التصعيد الكلامي من جهة المستقبل وردّ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عليه، أثارا مجموعة من الاسئلة، في الساعات الاخيرة، حول المستفيد من هذا التصعيد ومن هو الفريق الذي يريد رفع السقف الى هذا الحد، ولا سيما في الايام العشرة من عاشوراء، وما يخلقه ذلك من حساسيات بعد التهديد بوقف الحوار الثنائي بين الطرفين، علماً بأن شخصيات من الفريقين تتبادل الاتهامات حول الخلفيات الاقليمية لهذا التصعيد، والمستفيد من تعطيل الحكومة.

تقول أوساط سياسية مطلعة إن أكثر كلام جدي قاله نصرالله أخيراً هو لفتته الى «تمنين تيار المستقبل» الجميع بالمشاركة في الحكومة والحوار. يعكس هذا الكلام رؤية مختلفة عن الموقف من كلام نصرالله وقراءة معارضيه بأنه استفاد من كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، ليسحب ورقة تعطيل الحكومة والحوار على السواء. فالمستقبل، بحسب هؤلاء، هو الذي كان يلوّح برفض المشاركة والحوار مع فريق 8 آذار بكل مكوّناته، تارة تحت شعار المحكمة الدولية وتارة تحت شعار التدخل في سوريا. وهو نفسه الذي قبل الشراكة في الحكومة وفي الحوار الثنائي وفي طاولة الحوار. لكنه سرعان ما يهدد بالخروج من الاثنين، عند أول فرصة.
ثمة كلام يقال في أوساط معارضي الحزب عن رغبته وعون معاً، إن لم يكن في تطيير الحكومة وفي وقف الحوار، بل في تجاهلهما، بعدما دخلت روسيا بقوة الى سوريا، وبدأ مسار رفع العقوبات عن إيران. لكن نصرالله أكد بنفسه تمسّكه بالحكومة، شأنه شأن رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الذي لا يريد تطييرها بل يريد تفعيلها بشروطه.


أيّ تلويح يطلقه المستقبل بالانسحاب من الحكومة محاولة لتغطية عجز فريقه

 

فرغم أن عون سبق أن حدّد موقفه من الحكومة والحوار على السواء، قبل المشهد المستجد بين حزب الله والمستقبل، لا يزال على موقفه بعد التصعيد الكلامي، ولم يغيّر أداءه في تعامله مع واقع المؤسستين الحكومية والنيابية. لا بل إن الاستحقاقات الاخيرة التي كانت مرتبطة بمواعيد وأجوبة حول بعض المسائل المطروحة، ومنها الترقيات العسكرية، لم تعد موجودة، وبالتالي فهو لم يعد مقيّداً لا بمفاوضات ولا بتعهدات، ما خلا موقفه المبدئي من الحكومة.
تعيد هذه المصادر رسم أولويات التكتل على الشكل الآتي:
أولاً إن عون ليس «متشدقاً» بالحكومة ولا تربطه بها الا الضرورات المعروفة، لكنه يرى أن ردّ فعل المستقبل الاخير تعبير عن تشرذمه الداخلي ليس أكثر. وهو لا يريد أن يرمي المستقبل عليه كرة خلافاته الداخلية وانقساماته بين تياري الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، فيغطي عورة هذه الخلافات بإلصاق تهمة التهديد بالانسحاب من الحكومة بالفريق الآخر. فأيّ تلويح يطلقه المستقبل بالانسحاب من الحكومة يعني تغطية لعجز فريقه في الحكومة في إدارة ملف النازحين السوريين وما خلقه من أعباء، وملف النفايات والتعيينات التي أدت الى حال الفوضى الحالية.
ثانياً، لحظت أوساط التكتل أخيراً تصعيداً في لهجة التحذيرات الامنية والتهديد بالاستقرار والترويج أن الوضع الداخلي مهدّد بالفوضى الامنية. هذا الامر أثار ريبة التكتل من سيناريوات قد تكون مطروحة للمس بالوضع الامني وتكبير حجم المخاطر الامنية، لمصلحة التلويح بخيارات تحت شعار «الأمر لي»، قد يكون الهدف منها طرح مواصفات رئاسية محددة على بساط البحث. وتذكيراً، بحسب هذه الاوساط، فإن الرئيس تمام سلام بعد عودته من نيويورك أكد المظلة الاقليمية والدولية لحفظ استقرار لبنان، وهذا كلام قاله تكراراً وزيرا الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي كما كل أدبيات تيار المستقبل، ما يعني ان الاستقرار ليس مرادفاً للحكومة، فلا يهدد أحد بالمس به إذا تعطلت الحكومة، إضافة الى ان نصرالله سبق أن رأى أن معادلة «جيش وشعب ومقاومة» هي تحمي الوضع الداخلي، فلا يمس أحد به، كما سبق لعون أن قال «جربوا الفوضى إن استطعتم».
ثالثاً، لم يقل عون مرة واحدة إنه سينسحب من الحكومة ولا من المجلس النيابي. فكيف يمكن أن يهدد بالاستقالة من المجلس ونواب التكتل يشاركون في جلسة انتخاب اللجان النيابية كما سبق لهم أن شاركوا في اجتماعات اللجان. لكن عون، في المقابل، لا يزال عند موقفه المبدئي: لا تشريع في المجلس الا للضرورة. أما بالنسبة الى الحكومة، فيتشبث بموقفه من تعطيلها، وهو جدي في هذه النقطة حتى النهاية. لا حكومة من دونه، وما يريده محدد بوضوح: اتفاق مرن لتفعيل الحكومة عبر آلية التوافق والتعيينات الامنية.
منذ أشهر، وأحد السياسيين يصرّ على القول إن ملف التعيينات هو الذي سيفجّر الوضع السياسي. ورغم مرور شهرين ونصف الشهر على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، لا يزال هذا الملف العنصر الاساسي في الازمة الراهنة، ولا حل لها إلا بالتعيينات، مهما ردّد المعنيون، وتصرفوا على قاعدة أن هذا الملف أصبح من الماضي. فبخلاف كل ما قيل أخيراً وما قاله وزير الداخلية تحديداً، لم يطوَ ملف التعيينات الامنية ولن يطوى لدى عون، وهو لا يزال نقطة البداية والنهاية عنده، لا سيما أنه تحرر حالياً من اتهامه بطرح اسم العميد شامل روكز لأنه صهره. ما هو مطلوب اليوم، بالنسبة اليه، لتفعيل الحكومة، طرح ثلاثة أسماء لقيادة الجيش واختيار واحد منها في مجلس الوزراء، لا تكرار المشهد الماضي برفع مجموعة أسماء ضباط للتداول فيها. ما دون ذلك صعوبات كثيرة بحسب خصوم عون، فهذا الملف طوي، ومعركته الجديدة ستكون خاسرة كالتي سبقتها، وما لم يصح قبل شهرين ونصف الشهر لن يصح اليوم، ما دامت المواقف على حالها، والاهم ما دام حزب الله لم يمانع التمديد لقهوجي.