خلافا لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية أو محاولات تشريع الضرورة، حيث يتعذر تأمين النصاب الضروري، «فاض» كأس الحضور النيابي في المجلس الذي فُتحت أبوابه أمس، ولكن هذه المرة لانتخاب رؤساء اللجان وأعضائها.
بسلاسة، انعقدت جلسة «المصالح المشتركة» لإعادة انتاج اللجان المستنسخة، باستثناء تعديلات طفيفة، ما دفع الرئيس نبيه بري الى انتهاز فرصة لمّ الشمل النيابي، والتي باتت نادرة، من أجل «التبشير» بتشريع الضرورة العالق في «ممر» جدول الاعمال، وسط إصرار «التيار الوطني الحر» وبعض الاطراف المسيحية على وجوب شموله قانوني الانتخاب، والجنسية للمتحدرين من أصل لبناني.
وعلى وقع تحذيرات البنك الدولي من خسارة لبنان القروض الممنوحة له، تمنى بري على النواب المساعدة في عقد جلسة تشريعية، وكاد يتوسلهم، «حتى لا يأتي يوم يتوسل او يتسول فيه البلد» كما نُقل عنه.
وكشف بري أمام زواره عن أن اتصالا مطولا جرى بين الوزير علي حسن خليل ورئيس البنك الدولي الذي ابلغ وزير المال ان أمام لبنان مهلة حتى آخر كانون الاول لإبرام عدد من القروض المقدمة من البنك، وإلا سيفقدها نهائيا، «والأسوأ انه لن يكون له الحق في السنوات الأربع المقبلة بالحصول على قروض لتمويل مشاريع جديدة، لانه لم يحسن الاستفادة من تلك التي مُنحت له، وبالتالي فإن الأولوية ستعطى لدول أخرى».
كما كشف بري عن أن خليل أبلغه، بحضور رئيس الحكومة تمام سلام، بأنه لن يستطيع دفع رواتب القطاع العام لشهر كانون الاول المقبل، إذا لم يتم فتح اعتمادات جديدة.
وأكد بري ان طاولة الحوار الوطني باقية في مقر مجلس النواب، لان عدم اكتمال الضرورات اللوجستية والإجرائية في عين التينة، لا يسمح باستضافتها هناك.
وأوضح أنه وجه دعوات الى أقطاب الحوار للمشاركة في جلسة الاثنين المقبل، «والتي سأحاول خلالها جوجلة الاقتراحات التي قُدمت حول مواصفات رئيس الجمهورية»، مؤكدا ان الغياب عن طاولة الحوار لاسباب سياسية مرفوض وكذلك خفض مستوى التمثيل من دون عذر مقنع.
وقلل من أهمية التصعيد السياسي الذي حصل مؤخرا، مؤكدا ان الحوار الوطني مستمر وكذلك الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» والذي سيُستأنف الثلاثاء المقبل.
وأشار الى ان المساعي متواصلة لمعالجة أزمة النفايات، مبديا أسفه لمذهبة هذا الملف، بحيث بات مطلوبا ان يكون هناك مطمر شيعي في مقابل مطمر سني، لافتا الانتباه الى ان «حركة أمل» و «حزب الله» لا يزالان يبحثان عن مكان ملائم لاستحداث مطمر في البقاع.

خليل ينبّه
أما وزير المال علي حسن خليل فقد دق عبر «السفير» جرس الإنذار، محذرا من انه سيكون مضطرا، في لحظة ما، الى إقفال أبواب وزارته، في حال تواصل تآكل شروط عملها، نتيجة انسداد شرايين المؤسسات الدستورية.
وحذر من ان ثلاثة قروض بقيمة 700 مليون دولار سيخسرها لبنان بالفعل، ومن أهمها قرض بـ474 مليون دولار لتمويل جر مياه الاولي الى بيروت وجبل لبنان، ما لم يبادر مجلس النواب الى إبرامها ضمن مهلة تمتد حتى آخر كانون الاول المقبل، لافتا الانتباه الى ان هناك قروضا أخرى مهددة، على المدى المتوسط، ليبلغ المجموع العام الذي قد نخسره مليار دولار تقريبا.
ونبه الى ان الامر الأخطر يكمن في ان البنك الدولي سيحجب عن لبنان القروض لمدة سنتين مقبلتين على الأقل، وبشكل مؤكد، ما لم يبرم تلك الممنوحة له حاليا، موضحا ان البنك ليس مستعدا لتمويل مشاريع جديدة، ما لم تتم الاستفادة من القروض المقدمة.
وشدد على ان لدينا فرصة ثمينة للمطالبة بتمويل مشاريع حيوية تتصل بالبنى التحتية المتأثرة بضغط النازحين السوريين، لاسيما ان البنك الدولي هو حاليا بصدد وضع جدول أعماله للسنوات المقبلة، «لكننا سنفّرط بهذه اللحظة وبالتالي لن يكون لنا مكان على أجندة البنك الدولي للمرحلة المقبلة، ما لم يسارع مجلس النواب الى التصديق على القروض الممنوحة، تمهيدا لاستخدامها في المجالات المخصصة لها، خصوصا انه توجد 160دولة يمولها البنك، وستعطى الأفضلية علينا».
وجزم خليل بان وزارة المال لن تستطيع تأمين رواتب كانون الاول المقبل لموظفي القطاع العام، في حال لم يصدر عن مجلس النواب قانون يسمح للحكومة بفتح اعتمادات جديدة، ملاحظا انه حتى لو أرادت الحكومة مخالفة الأصول من خلال سلفة خزينة لتغطية الرواتب، فهي لن تستطيع فعل ذلك لانها معطلة ولا تجتمع.
وأكد وزير المال بان المعطيات التي يطرحها ليست للتهويل ولا للتوظيف في حسابات سياسية، وإنما هي انعكاس لوقائع موضوعية، داعيا جميع القوى السياسية الى مقاربة هذا الواقع بأعلى درجات الجدية والمسؤولية، وإلا فانها ستتحمل تبعات الانهيار الكبير.
ونبه الى انه إذا «لم نعط إشارة إيجابية الى ان المؤسسات الدستورية تعمل وتنتج، فان تصنيفنا سيسوء ويتراجع لدى مؤسسات التصنيف في ظل شلل الحكومة ومجلس النواب واستمرار الشغور الرئاسي وغياب الموازنة»، لافتا الانتباه الى ان هذه المؤسسات تنطلق في معاييرها ليس فقط من الاعتبارات المالية، وإنما أيضا من الاعتبارات السياسية، ما يعني ان إمعاننا في إغلاق أي باب للأمل والضوء سيترك تداعيات مالية واقتصادية شديدة السلبية، وسيدخلنا في دهاليز نحن بغنى عنها.
وفي إنذار، شديد اللهجة، قال خليل: الخطر أصبح يطال بنية الدولة اللبنانية التي باتت مهددة بالإقفال، وأنا أعلن بصراحة عن انني سأكون مضطرا في نهاية المطاف، الى اقفال وزارة المال وإغلاق بوابتها الحديدية، ما لم نستعجل تصحيح المسار الانحداري ووقف الاستنزاف، وأنصح جميع القوى السياسية بعدم وضع كلامي في سياق اللعبة السياسية التقليدية وما يواكبها عادة من مناورات وضغوط.. لقد لامسنا الخط الاحمر، وعلينا جميعا، كلٌ من موقعه، ان نمنع الانزلاق الى المحظور، الامر الذي يتطلب بالدرجة الاولى عقد جلسة تشريعية سريعة.

«التيار الحر»: شركاء بالتشريع
وعلى الضفة الاخرى، أكد أمين سر «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ «السفير» ان «التيار الوطني الحر» لن يتنازل عن ثوابته المبدئية في ما يتصل بتشريع الضرورة «الذي يجب ان نكون شركاء في تحديد جدول أعماله، وسط الشغور الرئاسي والتمديد مرتين لمجلس النواب».
وأضاف: نريد ان نحدد معا مضمون الجلسة التشريعية، ومن غير المقبول ان يجري التعاطي معنا على القطعة، عند الحاجة، وإذا كنا نوافق على ان القوانين المالية ملحة، فعلى الآخرين الاقرار ايضا بان قانوني الانتخاب والجنسية هما ضروريان لنا، وينبغي ان يكونا جزءا من سلة تشريعية كاملة، على قاعدة الشراكة الوطنية، ولو صفت النيات، يمكن ان نتوافق بسرعة عليهما، لاسيما قانون الانتخاب الجديد الذي يتهرب منه «تيار المستقبل»، لان من شأنه ان ينتزع منه العديد من المقاعد النيابية غير المستحقة.
وتابع: يجب ان يتغير نهج التعاطي معنا، وكما نتفهم ضرورة الاستجابة لما يطرحه الرئيس بري تشريعيا، ننتظر منه ان يستجيب لما نطرحه، كما ان على الرئيس فؤاد السنيورة ان يعترف بانه مخطئ في وضع يده على حقوق المسيحيين والتعاطي معهم بفوقية، لكنه للأسف الشديد لا يشعر بذلك.