هل قرّر تيار المستقبل الهروب إلى الأمام وتفجير الحكومة العاجزة لسحب هذه الورقة التي يهدّده بها خصومه؟ أم أن التهديد الذي أطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق من على منبر الذكرى الثالثة لاغتيال اللواء وسام الحسن هو اجتهاد شخصي؟ معلومات «الأخبار» تفيد بأن ما قاله المشنوق منسّق مع الرئيس سعد الحريري. فهو عملياً، هدّد بالانسحاب من الحكومة وطاولة الحوار إذا استمر التعطيل. كذلك وجّه رسائل عالية النبرة، قصد منها شدّ عصب الجمهور، لناحية التصويب على حزب الله من زاوية الخطة الأمنية في البقاع، التي يريدها ثمناً مقابلاً لما قامت به الأجهزة الأمنية في الشمال وسجن رومية. كذلك أدى «ما يجب عليه» لناحية «الدفاع» عن السعودية في وجه «هجوم» حزب الله وإيران. وبحسب مصادر المستقبل، فإن كلام وزير الداخلية أمس «ليس ذروة التصعيد، بل أوّله».
ويتصرّف المستقبل على قاعدة أنه لن يقبل تهديده بتعطيل الحكومة، كما لو أنه المستفيد الوحيد من بقائها. فإذا به يذهب أبعد من ذلك، مهدداً بالانسحاب من الحوار، وهو العنوان الوحيد للحد الأدنى من الاستقرار. وظهر كلام المشنوق مكمّلاً لما قاله مستشار الرئيس سعد الحريري النائب السابق غطاس خوري أول من أمس، عن أن السعودية لن تفاوض إيران إلا بعد سيطرتها على العاصمة اليمينة صنعاء. تصريحان يدلان على احتدام الخلاف السياسي اللبناني، بعد ربطه بكل أزمات المنطقة، من سوريا فالعراق وصولاً إلى اليمن وفاجعة وفاة الحجاج في مِنى.
تيار المستقبل الذي كان يتهم خصومه بالسعي إلى إسقاط الحكومة بهدف تغيير النظام من خلال مؤتمر تأسيسي، قرّر على ما يبدو التخلي عن هذا الاتهام. فمصادره تجزم بأن سقوط الحكومة، والوصول إلى الفراغ الشامل على مستوى السلطة التنفيذية وشلل السلطة التشريعية، لن يؤدي إلى مؤتمر تأسيسي، لأن دون تغيير النظام «فيتوات» مذهبية وطائفية وقرارات إقليمية ودولية قادرة على تعطيل أي توجه مماثل.
في المقابل، يرى خصوم المستقبل تهديده أمس بأنه إما تهويل كلاميّ لا أكثر، أو نتيجة قرار إقليمي ودولي برفع مظلة الأمان عن لبنان. وفي الحالتين، يرى عضو بارز في تكتل التغيير والإصلاح أن كلام المشنوق يكشف أن «المستقبل ماضٍ في غيّه، وهو لا يريد القياد بأي خطوة تعيد المؤسسات إلى العمل بانتظام». وذكّرت المصادر بأنّ المشنوق قال كلاماً سياسياً عالي النبرة قبل عام كامل، ومن المنبر نفسه، «ولم يكن كلامه حينذاك إلا لشد عصب الجمهور».
نصرالله: البعض يقبل بتدخل أسياده في أميركا في كل أصقاع العالم، ولكن ممنوع أن نتدخل نحن
خطاب المشنوق أتى خلال احتفال «مؤسسة اللواء وسام الحسن» بالذكرى الثالثة لاغتياله، في قصر الأونيسكو. وبعد كلمة «هادئة» للمدير العام للأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، أطلق المشنوق تهديده قائلاً إن «بقاء الأمور على ما هي عليه سيكون خطوة أولى للخروج من الحكومة والحوار». ثم هاجم حزب الله على خلفية الخطة الأمنية في البقاع، قائلاً إنها بقيت حبراً على ورق. أما النائب مروان حمادة، الخطيب السياسي الثاني في المناسبة، فكان أكثر حدة من المشنوق. فقد حرّض طائفياً، بطريقة مبطّنة، من خلال حديثه عن عزل ونحر طوائف وكيانات بأكملها. وذهب إلى حدّ اتهام حزب الله و«أسياده» باغتيال اللواء الحسن، قائلاً: «هل ننتظر من ولي الفقيه وحزبه أن يرأفا بنا بعد اغتيال أبرز رموزنا؟».
وعلى غير عادته، ردّ حزب الله على كلام المشنوق عن الخطة الأمنية في البقاع الشمالي، فأصدر وزير الصناعة حسين الحاج حسن بياناً قال فيه إن «ما نسمعه من وزير الداخلية على طاولة الحوار مغاير تماماًَ لما قاله في الإعلام، فصرنا أمام لسانين ولغتين ووجهين مناقضين، بخاصة تجاه الخطة الأمنية في البقاع التي كانت ولا تزال مطلباً ملحاً لحزب الله وحركة أمل اللذين قدما كل الدعم للأجهزة الأمنية للقيام بواجباتها. إن الهروب من الفشل والتقصير بإلقاء التبعة على الآخرين لم يخفف من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق وزير الداخلية تجاه إبقاء الفلتان الأمني في البقاع لتصفية الحسابات مع المنطقة وأهلها، وإذا رغب الوزير المشنوق في نشر محاضر جلسات الحوار فنحن جاهزون لنشرها ليعرف الرأي العام على من ألقى الوزير المسؤولية عن عدم تنفيذ الخطة الأمنية وتبيان الحقيقة للناس».
من جهة أخرى، رأى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أن «المسؤوليات الوطنية في لبنان قد تم تقسيمها طائفياً ومناطقياً»، لافتاً إلى أن «أبشع تصوير لهذا المستوى، الانحطاط الذي وصلنا إليه في البلاد هو ما وصلت إليه أزمة النفايات حيث تحولت المطامر إلى مذهبية وطائفية». وخلال كلمة له في إحياء الليلة الثالثة من ليالي عاشوراء، شدد على أنّ «من واجبنا تحمّل المسؤولية تجاه الأمة والمنطقة والمقدسات، والعمل من أجل سلامة وكرامة الناس في بلادنا وفي أي مكان نستطيع أن نعمل ونصل إليه». ورأى السيد نصرالله أن «البعض يقبل بتدخل أسياده في أميركا في كل أصقاع العالم، ولكن أن نتدخل نحن فهذا ممنوع». وقال: «إننا الآن في قلب هذه المعركة وهي من أوضح الواضحات الفكرية والعقلية والدينية».