سكان صور والبرج الشمالي والعباسية وبعض المناطق المجاورة في حال استنفار قصوى. السلاح الحربي بات لا يفارق الايادي. رجال ونساء يتناوبون على الحراسة والمطاردات. لا تعيش المنطقة حرباً او معارك مع عدوّ بشريّ او معروف. بل انها حرب مفتوحة ضدّ الكلاب، على اثر الحادثة المؤسفة التي وقعت مؤخراً.
وفي التفاصيل، ان كلباً (او اكثر بحسب بعض الشهادات) هاجم عصر الثلاثاء الماضي، عدداً من المواطنين في منطقة البرج الشمالي، فارداهم ضحايا مضرجين بالدماء. بدأ هذا الكلب هجومه بالانقضاض على ثلاثة اطفال سوريي الجنسية واصابهم بجروح بالغة، ليكمل ما بدأه عصراً فهاجم 17 شخصاً. الحادثة اثارت الرعب في صفوف المواطنين الذين هبّوا، بكل الوسائل، للدفاع عن انفسهم...وهكذا اتخذ قرار الاعدام بحق كل كلب تواجد في المكان!
رمياً بالرصاص او عبر السمّ، يقضي المواطنون على هذه الحيوانات، في وقت تحتار البلديات في كيفية التصرّف وايجاد الحلول الانسب.
جمعية Animals Lebanon نشرت على صفحتها على موقع "فيسبوك" مقطع فيديو يُظهر احد الكلاب وهو ينازع جراء تناوله السمّ. مشهدٌ يفوق التصوّر والقبول، تماماً كما صور الضحايا الذين اصيبوا بجروح بالغة ومخيفة.
فما الحلّ؟ ولماذا عمد هذا الكلب الى ارتكاب هذه الجرائم؟
يؤكد نائب رئيس بلدية صور الحاج صلاح صبراوي ان "هذا الكلب مدرّب". بحسب كل الافادات والوقائع، فهو ليس كلبا عاديا او شارداً. يتابع، في حديث لموقع "لبنان 24":"بعد تهجمه على الاطفال السوريين، طلبتُ من عناصر شرطة البلدية ملاحقته وقتله فوراً، لكنها لم تجده. ولدى تعرضه لمجموعة من السكان، حاول احد الشبان، وهو في السلك العسكري ويتمتع ببنية قوية ورياضية، ان يبطحه ارضاً، لكنه عجز عن ذلك. بالاضافة الى ذلك، تمركزت الاصابات في الرأس، وهذا ما يؤكد انه كلب مدرّب على الشراسة".
لكن هل من مزارع لتربية الكلاب على المصارعة في المنطقة؟ ليس على علم صبراوي الذي يقول: "ثمة طبيبة من المنطقة تبذل جهودا جبارة في ايجاد حلول لقضية الكلاب الشاردة عبر تأسيسها مزرعة لايوائهم بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية، المحت من خلال ما توافر لها من معلومات، ان ثمة مزرعة من هذا القبيل في المكان (وهي طبعا غير شرعية).
وفي هذا السياق، كان قد اكدّ رئيس بلدية صور حسن دبوق في اتصال مع موقع "لبنان24" ان "محاولة جرت في السابق لاقامة مثل هذا النشاط غير الشرعي، غير ان البلدية كشفت الامر ولاحقت اصحاب المرزعة قضائيا بعد اغلاقها".
اذاً، يبدو مؤكداً أن الوحش الكاسر تمّ ترويضه على العنف والدماء. اما كيف راح يسرح ويمرح حرا طليقاً، فهذا امر لا يزال مجهولا.
غير ان رئيس البلدية ونائبه يلفتان الى ان ظاهرة الكلاب الشاردة في المنطقة ليست وليدة اليوم:" البساتين تحيط في المكان وثمة ابنية مهجورة، بالاضافة الى قيام اصحاب الكلاب في كثير من الاحيان بالتخلي عنهم وتركهم في الشوارع".
يقرّ صبراوي ان بلدية صور كانت تواظب على قتل الكلاب الشاردة رميا بالرصاص، الا انها توقفت عن هذا الامر منذ نحو سنة، رأفة بهذه المخلوقات، لا سيّما وان السكان كانوا يتعاطفون معها ويعارضون قتلها. ومنذ ذلك الحين، راحت البلدية تتواصل مع الجمعيات التي تعنى بالحيوانات لايجاد الحلول اللازمة. الا ان ظاهرة الكلاب الشاردة راحت تتفاقم وبدأ المواطنون يتذمرون منها، الى ان حدث ما حدث مؤخراً، فعلت الصرخة وعمّ الغضب، وبات الشعب يريد...ابادة الكلاب!
بالنسبة الى جمعية Animals Lebanon، فان قتل الحيوانات خط احمر يجب عدم تجاوزه. يؤكد المدير التنفيذي جاسون مير Jason Mier في حديث لموقع "لبنان24" ان الجمعية تواصلت فوراً مع البلديات المعنية عقب وقوع الحادث، لكشف ملابسات ما حصل وتقديم الحلول والمساعدة.
بالنسبة اليه ايضاً، فان هذا الكلب مدرب على العنف والهجوم والمصارعة، وقد قام فعلا بايذاء المواطنين الذين بدورهم "ثأروا" من كل الكلاب. اما الحلول فلا تكون بالقتل، يقول مير مضيفاً:" المسؤولية لا تقع على البلديات وحسب، انما على الحكومة اللبنانية برمتها، اذ يتوّجب على لبنان الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقع عليها واتباع توصيات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية OIE ، بالاضافة الى ان مجلس الوزراء قد وافق على مشروع قانون حماية الحيوانات والرفق بها والذي بات ينتظر اليوم اقرار مجلس النواب".
وتعي OIE أهمية مكافحة الكلاب الشاردة دون التسبب لها بآلام غير ضرورية يمكن تلافيها، وذلك عن طريق عدد من التوجيهات والارشادات التي تضطله بها اكثر من جهة معنية، مع التشديد على ضرورة ان يتحمل مالكو الكلاب مسؤولية اساسية في الحدّ من تشردّها.
واذ يعتبر ان "المشكلة الرئيسية تكمن في تقاعس البلديات عن تنظيم تجارة الكلاب وتسجيلها والى ما هنالك من اجراءات تساهم في خلق بيئة مثالية لهذه الحيوانات وبالتالي الحدّ من تعرضها للانسان"، يشير الى ان الجمعية بصدد التعاون مع البلديات في المنطقة لوضع خطط طويلة الامد.
وبالفعل، كشف نائب رئيس بلدية صور ان اجتماعا سيعقد نهار السبت مع الجمعية لاتخاذ الاجراءات اللازمة على المديين القصير والبعيد.
الا ان رئيس البلدية كان قد اعتبر ان اي طرح لحلول نظرية غير قابلة للتطبيق لن يجدي نفعاً. وقد سأل :"لماذا تطلب الجمعيات منا ان نقوم نحن بخصي الكلاب؟ ولماذا تحملنا المسؤولية في حين ان معظم بلديات لبنان غير قادرة على تأمين متطلبات سكانها؟ نحن حقا ضدّ قتل الكلاب او اي من الحيوانات الاليفة، لكننا في ظلّ عدم توافر الامكانيات المادية لتنفيذ مثل هذه البرامج التي من شأنها حماية الكلاب او مكافحة الشاردة بطرق غير مؤذية، فاننا نعطي الاولوية للسكان"!
وبانتظار وضع استراتيجية واضحة لحماية الكلاب والسكان، يبدو ان الحرب ستظلّ مفتوحة الى ان يقتل الوحش الكاسر، فلسان حال المواطنين: "اقتلوا الكلاب"، في وقت يناشدون وزارة الصحة تأمين اللقاحات المضادة لداء الكلب، لا سيّما وان المصابين اضطروا الى التوجه الى مستشفيات صيدا والنبطية لتلقي العلاج بسبب عدم توافره في مستشفيات صور.
لبنان 24
لمشاهدة الفيديو