يبدو أن الفلسطينيين سلكوا طريق اللاعودة في الهبّة الجماهيرية ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي، الذي أخفقت كل محاولاته القمعية. وتوّج الفلسطينيون، يوم امس، أسبوعاً مفصلياً في «انتفاضة السكاكين»، حين تحدوا جنود الاحتلال بـ «يوم غضب»، موسعين دائرة المواجهة ضد اسرائيل، في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وعلى طول الشريط الأمني بين قطاع غزة والأراضي المحتلة في العام 1948، والتي أسهم أهلها بالنضال اليومي، إسهاماً غير مسبوق، حتى خلال الانتفاضتين الاولى والثانية.
وفي ظل الفشل الأمني الذي يلاحق حكومة اليمين في اسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، ومع فشل محاولات التهدئة التي تبذلها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، لم يخرج الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الأمن الدولي، امس، بأيّ جديد، كما كان متوقعاً، وذلك في الوقت الذي يبدو فيه الإرباك واضحاً على مستوى الإدارة الأميركية، التي تراجعت وزارة خارجيتها عن انتقاداتها لإسرائيل، على خلفية «استخدام القوة المفرطة»، وتأكيدها أن «من حق إسرائيل أن تحمي مواطنيها من السكاكين»، في موقف ترافق مع اتصال «عاجل» بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، اتفقا خلاله على اللقاء في برلين الأسبوع المقبل.
وفي «جمعة الغضب»، توّج الفلسطينيون أسبوعاً آخر من هبّتهم الجماهيرية، حيث خرج الآلاف في مسيرات غاضبة في محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة، تلبية لدعوات الفصائل والفعاليات الشعبية، رداً على تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية والإعدامات الميدانية التي يقوم بها جيش الاحتلال، والتي كان آخرها قيام جنود الاحتلال بقتل شاب جريح بدم بارد بعد طعنه جندياً في الضفة الغربية.

وقدّم الفلسطينيون، يوم امس، خمسة شهداء على مذبح الوطن، فيما أصيب المئات، في مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، على محاور عدة ونقاط التماس في الضفة الغربية وغزة.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، في غزة، استشهاد ثلاثة أشخاص، وإصابة 244 آخرين، في المواجهات على الجانب الشرقي والشمالي للشريط الأمني بين قطاع غزة وأراضي 48.
والشهداء هم يحيى عبد القادر فرحات (24 عاماً)، ومحمود حاتم حميد (22 عاماً)، وكلاهما من مدينة غزة، أما الشهيد الثالث فيُدعى شوقي جمال جبر عبيد (37 عاماً) من مخيم جباليا للاجئين، وقد توفي متأثراً بجروح أصيب بها في المواجهات مع قوات الاحتلال على حاجز بيت حانون يوم الجمعة الماضي.
كما استشهد إياد خليل العواودة من دورا قضاء الخليل، بعدما أطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه إثر إقدامه على طعن جندي في منطقة رأس الجورة في مدينة الخليل. وبحسب قوات الاحتلال فإنّ الشاب كان منتحلاً صفة مصور صحافي، «الأمر الذي سمح له بالاقتراب من الجنود»، وفق متحدث إسرائيلي. وتظهر الصور أن العواودة كان مصاباً وملقى على الأرض عندما أجهز عليه جنود الاحتلال.
وفي نابلس شمال الضفة، استشهد الشاب إيهاب حنني (19 عاماً) خلال مواجهات مع قوات الاحتلال على حاجز بيت فوريك.
وقمعت قوات الاحتلال عشرات الشبان الذين تجمَّعوا قرب الشريط الأمني في مناطق شرق خزاعة وشرق عبسان الكبيرة شرق خانيونس، وشرق مخيم البريج وسط غزة، وقبالة حاجز بيت حانون شمال القطاع، وعند موقع ناحل عوز شرق غزة.
وأصيب العشرات بجروح مختلفة في مواجهات اندلعت في ست نقاط مواجهة مع قوات الاحتلال في مناطق متفرقة من رام الله، فيما شهد المدخل الشمالي لمدينة البيرة المقابل لمستوطنة بيت ايل، أعنف المواجهات. ووقع اشتباك مسلح في بلدة سلواد شمال رام الله، ما دفع بقوات الاحتلال الى إرسال تعزيزات عسكرية إلى المدخل الغربي للبلدة. كما أصيب ستّة شبّان بالرصاص الحيّ وعشرة آخرون بالرصاص المطاطي، في مواجهات في مدينة الخليل وبلدة بيت أمّر، شمال الخليل.
كذلك اندلعت مواجهات عنيفة في منطقة رأس الجورة في مدخل الخليل الشمالي، عقب قمع قوّات الاحتلال بعنف مسيرة حاشدة دعت إليها حركة «حماس».
مواجهات أخرى اندلعت عند مدخل مدينة بيت لحم الشمالي، وغيرها في بلدة تقوع شرق المحافظة، أطلق خلالها الاحتلال القنابل الغازية والصوتية.
وعلى حاجز حوارة جنوب نابلس، اندلعت، عصراً، مواجهات عنيفة، عندما خرج المئات للمشاركة في مسيرة حاشدة في إطار «جمعة الغضب»، ما أدى الى إصابة عشرة أشخاص على الأقل.
من جهتها، طالبت حركتا «حماس» و «الجهاد الإسلامي» بحماية «الهبة الشعبية في الضفة الغربية والقدس»، والعمل على دعمها وإسنادها فلسطينياً وعربياً، في مسيرة مشتركة لهما، في مخيم جباليا شمال القطاع غزة.
وفي تطور آخر، ذكرت مصادر أمنية فلسطينية أنَّ عشرات الشبان اقتحموا «قبر يوسف» المتاخم لمخيم بلاطة شرق نابلس، وأضرموا النار فيه، مستخدمين زجاجات حارقة ومواد مشتعلة، ما أدى إلى احتراقه من الداخل بالكامل.
وعلى الأثر، ندَّدت الأمم المتحدة بإضرام النار في «قبر يوسف»، وذلك في مستهل اجتماع لمجلس الأمن الدولي خُصّص لبحث الوضع في الضفة والقدس، فيما وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس إضرام النار في القبر بـ «العمل المدان والمرفوض»، طالباً «تشكيل لجنة تحقيق فورية في ما جرى، والبدء في إصلاح الأضرار».
أمّا مساعد الممثل الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة دافيد رويت، فكرَّر أمام مجلس الأمن، أنَّ إسرائيل «لن تقبل بأيّ وجود دولي» في المسجد الأقصى، معتبراً أنَّ ذلك «سيشكل تغييراً في الوضع القائم» حالياً في الأماكن المقدسة.
وطالب ممثل دولة فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن الدولي بـ «سرعة التدخل لوقف العدوان الغاشم من قبل الاحتلال العسكري الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين ضدّ الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة».
وقال السفير الفلسطيني، إنَّ «مجلس الأمن سبق أن اعتمد القرار 904 بعد مذبحة الخليل على يد مستوطن إرهابي، وقد طالب القرار بتوفير الحماية في أرضنا وبوجود دولي، كما طالب القرار بسحب السلاح من أيدي المستوطنين، ونحن نطالب مجدداً بتنفيذ هذا القرار».
ويلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع المقبل، في برلين، كلاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري.
وأوضح بيان للمتحدث باسم المستشارة الالمانية، أنَّ ميركل ونتنياهو «سيناقشان الأوضاع الأمنية في إسرائيل والمنطقة»، بعدما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قرّر تأجيل زيارته التي كانت متوقعة في الثامن من الشهر الحالي.
وأعلن السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر، يوم أمس، أنَّ نتنياهو سيلتقي كيري في برلين الأسبوع المقبل. وقال لشبكة «سي ان ان» الأميركية: «أعلم أنهما كانا يحاولان القيام بشيء ما، لأن رئيس الوزراء سيتوجه إلى ألمانيا لإجراء محادثات مع ميركل، ووزير الخارجية كيري سيتوجه إلى هناك للقائه».
وكانت صحيفة «هآرتس» قد أشارت إلى أنَّ الجانبين ناقشا، هاتفياً، التصعيد القائم في الأراضي الفلسطينية. وقالت إنَّ نتنياهو وكيري اتفقا خلال المكالمة على إجراء لقاء في العاصمة الألمانية برلين.
وبحسب بيان صادر عن مكتب نتنياهو، فإنَّ كيري «أقرّ أثناء المحادثة الهاتفية مع نتنياهو، بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في مواجهة العمليات التي تشهدها القدس وباقي المدن الإسرائيلية»، مضيفاً أن وزير الخارجية الأميركي أطلع نتنياهو على ما دار في المكالمة التي أجراها مع محمود عباس، أمس الأول، والتي طالبه خلالها، وفق البيان، بـ «وقف التحريض ضدّ إسرائيل، وإدانة العمليات التي تستهدفها».
الرئيس الأميركي باراك أوباما يشعر من جهته، بالقلق حيال استمرار «أعمال العنف». وقال في مؤتمر صحافي «نحن قلقون للغاية حيال اندلاع العنف». وأضاف «ندين بأشد العبارات العنف الذي يطاول الأبرياء ونعتقد أن من حق إسرائيل أن تحفظ القانون والنظام الأساسيين وتحمي مواطنيها من الهجمات بالسكاكين والعنف في الشوارع». وتابع «نعتقد كذلك أنَّ من المهم أن يحاول نتنياهو والمسؤولون الإسرائيليون المنتخبون والرئيس الفلسطيني وغيره من الأشخاص في مواقع السلطة، وقف الخطاب الذي يمكن أن يغذّي العنف أو الغضب أو سوء الفهم»