تبدأ اليوم مراسم إحياء ذكرى عاشوراء لدى أبناء الطائفية الشيعية في العالم، ويستعد الشيعة اللبنانيون لإحياء هذه الذكرى على قاعدة نصرة الحق وإقامة العدل وطلب الإصلاح، تلك الشعارات التي استشهد من أجلها الإمام الحسين بن علي عليهما السلام .
ولئن كانت ذكرى عاشوراء مناسبة جليلة جديرة بإحيائها والإحتفاء بها على مر العصور، إلا أن الدواخل على هذه الذكرى أصبحت كثيرة، وبعض أساليب الإحياء تكاد تفرغ المناسبة من محتواها الديني والعقائدي وتكاد تنسف الأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين عليه السلام، والاهداف التي شكلت إنطلاقة الثورة الحسينية.
ومع حلول هذه المناسبة السنوية تزداد عمليات تشويه الذكرى عاما بعد عام وذلك من قبل الشيعة أنفسهم، حيث أصبحت هذه المناسبة موسما سنويا لجشع التجار الذين يحاولون بشتى الوسائل تكريس نمط جديد تحت مسمى " الموضة العاشورائية" فيلجأون إلى ابتكار أنواع جديدة من الألبسة والشالات تحت مسمى مناسبة عاشوراء إذ يحاولون من خلال ذلك دسّ المفاهيم الخاطئة وتكريس التعاليم المسيئة لهذه المناسبة لمآرب آنية تجارية لا تمت إلى أصول المناسبة وأهدافها بصلة، ومن المؤسف أن هذه المفاهيم تأخذ طريقها بسرعة إلى القواعد الشعبية لتصبح مع مرور الأيام جزءا من هذه المناسبة ومرتبطة بها ،ويأتي ذلك بغياب شبه كامل لرأي الدين ورجال الدين في مثل هذه التجاوزات حيث لم يتصد أي من رجال الدين، وخصوصا رجال الدين المحاضرين في مجالس العزاء لهذه الدواخل على المناسبة وهي من أهم المواضيع التي تجب معالجتها .
وتشهد هذه المناسبة أيضا بالإضافة الى ذلك جملة من الأضاليل و البدع التي أدت إلى توهين المناسبة والمذهب على حد سواء .
وفي هذا السياق يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية وهو أحد أبرز علماء الشيعة في لبنان : إنّ العادات و التقاليد المتبعة عند العوام لا يصحّ أن تكون مصدراً للعقيدة لأن الكثير منها لا يقرّه الدّين الذي ينتمون إليه حتى ولو أيّدها وساندها شيوخ يتسمون بسمة الدّين. ومنها ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان و العراق وإيران من لبس الأكفان وضرب الرؤوس و الجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم. فإن هذه العادة المشينة بدعة في الدين و المذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كلّ دين ومذهب حيث توجد به عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الإهانة والضرر ولم يجرؤ على مجابهتها ومحاربتها أحد في أيامنا إلا قليل من العلماء وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين الذي ألف رسالة خاصّة في تحريم هذه العادة وبدعتها وأسمى الرسالة " التنزيه لأعمال الشبيه"
ويؤكد الشيخ مغنية بذلك على ضورة مواجهة هذه الظواهر الدخيلة على المناسبة وهذا من أبسط الواجبات التي يجب أن يتلفت إليها رجال الدين الذي يشاركون بأنفسهم في إحياء هذه المناسبة .
وإضافة إلى ذلك فإن من أهم الأخطاء التي تقع خلال إحياء هذه المناسبة هي التحريض الطائفي والمذهبي مع العلم أن أحداث عاشوراء من بدايتها الى نهايتها المأساوية إنما كانت تدور بين الإمام الحسين وشيعته حتى لحظاتها الأخيرة .
إن استغلال هذه المناسبة لمآرب الفتنة الطائفية والمذهبية هي توهين لها وإساءة لشهيدها الأكبر الإمام الحسين الذي كانت أهدافه الكبرى معروفة وهي متصلة الى حد كبير برسالة رسول الاسلام محمد (ص)
يقول المرجع اللبناني السيد علي الأمين في هذا السياق :
حاول البعض في تلك الحقبة المظلمة من التّاريخ ان يستغلّوا مقتل الإمام الحسين في مشاريعهم السياسيّة وطموحاتهم السّلطويّة وكانوا يجمعون النّاس تحت شعار ( يا لثارات الحسين) لأنّ قضيّة الإمام الحسين يتعاطف معها النّاس لمظلوميّته وموقعه الدّينيّ عند المسلمين.
وقد أدرك الإمام الصّادق مخاطر هذا الشّعار على إشعال نار الفتن والحروب في المجتمع الإسلامي فواجه هذه الحالة التي كانت تخفي وراءها الكثير من حبّ السلطة والنّفوذ وقال لهم إن الإمام الحسين ليس ثأراً لأشخاص ولا لقبيلة ولا لعشيرة إنّه ثار الله، فالشهيد عندما يقتل في سبيل الله فإن الله تعالى هو الّذي يتولّى أخذ ثأره من الظالمين من خلال أحكامه وقوانينه التي يسقط بها عروش الطّغاة والجبابرة، فالإمام الحسين ليس ثأراً لبني هاشم وليس ثأراً لطائفة ومذهب والذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء أصبحوا في محكمة الله فالإمام الحسين قد مضى شهيداً والشهيد ثار الله والله خير الحاكمين.
ولذلك كان الإمام الصادق يخاطب الإمام الحسين عليه السلام عند زيارة ضريحه بقوله له : ( السّلام عليك يا ثار الله وابن ثاره)
كاظم عكر