لم يكن سقوطها عن الطابق الثالث آخر الضربات التي تلقتها "أنجلينا أمهز" إبنة الـ4 سنوات، في منطقة حي السلم ببيروت، حيث شاء القدر أن تبقى على قيد الحياة بإصاباتها البالغة، لتتلقى مزيداً من "الجراح" الأكثر إيلاماً، على أبواب الأماكن المعنية بتضميدها أصلاً، فتشهد وطفولتها على فصل جديد من فصول معاناة اللبنانيين مع قطاعهم الصحي، الذي بات أقرب الى قطاع مصرفي - تجاري يبغى الربح قبل أي هدف إنساني، من المفترض أن يكون الأولوية.
وإن كان القضاء والقدر قد خبأ للطفلة ارتطاماً عنيفاً هشم عظام جسدها، فقد هان أمام ما حضرته المستشفيات لها من قسوة لم يبلغها القدر. جشع وإهمال واستهتار، زاد على عضامها المهشمة، موتاً دماغياً بعد أن دخلت الفتاة "كوما" سببها التأخر في إستقبالها من قبل "تجار صحة"، لم يتأثروا بحمرة وجنتين سال عليهما دمها القاني الذي لم يعوض عن مشهد "الأخضر المالي"، فلم يستقبلوها.
يروي أحمد أمهز (خال الفتاة) لـ"بيروت برس" ما جرى مع العائلة بالتفاصيل بعد حادثة سقوط الطفلة عن الطابق الثالث عند الساعة الثانية ظهراً، حيث تم على الفور نقل "أنجلينا" إلى مستشفى الهادي في منطقة حي سلم، وهي الأقرب إلى مكان وقوع الحادثة. إلا أن الأهل اصطدموا بعدم توفر أبسط مقومات العلاج او حتى الإسعافات الأولية في المستشفى المذكورة، وبحسب ما قاله أمهز "لم نجد حتى طبيب واحد في المستشفى مؤهل للكشف على حالة الطفلة."
وعلى الفور، قامت العائلة بنقل الطفلة التي كانت لا تزال تنزف الى مستشفى "السان جورج"، حيث تلقت هناك الإسعافات الأولية الضرورية، وطلب من العائلة نقلها إلى مستشفى آخر متخصص بمعالجة هذا النوع من الإصابات. وعلى هذا الأساس، حمل أفراد العائلة التقرير الطبي وجالوا على المستشفيات حيث تم رفض استقبالها من عدة مستشفيات إما بحجة عدم توفر الأمكنة، أو لعدم توفر المعدات والمتطلبات الخاصة بحالة "أنجلينا"، وهو ما دفع العائلة لإجراء مروحة من الإتصالات العاجلة حتى تأمن اتصال بوزير الصحة "وائل أبو فاعور" الذي دعا العائلة للتوجه بالطفلة الى مستشفى "الحياة"، حيث "حجز لها من قبل الوزير شخصياً من أجل استقبالها"، بحسب ما أكده أمهز.
وبعد توجه الأهل الى مستشفى "الحياة" كانت الصدمة بأنّ المستشفى رفضت استقبال الفتاة غير المستفيدة من أي ضمان صحي، والتي كان من المفترض استقبالها على نفقة وزارة الصحة. وبحسب ما أكده أمهز، فبعد الإستفسار عن كون الوزير أبو فاعور قد أكد أنه تم التواصل مع المستشفى وحجز مكانًا لاستقبال الفتاة، كان جواب المستشفى "حتى لو الوزير اتصل وحجز، ما في مطرح يعني ما في مطرح".
معاناة طويلة عاشها الأهل والطفلة التي بقيت 4 ساعات دون تلقي أي علاج حتى الساعة السادسة من بعد الظهر، حين تم الإتفاق مع مستشفى "الحريري" الحكومي على حجز مكان واستقبالها لتلقي العلاج اللازم، إلا أن الطفلة وصلت الى المستشفى فاقدة الوعي تماماً وقد دخلت في "كوما"، سببها التأخر في معالجة النزيف الدماغي الذي تعرضت له وهو ما ضاعف خطورة حالتها، بحسب ما أكده الأطباء للأهل، حيث تعاني الطفلة أيضاً من نزيف في الرئة وتمزق بإحدى كليتيها، وباتت اليوم بحالة "وفاة دماغية" في وضع خطير تحتاج نقل فوري الى المستشفى الكندي حيث تتوفر آليات علاج متخصصة لهذه الحالات، إلا أن العائق حتى الآن يكمن في عدم توفر الضمان الصحي وعجز الأهل عن توفير تكاليف العلاج اللازمة، في حين تسعى العائلة جاهدة لتأمين تكاليف العلاج في مستشفى الحريري.
وناشد "أمهز" عبر "بيروت برس" وزير الصحة وائل أبو فاعور للتدخل العاجل من أجل محاولة إنقاذ "أنجلينا" التي باتت في وضع صحي خطير جداً، كذلك دعا أمهز لتدخل الوزير مباشرةً ووضع حد للأسلوب التجاري الذي تتعاطى به المستشفيات التي من المفترض أن تتعاطى مع المواطنين بشكل انساني، موضحاً أن هذه الطفلة ليست الحالة الأولى التي يجري التعامل معها بهذا الإستخفاف والإستهتار، لكن الأمل يبقى بأن تكون هذه الطفلة هي الحالة الأخيرة في لبنان، إذا ما قررت وزارة الصحة حسم هذا الأمر بشكل نهائي.
beirutpress