اعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتير شتاينماير أنه يستحيل حل الأزمة السورية نتيجة لما سماه “معضلة بوتين”.
وفي توضيح لتوصيفه هذا خلال اجتماع وزراء خارجية بلدان الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ في 17 أكتوبر/تشرين الأول أكد استحالة التسوية في سوريا بالتعاون مع روسيا أو بمعزل عنها.
وأشار رغم ذلك الى ضرورة الأخذ بالعامل الروسي في المشكلة السورية، شريطة إدراك حقيقة أن الغرب لن يلمس في موسكو شريكا “في إحراز انتقال ديمقراطي للسلطة في سوريا”.
ولفت النظر الى انعدام الأهداف المشتركة في الوقت الراهن بين روسيا والغرب وأن هذه الأهداف ليست إلا تمنيات منشودة.
روسيا على ضوء “معضلة” زعيمها، أكدت منذ اندلاع الأزمة السورية ضرورة ترتيب السوريين بيتهم الداخلي وتقرير مصير بلادهم بأنفسهم.
وتتساءل موسكو على وقع هذه التصنيفات والتوصيفات، فيما تكمن المعضلة؟ وتقول، لقد أكدنا منذ أمد، أنه لا يمكن تسوية أي نزاع في أوروبا والعالم بمعزل عن موسكو ودون الأخذ بمصالحها، وتضيف أن معادلة القطب الواحد في العالم بدأت تضمحل بالتدريج منذ مطلع الألفية الجديدة، أي مع تسلم فلاديمير بوتين وفريقه مقاليد السلطة في البلاد، في وقت يجمع فيه الكثير من الخبراء والعارفين على احتضار أحادية القطب، بل على موتها عند أعتاب الشام.
وتعيد موسكو الى أذهان الغرب كذلك، أنها طالما تروت في الأزمة الأوكرانية وطال انتظارها، بعد أن أغدقت على كييف لثنيها عن قرار “الانتساب الى الاتحاد الأوروبي” وما سيترتب عنه من تبعات ترتد على الاقتصاد الروسي.
الغرب لم يصغ لروسيا، ودفع بحلفائه في أوكرانيا ممن وصفهم “بالمعارضين المعتدلين” على غرار “المسلحين المعتدلين” في سوريا، حتى أن انقلبوا على السلطة وعطلوا مفاصل الدولة والاقتصاد في بلادهم متجاهلين سائر العواقب.
بوتين “المعضلة” اضطر في خضم ذلك الى إرسال القوات الى شبه جزيرة القرم، وفرض طوق جوي وبحري عليها ريثما قال الشعب هناك كلمته “نعم” للعودة الى قوام روسيا. عادت القرم، وبقيت قاعدة سيفاستوبول البحرية الروسية هناك ملاذا حصينا لأسطول البحر الأسود الروسي، ومنطلقا له الى مياه المتوسط والبحار الدافئة.
وبعد القرم، احتدم نشاط الإرهاب في سوريا، تزامنا مع الدعم الذي تفانى الغرب وحلفاؤه بين الدول العربية في تقديمه لما سمي “بالمعارضة المعتدلة” وكأن الغرب يعيد الكرة مع روسيا، ولم يتعظ من دروس الماضي ويوقن كيفية التعاطي مع “المعضلة” الروسية، ولكن في سوريا هذه المرة، في ساحة بعيدة كل البعد عن حدود روسيا الجغرافية.
الغرب في ممارساته هذه أرغم روسيا ثانية على الدفاع عن مصالحها بالوقوف الى جانب السلطة الشرعية في سوريا، وإطلاق عمليتها الجوية التي أحرزت في غضون أيام ما عجزت عنه واشنطن وتحالفها الدولي والعربي طوال أكثر من عام.
الغرب، لم يدرك على ما يبدو، حجم “المعضلة” وطبيعتها. فبالعودة إلى 2008 أظهرت عملية “إرغام جورجيا على السلام”، التي أطلقتها روسيا تلبية لطلب جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ودفاعا عنهما في وجه مغامرة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي وطردت قواته الى حيث جاءت، أظهرت هذه العملية أن روسيا لن تسكت بعد اليوم، وسوف تدافع عن مصالحها وحلفائها وستبقى “معضلة” لا تقبل الحل في وجه كل من يحاول تجاهلها أو إقصاءها.
الغرب يكابر متجاهلا انكساراته أمام روسيا في جورجيا، وقرغيزيا وأوكرانيا، وسوريا وغيرها على التوالي في غضون أقل من عقد، كما يتعامى أيضا عن التأييد الشعبي الكبير في أوروبا للعملية الجوية الروسية في سوريا. الشارع الأوروبي يجمع على أن روسيا هي البلد الوحيد الذي يقاتل الإرهاب فعلا، ويدافع بذلك عن أمنه القومي وأمن أوروبا بالمجمل. فهل “المعضلة” في بوتين المدافع عن القانون الدولي وسيادة الدول، أم في من يتجاهل المعضلات ويسعى الى حلها من خلال ابتكار وتفريخ “معارضات “معتدلة” أو “معتدلة ومسلحة” في أي بلد يرفض اللحاق بالركب الغربي؟.