوا على إمدادات جديدة من صواريخ أميركية الصنع مضادة للدبابات، لكن مسؤولين في الجيش الحر قالوا إنه رغم وصول الكميات الجديدة إلا أن الإمدادات غير كافية بالنظر إلى حجم الهجوم الذي تتعرض له المدينة من قبل قوات النظام.

وفي موسكو، اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة القاها امام قادة الجيش والاستخبارات في الكرملين ان الضربات في سوريا «تؤكد ان روسيا مستعدة للرد بشكل كاف وفعال على اية تهديدات ارهابية او غيرها من التهديدات التي تواجه بلادنا«. واضاف «يجب ان نواصل التحرك بنفس القوة والفعالية«. واحصت موسكو انها ضربت نحو 500 موقع «ارهابي» منذ بدء حملتها في سوريا.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن مسؤولين عسكريين من الولايات المتحدة وروسيا وقعوا الثلاثاء مذكرة تفاهم تشتمل على خطوات يجب أن يتخذها طيارو البلدين لتجنب الاشتباك الجوي غير المقصود فوق سوريا.

وقال المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك إن النص الكامل للمذكرة لن ينشر تلبية لطلب روسيا لكنه يشتمل على بروتوكولات معينة يجب على أطقم الطيران اتباعها بالإضافة إلى إنشاء حلقة اتصالات أرضية بين الجانبين في حالة تعطل الاتصالات الجوية.

وقال كوك إن المذكرة تقضي بأن تحرص الطائرات على الحفاظ على مسافة آمنة، لكنه رفض الإفصاح عما اذا كانت البروتوكولات تشتمل على مسافات محددة. وأضاف قوله إن الاتفاق يشمل طائرات التحالف. ويضم التحالف بين أعضائه السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة.

وتابع كوك «إن اضطرارنا إلى اللجوء إلى مذكرة تفاهم يوضح قلقنا من الأنشطة الروسية وكذلك استعدادنا للعمل مع الروس حينما يكون في ذلك مصلحة لنا«.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الاتفاق يتصل فحسب بالحفاظ على سلامة الطيارين.

وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي «إنها ليست معاهدة تعاون أو شيئا من هذا القبيل.. وهي لا تشير إلى التعاون او التنسيق أو الاستهداف المشترك«.

وقالت موسكو امس الثلاثاء إنها تلقت مذكرة تفاهم من الجيش الأميركي بشأن تفادي حدوث اشتباك في الجو فوق سوريا.

وفي سياق آخر، قال مسؤولان كبيران في الحكومة التركية الثلاثاء إن تركيا مستعدة لقبول انتقال سياسي في سوريا يظل بموجبه بشار الاسد في السلطة بشكل رمزي لمدة ستة اشهر قبل تنحيه وإن أنقرة تناقش الخطة مع الحلفاء الغربيين.

وقال احد المسؤولين شريطة عدم الكشف عن هويته «العمل على خطة لرحيل الاسد جار.. يمكن ان يبقى ستة اشهر ونقبل بذلك لانه سيكون هناك ضمان لرحيله«. واستطرد «تحركنا قدما في هذه القضية لدرجة معينة مع الولايات المتحدة وحلفائنا الاخرين. لا يوجد توافق محدد في الاراء بشأن متى ستبدأ فترة الستة اشهر هذه لكننا نعتقد ان الامر لن يستغرق طويلا«.

وقال أحد المسؤولين التركيين إن الولايات المتحدة ستطرح الاقتراح على روسيا لكن لم يتضح بعد ما اذا كانت موسكو سترحب بالفكرة. 

وواجهت الدول الأوروبية صعوبات للتوصل الى موقف موحد بشأن الدور الذي سيلعبه الأسد في حل الأزمة السورية. وتحرص فرنسا على أن يرحل الأسد في أقرب وقت ممكن بينما تفضل المانيا إشراكه في المرحلة الانتقالية على أن تنتهي برحيله.

وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند امس الثلاثاء إن بريطانيا تريد أن يرحل الأسد «في إحدى المراحل» ضمن اي اتفاق تبرمه القوى العالمية لإنهاء الحرب السورية التي بدأت قبل اكثر من أربع سنوات.

وقال هاموند في مجلس العموم «نحن على استعداد للتواصل مع كل من يريد التحدث عن شكل الانتقال السياسي في سوريا لكننا واضحون جدا في ما يتعلق برؤيتنا في أنه لا بد وأن يتضمن في مرحلة ما رحيل الأسد«.

وأضاف أن اقتراحا بإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا لاستخدامها كقاعدة لقتال تنظيم «داعش» اقتراح غير عملي.