تطلي الفتيات الفلسطينيات المناضلات في رام الله، أظافرهن بألوان براقة ويرتدين سراويل الجينز الضيقة ويحملن أحدث الهواتف المحمولة في حقائب اليد الأنيقة التي يحملنها، فيما يساعدن في نقل الحجارة إلى الخطوط الأمامية ليلقيها المحتجون على جنود العدو الإسرائيلي.
تقول طالبة في الثانوية العامة تلبس جلباباً وملثمة بالكوفية الفلسطينية، وهي تقف إلى جانب شباب يلقون الحجارة: "أهلي ما بعرفوا إني هون".
ما يميز الموجة الحالية من المواجهات عن سابقاتها، هو أن هجمات الطعن بالسكاكين والهجمات على رجال الشرطة يشنها في الغالب شبان وشابات تحت العشرين، من دون أي روابط سياسية أو تنسيق من قوى عليا.
تقول طالبة الثانوي في رام الله من خلف اللثام، وهي تنقل الحجارة للشبان في الصف الأمامي: "أنا جيت هون بعد ما شفت في التلفزيون شو بصير بالاقصى وكيف بقتلوا الشباب".
ويردد آخرون غالبيتهم من طلبة جامعة بيرزيت القريبة، جاءوا للمشاركة في إلقاء الحجارة بعد انتهاء يومهم الدراسي، عبارات شبيهة بما تقوله الطالبة عن المسجد الأقصى الذي أصبح محور غضب الفلسطينيين الذين تبددت آمالهم في السلام وانتهاء الاحتلال.
يقول طالب في كلية العلوم الإدارية كان ملثماً بالكوفية الفلسطينية ويستخدم المقلاع في إلقاء الحجارة على القوات الإسرائيلية على بعد نحو 200 متر لوكالة "رويترز": "بدنا الاحتلال ينتهي وبدنا الانتهاكات ضد الأقصى تنتهي واحنا بنضرب حجار لأنو هذا السلاح اللي في أيدينا".

* انتفاضة الهواتف الذكية
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد وصف المناضلين الذين بدأوا باستخدام السكاكين في هجمات متفرقة، وإن كانت شبه يومية هذا الشهر، بأنهم "ذئاب منفردة". وهؤلاء المهاجمين أشعلت غضبهم رسائل على موقع "فايسبوك" تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، ما يجعل من المستحيل تقريباً التنبوء بمن سيوجه الضربة التالية.
وكتب مهند حلبي طالب الحقوق صاحب التسعة عشر عاماً من رام الله، على صفحته على "فايسبوك" يقول قبل ساعات من إقدامه على قتل مستوطنين اثنين طعناً في القدس القديمة: "كلمة جميلة أيها الرئيس لكن عذرًا نحن لا نعرف قدس شرقية وغربية فقط نعرف أن لنا قدس واحدة غير مقسمة وكل بقعة فيها مقدسة. وعذراً يا رئيس فما يحدث لنساء الأقصى والأقصى لن توقفه الطرق السلمية. فما تربينا على الذل. والدفاع عن حرمة الأقصى ونسائه هو شرفنا وعرضنا والدفاع عنه بأي شكل ووسيلة يعتبر قانوني. أشكر جهدك حضرة الرئيس".
وفي غياب أي مفاوضات ترمي لتحقيق حل الدولتين لتسوية الصراع بعد انهيار أحدث جولة من المباحثات مع "إسرائيل"، في نيسان العام 2014 ، أصبح المسجد الأقصى رمزًا وطنيًا يتجاوز مغزاه الديني عند كل المسلمين.
واكتست الجدران في غزة برسومات للمسجد وقبة الصخرة الذهبية.
ويقدس اليهود الحرم أيضًا ويسمونه جبل المعبد ويقولون إنه موقع معبدين قديمين وأقدس مكان في الديانة اليهودية.
ويغذي مشاعر الغضب بسبب الأقصى إدراك الكثير من الفلسطينيين أن السلطات أعطت جماعات يهودية قدرًا أكبر من الحرية في زيارة الحرم، وإن هذه الجماعات تحاول الصلاة هناك رغم منع الصلاة فيه لغير المسلمين منذ القرن الثاني عشر.
وقال نتنياهو مراراً، إنه ليس لديه النية في تغيير الوضع القائم لكن تطميناته لم تفعل شيئاً يذكر لتهدئة الغضب الفلسطيني، إذ ينتشر كل حديث يتردد عن انتهاك جديد على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة ليتجدد الغضب.
ويبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (80 عاماً) فوجيء بطبيعة المواجهات المتفاوتة وارتباطها بجيل الإنترنت. ورغم أنه استخدم عبارات تقليدية تشيد بالشهداء الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية، فإن مصادر تقول إنه حث وسائل الإعلام الفلسطينية أيضا على الامتناع عن تمجيد الهجمات وإعادة بث لقطات الفيديو لـ"حوادث العنف".

* التاريخ يعيد نفسه من جديد

وبأعمال الرشق بالحجارة تمثل دورة العنف الحالي تكرارًا للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي دارت أحداثها من 1987 إلى 1993 قبل التوصل لاتفاقات أوسلو للسلام التي جلبت بعض الهدوء للمنطقة. لكن التركيز على الأقصى يجعل اضطرابات اليوم أكثر شبهاً بالانتفاضة الثانية التي أطلق عليها انتفاضة الأقصى.
وبدأت الاضطرابات في أعقاب زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذلك أرييل شارون للحرم في العام 2000 وانتهت بعد ذلك بخمس سنوات بعد حملة من التفجيرات الانتحارية في مقاه وحافلات سقط فيها ألف إسرائيلي وثلاثة آلاف فلسطيني قتلى.
ومنذ العام 2003 قامت إسرائيل ببناء جدار من الصلب والخرسانة ليعزل معظم الضفة الغربية عن إسرائيل والقدس الشرقية. وفي حين أن آلاف الفلسطينيين يعبرون هذا الحاجز يومياً للذهاب إلى أعمالهم فإن عمليات الفحص والتفتيش شائعة ومن الصعب تهريب سيارة ملغومة أو أي أسلحة كبيرة أخرى.
ونتيجة لذلك أصبح معظم الهجمات الآن يتم بسكاكين ومفكات يسهل إخفاؤها. ورغم وجود مؤشرات على تحول في الأساليب ومن ذلك حادث إطلاق نار يوم الثلاثاء وحادث آخر وقع يوم الأحد يشتبه أنه كان لتفجير سيارة ملغومة فإن وسائل الإعلام الفلسطينية تشير إليها على أنها انتفاضة السكاكين.
وكثير من المهاجمين في الهجمات الأخيرة من سكان القدس الشرقية الذين يمكنهم التنقل من دون قيود، لأن إسرائيل تعتبر ذلك الجزء من المدينة جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
ولم يطرأ تغير على عاملين آخرين أولهما أن مستوطني ومحتلي أرض فلسطين أصبحوا يعيشون مرة أخرى في خوف وفزع، والثاني أن الفلسطينيين يئسوا فيما يبدو لفشل مساعي التسوية السياسية، ولإحساسهم أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وبناء المستوطنات لن ينتهي.
وتقول الناشطة الفلسطينية المخضرمة حنان عشراوي، وهي من كبار أعضاء "منظمة التحرير الفلسطينية" وعضوة سابقة في فريق المفاوضات مع الإسرائيلين، إن "المفاوضات لم تحقق شيئاً ولا طائل من ورائها. القيادة الفلسطينية فقدت التأييد. والناخبون الفلسطينيون يشعرون بإحباط شديد. وحدث فقدان للأمل".
ورغم ذلك فإن بعض الفلسطينيين يتساءلون عما ستؤول إليه موجة الغضب الحالية.
يرى خميس عنبتاوي، الموظف في العشرينات من العمر، وهو يقف ناظرًا إلى الشباب وهم يلقون الحجارة أن "هاي مش انتفاضة وإذا بدها تكون انتفاضة وتستمر لازم يكون لها قيادة. لغاية الآن هذا حراك محدود اللي بقوم فيه الطلاب. وإذا ما يكون إلو قيادة ما راح يستمر. لازم تكون انتفاضة مسلحة لو في سلاح. الجنود بكونوا هيك يطخوا في الشباب. كان بدهم دبابات يتخبوا فيها. إذا ظل الوضع هيك بس ضرب حجار وما في حدا يساعد الشباب اللي بضرب وينظمهم ويتابع المصابين ما راح تستمر".