مع بدء العدّ العكسي لتنفيذ الاتفاق النووي بعد مصادقة مجلس الشورى الإيراني عليه، وفي غمرة توتّر العلاقة بين الرياض التي يزورها النائب وليد جنبلاط ومعه الوزير وائل أبو فاعور ونجله تيمور، وطهران التي يُجري فيها وزير الخارجية جبران باسيل محادثات يوم السبت المقبل مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وكبار المسؤولين، بدا أنّ الأزمة السياسية في لبنان مرشّحة لمزيد من التفاقم، بعد سقوط التسوية في ملف الترقيات، واستمرار تبادل الاتهامات حول مسؤولية مَن أسقَطها. وفيما كانت الآمال معلّقة على جرعة أوكسيجين تنعِش الحكومة التي تحتضر وتطلق عملها مجدداً، أعلن رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» عدمَ عودة «التكتل» إلى الحكومة قبل تعيين قائد جيش ومجلس عسكري جديد، وذلك بعد ساعات على إعلان«التكتّل» أنّ نوابه سيشاركون في جلسة انتخاب هيئة مكتب مجلس النواب، وأعضاء اللجان النيابية، التي دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقدها الثلثاء المقبل. إلّا أنّ التكتّل حرص على توضيح أنّ مشاركته هذه تندرج ضمن إجراءات الضرورة، للتعامل مع المجلس النيابي، بانتظار تصحيح التمثيل ميثاقياً ودستورياً». ما كان متوقّعاً في تظاهرة 11 تشرين أعلنه العماد عون أمس في مقابلته التلفزيونية، فأكّد أن «لا عودة إلى الحكومة قبل تعيين قائد جيش ومجلس عسكري جديد»، وبالتالي أبدى تمسّكه بهذا المطلب على رغم خروج العميد شامل روكز من الخدمة العسكرية، ما يؤشّر بوضوح إلى تحويلها معركةً شخصية مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، في محاولة متكرّرة لإزاحته من حلبة المنافسة الرئاسية، ولكنّ عون لفتَ في الوقت نفسه إلى أنّه «محكوم عليه البقاء في الحكومة والمجلس النيابي بسبب الفراغ الرئاسي حتى إشعار آخر»، إنّما لن يشارك في جلسات الحكومة، وفي طليعتها جلسة النفايات، إذا دعا إليها رئيس الحكومة تمام سلام، فقال: «لن أشارك في هذه الجلسة، ولكن لن أعطّلها، وخطة النفايات لا تحتاج إلى العودة لمجلس الوزراء».

فلقد وجد عون أنّه لا يستطيع تمرير سقوط التسوية من دون تسجيل أيّ موقف سياسي، وهذا الموقف هو الحدّ الأدنى الذي باستطاعته اتّخاذه في ظلّ قواعد اللعبة التي يتمسّك بها حليفه «حزب الله» والمرتكزة على ترسيخ الاستقرار واستمرار الحكومة والحوار بغية التفرّغ لقتاله السوري الذي دخل في مرحلة جديدة وحسّاسة مع انتقال قوّاته إلى إدلب، فقرّر تعليق مشاركته من دون أن يكون هذا التعليق عائقاً أمام التوافق السياسي في ملفات محدّدة على غرار النفايات، ما يعني مجرّد خطوة شكلية.

التسوية السياسية سقطت وأصبحت من الماضي. المطلب الجديد لعون غير قابل للتحقّق، وهو شكلي لحفظ ماء الوجه والقول إنّ معركته مبدئية لا شخصية. إهتمامات كلّ القوى السياسية عادت لمتابعة تطوّرات الأحداث السورية مع الدخول الروسي إلى الساحة السورية، وبالتالي تجميد كلّ الخطوات السياسية بانتظار تطوّرات الميدان السوري.

الحيوية السياسية تبدأ بالعودة التدريجية في اللحظة التي يتيقّن فيها الجميع في لبنان أنّ موازين القوى السورية أكبر من قدرة موسكو على تغييرها، كونها موازين دولية وإقليمية، فيما أكثر ما باستطاعة روسيا فعله هو حماية النظام السوري من السقوط.

وإنْ دلّت المعركة التي خاضها عون تحت عنوان التعيينات العسكرية على شيء، فعلى أنّ هناك مروحة ضوابط وخطوط حمر ممنوع تجاوزها. وعلى رغم ترقّب الجميع للمشهد السوري والمخاوف من التداعيات الأمنية كنتيجة طبيعية لدخول عوامل جديدة في المعركة السورية وتوقّع ارتفاع منسوب التطرّف، فإنّ الإيجابية التي تحوّلت إلى ثابتة مع الحرب السورية هي أنّ التسخين السوري يقابله تبريد سياسي في لبنان. ولذلك، فإنّه مهما اشتدّت الأزمة السياسية وتعقّدت سيبقى الاستقرار في لبنان خطاً أحمر دولياً، إقليمياً ومحلياً.

عون

قال عون في مقابلة مع قناة الـ»أو تي في» في برنامج «بلا حصانة» للزميل جان عزيز: «لم أتّخذ القرار النهائي بشأن طاولة الحوار، ولا يمكننا ترك الحكومة لأنّه لا يمكننا إسقاطها، وعندما نكون في الداخل يمكننا تعطيل القرارات السيّئة، وفي مجلس النواب الوضع مشابه للحكومة، وإذا استقلنا من المجلس سيكملون باتّخاذ القرارات من دوننا، وإذا وصلنا إلى مرحلة تركِ الحكومة والمجلس النيابي، عندها ستصبح الأمور مختلفة والتعاطي على الأرض سيختلف».

ورأى أنّه «طالما الحالة شاذّة في الدولة لا يمكننا القبول بها، فالدولة تتفكّك، وهناك إصرار على البقاء في الوضع غير الشرعي». وأكد أنّنا «نريد قيادات أمنية شرعية، وما طوّر المشكلة هو التمديد لقائد الجيش مرّة ثانية»، وقال: «الوزير سمير مقبل ومعلّمه لا يعرفان كيف تحصل الترقية في الجيش، ولو كان يعرف بالقانون لما كان مدّد لقائد الجيش، وأضع ميشال سليمان وتيار المستقبل و»14 آذار» في خانة واحدة، وهم يوزّعون الأدوار في ما بينهم».

وقال: «يريدون تشريكنا في موضوع النفايات، أمّا في موضوع التعيينات العسكرية فيتمّ تجاهل رأينا»، وشدّد على ضرورة إقرار «قانون انتخابات على قاعدة النسبية، وانتخاب رئيس قوي يمثّل شعبَه، ونرفض الرئيس الدمية، فلا مساومة في الموضوع الرئاسي، وأنا من يمثّل المسيحيين».

جنبلاط

إلى ذلك، قالت مصادر اطّلعَت على الظروف التي رافقت زيارة جنبلاط الى الرياض لـ»الجمهورية» إنّه سبق له أن طلب موعداً للقاء المسؤولين السعوديين قبل فترة طويلة، لكنّ انشغالات القيادة السعودية بملف اليمن وأحداث الأزمة السورية لم تسمح بمثل هذه الزيارة.

وأوضحت المصادر أنّ اللقاءات ستشمل كبار المسؤولين السعوديين العائدين في الساعات الماضية من موسكو وباريس الى المملكة وسيناقشون مع جنبلاط مختلف التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، ولا سيّما الأزمة السورية وتداعياتها على دوَل الجوار السوري، ولبنان واحد من هذه الدول.

وأشارت المصادر الى أنّ الرئيس سعد الحريري الذي كان في جدّة خلال عطلة نهاية الأسبوع انتقل إلى الرياض أمس، ولم تستبعد أن يعقد لقاء بينه وجنبلاط عقب تجدّد الاتصالات بينهما منذ فترة بعيدة، وذلك للتشاور في جديد الأزمات المحلية، من ملف النفايات إلى الوضع في سوريا.

دوفريج

وفي المواقف، أعرب الوزير نبيل دوفريج عن تشاؤمه، وقال لـ»الجمهورية»: «المسار طويل ومعقّد، والحكومة صامدة بالاسم، وأعتقد أنّ رئيسها أعطى لنفسه مهلة أخيرة لحلّ ملف النفايات، وإذا فشل فيه ولم يلمس تعاوناً من الفريق السياسي الذي لم يتعاون حتى اليوم في إيجاد مطامر صحية فإنه لن يستطيع الاستمرار».

وأضاف: «نأمل في أن يضع الرئيس سلام خطاً أحمر، فإمّا أن يدعو إلى جلسة بمن حضر، وعندها نتّخذ القرارات المناسبة، وفي حال كان يملك معطيات بأنّ هذه القرارات لن تسير بمن حضر فليقدّم استقالته ولتتحوّل الحكومة عندها إلى حكومة تصريف أعمال».

كذلك لم يُبدِ دوفريج تفاؤلاً بنتائج الحوار، وقال: «أنا مِن الذين شاركوا في الحوار في الأعوام 2006 و2007 و2008 وفي سان كلو وفي الدوحة، وأرى أنّ الحوار حتى الآن لا يعطي نتيجة طالما هناك فريق سياسي يراهن على الخارج ويبَدّي مصلحته الخاصة، وفريق آخر يستقوي بسلاحه ويبَدّي المصالح الإقليمية على مصلحة لبنان».

الرئاسة مدخل الحلول

وسط هذا المشهد، يستمر الشغور الرئاسي ويرتفع عدّاد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ليبلغ الرقم 30 الأربعاء المقبل.
واعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أنّ «أزمة الرئاسة ستستمر في حال الستاتيكو». وقال: «لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور إذا ما استمرّ الأفرقاء المعطلون لهذا الاستحقاق على موقفهم». لكن جعجع طمأن إلى «أنّ الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان مصان من قبَل الجميع وعلى رغم التعطيل السياسي».

وقال مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في كلمة له لمناسبة بداية السنة الهجرية «إنّ هيبة الدولة ينبغي أن تبقى مصُونةً مِنْ قِبَل الجميع، لأنّ سقوطُها هو تدمير للوطن، فإمّا أن ننتخب رئيس الجمهورية وإمّا الشللُ العامُ في كلّ المؤسسات الرسمية».

«المستقبل»

واستغربت كتلة»المستقبل» بشدّة رفع شعارات مؤيّدة لروسيا في تظاهرة «التيار الوطني الحر» والتي «تحوّلت استعراضاً يستقوي بالتدخّل العسكري الروسي في سوريا، متستّراً بالمطالبة بالسيادة والكرامة والعنفوان على أطلال تجربة غير ناجحة في السلطة، دفع ثمنها الشعب اللبناني أكلافاً باهظة من استقراره ونموّه واستقلاله وسيادته.

واتّهمت «التيار الوطني الحر» باستمراره في وضع «العوائق في وجه إنهاء حالة الشغور الرئاسي واستعادة الدولة اللبنانية لسيادتها ولدورها ولسلطتها وهيبتها على كامل الاراضي اللبنانية، مستقوياً بالسلاح غير الشرعي الذي يستعمله «حزب الله» في المكان الخطأ وباتّجاه الهدف الخطأ من أجل تلبية أهداف إقليمية لا تمتّ بصِلة لمصلحة لبنان واللبنانيين».

ودعت الى التمسك باتّفاق الطائف والعمل على تنفيذ ما لم ينفَّذ منه. وأسفت «لتحوّل الحراك المدني عن شعاراته المرفوعة وغاياته المعلنة من حراك سلمي إلى حراك أدّى إلى التخريب».

ملف النفايات

وفي ملف النفايات، ظهر أمس للمرّة الأولى أنّ رئيس الحكومة استعاد ثقته باحتمال أن يصل ملف النفايات الى النتائج الإيجابية في غضون الساعات المقبلة بعدما تبلّغ وزير الزراعة أكرم شهيّب وأعضاء اللجنة التقنية المكلّفة البحث عن المطامر من مسؤولي «حزب الله» بتحديد موقعين على الأقلّ، ليكون أحدهما مكاناً لمطمر صحّي وبيئي في البقاع، ليستوعب نفايات من بيروت وجبل لبنان، إلى جانب مطمر سرار في عكار.

وقالت مصادر اللجنة التي اجتمعت في السراي الحكومي مساء أمس «إنّ السعي المشترك لـ»حزب الله» وحركة «أمل» انتهى الى تحديد الموقعين في مكان يحرَص شهيّب ورئيس الحكومة على إبقائهما سرّاً، وكأنّ هناك من سيستهدفهما كما استُهدِفت المواقع السابقة في عنجر والمصنع ومناطق أخرى من البقاع الأوسط.

وأعلنت مصادر سلام لـ«الجمهورية» أنّ هذه الخطوة ستُستكمل اليوم وسيتوجّه التقنيون والخبراء الجيولوجيون والبيئيون الى المواقع المختارة لبتّ صلاحية أحدها، ليكون اجتماع الخميس للّجنة نهائياً، وسيُبنى على نتائجه مصير الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء المقبلة لبتّ التعديلات التي طرَأت على مشروع النفايات بمرحلتيه الأوّلية الموَقّتة والمستدامة.

وكان شهيّب أعلن بعد اجتماع اللجنة أنّ مطمر البقاع أصبح واقعاً بعد الانتهاء من الدراسات الجيولوجية له للتأكّد من صلاحيات هذا الموقع بأن يكون مطمراً صحياً، وبالتالي يستوعب نفايات المناطق المجاورة، وفي الوقت نفسه، استكمالاً للخطّة، تُنقَل إليه نفايات بيروت وضواحيها.

وأشار إلى أنّ سلام سيدعو إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء ما إن يُعتمد موقع البقاع من قبَل اللجنة، من أجل إتمام الترتيبات الإدارية والقانونية للبدء بالعمل بالخطة في شكلها النهائي». وأوضح أنّ اللجنة ستجتمع مجدداً مساء الخميس لعرض كلّ التفاصيل وتثبيت المواقع نهائياً والانطلاق منها للتحضير لجلسة مجلس الوزراء ومنها إلى عملية إتمام نقل النفايات.