أطفال لبنانيون لم ينصفهم الوطن ، وشباب لم يحقق طموحهم في واقع لا عمل يتخلله ولا ضمان ولا مستقبل ، وعائلات قولب أحوالها النزوح السوري والوضع اللبناني المتدهور ، حتى قرر كل هؤلاء أن يختبروا "طريق الموت" تحت حلم أوروبا .
أزمة نزوح العائلات السورية إلى أوروبا تحوّلت إلى "أزمة وطن" ، إذ تجاوزت أعداد الهاربين الآلاف في الآونة الأخيرة ، فمن برّ لا أمان به إختارت العائلات اللبنانية المغامرة بحراً إلى أوروبا بطرق غير شرعية تنطوي على العديد من المخاطر ، وإذ نجح البعض في تحقيق هدفه من بعد معاناة مريرة ، إلا أنّ البعض الآخر كان ينتظره موتاً مأساويأً ، لتكرر مأساة إيلان وإنّما بصبغة لبنانية ...
هؤلاء الذين يهاجرون من لبنان إلى أوروبا اختاروا طريق تركيا ، ليسافر بعضهم عبر مطار رفيق الحريري الدولي بحجة السياحة أو العمل ، أو "هريبة" بعبّارة تتسع لعشر أشخاص فيما يحملونها أكثر من ثلاثين فرداً .
عند وصولهم إلى تركيا يمكثون بعض الوقت في الفنادق (غالباً في بودروم أو إزمير) لينعموا بقليل من النعيم المؤقت نظراً لما يتنظرهم لاحقاً من شقاء وصراع لأجل البقاء ، من بعد ذلك يجري الإتصال بالمهرّب الذي يكون على علاقة بآخر من لبنان ، لينقل الطامحين إلى أوروبا بحراً دون إجراءات وقائية تضمن الأمان ، كما حصل مع عائلة صفوان اللبنانية الذين غرق مركبهم بعد خروجهم من أزمير التركية .
هؤلاء ما إن يغادروا تركيا وعند وصولهم آمنين إلى الجهة المقصودة يقومون بتمزيق الأوراق الثبوتية اللبنانية ، ليدعوا أنهم من الجنسية السورية .
.
نتيجة لهذا الحلم ، دفعت العائلة اللبنانية ثمناً باهظاً لأوروبا ، وللطموح بالعبور نحو وطن أفضل وحياة أفضل من خلال خيار الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى اليونان للوصول إلى ألمانيا ، عائلة صفوان استقلت قارب الموت وهي 12 شخصاً لم يعد منهم سوى ثلاثة ، أما الآخرين فتوزعوا بين ثلاث جثث وستة مفقودين .
هذه العائلة هي واحدة من العائلات اللبنانية التي هاجرت لا هرباً من الحرب بل من الدولة الفاسدة ، وهذا ما صرّحه أحد أفرادها إعلامياً بقوله : " ما مأمن شي لولادنا من أدنى حقوق الإنسانية ، هاد غير الفقر الي عايشين في " .
ولأنه ، أصبحنا تحت رحمة مقولة " شو جابرك عالمر إلا الأمر منو " اضطرت عائلة صفوان لأن تهاجر ، فتكون النتيجة الموت غرقاً ، و هنا لا يسعنا إلى القول :
كيف لدولة تحترم نفسها أن تظل صامتة ومتفرجّة وأحد الناجين من العبّارة يؤكد أنه سيكرر محاولة الهروب ، في إصرار على الإنتحار هرباً من وطن الإنتحار