حدث تاريخي ، وذكرى ذات مكانة عند المسلمين وهي هجرة النبي (ص) من مكة ومن هاجر معه من الصحابة، من إلى المدينة المنورة كما هاجر بعض الصحابة قبلها مرتين إلى الحبشة .
مما لا شك فيه أن المؤرخين قد ذكروا تفاصيل معاملة كفارِ مكة وقريش للبني (ص) وأصحابه , من إيذاءٍ وظلم وتعذيبٍ , ومحاربة له بكل أشكال العنف والقمع والظلم لردعه عن إكمال دعوته ومخاطبة الناس بالرسالة , لهذا كانت بداية الدعوة سرية لثلاث سنوات ريثما يتمكن النبي (ص) من إقناع عشيرته الاقربين , وبعض أهل مكة من الوقوف معه والايمان بدعوته السماوية , وبعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية أمر الله تعالى النبي (ص) أن يصدح بالامر علنا ويدعوا الناس للايمان بدين الاسلام وتعاليمه.
بدأت المضايقات تشتدّ عنفا تارة , ومؤامرات تارة أخرى , فصبر النبي(ص) مع مَنْ آمن معه , وتحمّل كل الاذى طيلة عقدٍ من الزمن , بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية , حتى جاء الامر بالهجرة من مكة الى المدينة .
ما هو سرّ الهجرة وماذا كان يريد من الهجرة ؟ مع أنه قد مرّ بكل الصعوبات في مكة وجوارها , وبدأت الدعوة تنتشر , وبدأ الناس في الامصار يسمعون بالنبي (ص) ودعوته , يعني أن المسيرة بدأت تأخذ مسارها بنجاح بعد ثلاثة عشرة سنة , الملفت أنه في هذه المرحلة من الدعوة في مكة لم يستعمل النبي (ص) السيف والحرب ضد الذين حاربوه ووقفوا بوجهه .
إن سرّ الهجرة كان البحث عن فضاء من الحرية لنشر الدعوة بعد أن ضاقت مساحة الحرية في التعبير ومخاطبة الناس والدعوة في مكة , وهذا أقل حقوق الانسان أن يخاطب الناس بحرية , لأن النبي (ص) , لا يريد فرض الاسلام بالسيف كما هو شائع بين المسلمين وغيرهم , وهو خطأ كبير شاع في السيرة التاريخية للاسلام , لأن الدين لا يُفرض بالقوة على الناس , بل من أساسيات صحة الدين والاعتقاد الديني أن يقتنع به الناس بطريقة العقل والمنطق , والا لا يصحُ الايمان المفروض بالقوة , فلذلك واجه النبي (ص) أعداءه في مكة بالحوار , وأصرّ عليه , فعندما وصلت المرحلة الى منع النبي(ص) من الدعوة بحرية والتعبير عن رأيه بحرية , لم يَعُد هناك مجال للبقاء تحت ظل القمع والاستبداد , وبنفس السياق هاجر قبله مجموعة من المسلمين الصحابة الى الحبشة طمعا بعدل حاكمها , وهو أيضا هاجر قبل الهجرة الى مكة الى الطائف , فلهذا الهدف كانت هجرة النبي (ص) وهو البحث عن مكان فيه فضاء من الحرية يستطيع فيه التعبير عن الدعوة بحرية , ومخاطبة الناس بدون حرج وخوف ومنع وإرهاب من أحد , ولمّا أصر الكفار على منعه من حرية التعبير , وأصروا على سلبِ هذا الحق , إستعمل السيف دفاعا عن حرية التعبير وليس بهدف فرض الاسلام بالقوة .
خلاصة البحث نريد أن نقول , بأن النبي (ص) لم يستعمل السيف من أجل فرض الاسلام ونشره , إنما كان إستعمال السيف فقط من أجل الدفاع عن الحرية , فلو تُرك النبي(ص) أن يدعوا بحرية لما كانت هناك أي حاجة لإستعمال السيف فجلّ معارك النبي(ص) كانت بسبب الدفاع عن حريته وحقه بنشر الدعوة , ولم يفرض الايمان على أحد بقوة السيف .
من هنا تتشابه أسباب هجرة النبي (ص) , مع أسباب هجرة الامام الحسين (ع) , فكلا الهجرتين كانتا بحثا عن فضاء من الحرية لممارسة الدعوة الى الاسلام وتعاليمه بحرية , فالحرية هي مقصد الاسلام , وهي سرّ هجرة النبي(ص) من مكة الى المدينة , والسيف هو الاستثناء في سيرة النبي(ص) والائمة (ع) , والحوار هو الاصل .