رحم الله الإمامين موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين والمرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله الذين حافظوا على نقاوة الخط الإسلامي الشيعي وسلامة عقيدته ووقفوا بحزم ضدّ ما يسيء إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام من طرق وبدع ما أنزل الله بها من سلطان.
بعد رحيل هؤلاء القادة بدءاً من اختفاء السيّد الصدر وموت كل من شمس الدين وفضل الله والشيعة ينحدرون الى أسفل العلاقة مع مذهب عقلي لا خرافي وتبين أن الجهد المبذول من قبل هؤلاء الجهابذة كان في فراغ لارتماء الشيعية الشعبية وقياداتها في أحضان الأسطورة التي سلبت لبهم وجعلتهم يتصرفون بغير هدى وقد تكون ظاهرة أحيائية عاشوراء أبرز الدلالات على عزوف الشيعة عن عقلانية العلاقة مع التراث والتمسك بمفاهيم وافدة على الشيعة اللبنانيين
. كن نسمع عما تفعله أوساط شيعية في العراق وايران وباكستان والهند ودول تتواجد فيه أقليّات شيعية في أيّام محرّم الحرام من تمثيل في أجسادهم على حب سيّد الشهداء وكانت ردود الفعل عليهم حازمة وحاسمة من قبل المرجعيّات ذات البعد المعرفي الفقهي والتاريخي حتى أن مرجعاّ استثنائياً كالسيد الخميني "قده" أفتى بحرمة التطبير وبعدم جواز أحياء عاشوراء بما يسيء للمناسبة ولصاحبها الحسين بن علي (ع) من جلد للأجساد بالجنازير والسيوف ومن عادات لا علاقة لها بحركة الحسين في أمّة جده. يبدو أن المشهد المذهبي الدموي بين الشيعة والسنة على خلفية التقاتل الجاري في المنطقة لصالح نفوذ دول قد ساعد وأسهم في خلق عصبيات حادة بلغت ذروتها التعسفية في خلق مناخات اساءت إلى جوهر المذهب نفسه من خلال ممارسات متوحشة عكست سلوكيات لم يشهدها تاريخ المذهبين في عهدة علماء حقيقيين من الشيعة وأهل السنة والجماعة.
ان ما يجري اليوم من موجة شيعية متطرفة تعبر عن نفسها في مناح وأجواء كثيرة تلبي رغية اللحظة المناسبة لمشروع سلطوي من شأنه أن يهدّم أركان المذهب الذي اختار وعلى طول سيره التاريخي المحايدة في الخصومة الاسلامية دفعاً للاقتال واراقة الدماء كما فعل الحسن عليه السلام في صلحه مع الطاغية معاوية وكما فعل علي في أهم تحول في الاجتماع الاسلامي عندما ألغت الشورى حقه في الخلافة وقال : لأسلمن ما سلُمت أمور المسلمين.
ان الحديث عن موجة شيعية متطرفة لا يعني أننا نتغاضى عن موجة سنيّة متطرفة وهادرة في الاجرام وتعيث في الأرض فساداً باسم السلف الصالح وباسم النصّ الديني وتجربة النبي الأكرم محمد بن عبد الله. لذا ندعو الى عودة الشيعة اللبنانيين الى ثوابت المذهب القائم على العقل وعلى تجربة روّاده من موسى الصدر الى فضل الله ورفض ما يتم تمريره تحت غطاء الشحن الطائفي والمذهبي من سلوكيات غريبة وشعارات عجيبة جعلت جماعة من الشيعة تعتقد بما لا يعتقد به الحسين سلام الله عليه وتلعب جماعة أميّة من قرّاء العزاء الدور الأكبر في تعزيز الخرافة والخيال والوهم وانتشار الكوابيس في عيون المتباكين على الحسين وأهله وأصحابه. هناك عادات جيدة في أحياء المناسبة ومنها توزيع المآكل على حب سيّد شباب أهل الجنة ولكن الشعارات التي ترفع تحت أسقف بعض الأكشاك المنتشرة من الجنوب الى البقاع تسيء الى عمل انساني اجتماعي اذ لفتني شعار موضوع على خيمة منصوبة قرب جسر المطار مكتوب وبالخط العريض هنا خيمة مجانين الحسين دلالة على ترميز الخيم بشعارات أخرى مجنونة ومشابهة.