67 عامًا على النّكبة وعلى خطة «الترانسفير» أي خطة ترحيل الفلسطينيين والسّكان غير اليهود من أرضهم بغية تطبيق مخطّط «هيرتزل» بإفراغ الأرض من شعبها لتصبح «أرضًا بلا شعب لشعبٍ بلا أرض»، هذا عدا الإستراتيجيات التي اتّبعها الصّهاينة من إغراءات مادية للشعب المنكوب ليتخلّى عن هويته وتراب بلاده وإلا لقاء مصيره بالقتل في حال عدم خضوعه، ولا يزال الشّعب الفلسطيني يقاوم وينتفض على جلاّده ويقدّم آلاف الشّهداء للوصول إلى مشروع الدّولة المحرّرة من الإحتلال الغاصب.
بعد أسبوعين من الهبّة الجماهيرية في مدن القدس والضّفة، وانتشار العدوى لتصل إلى غزّة والخليل وأراضي 48، أعلنت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» حالة التّأهّب والاستنفار القصوى استعداداً لمواجهات يوم «الغضب الفلسطيني» الذي دعت إليه قوى وطنية وإسلامية وفعاليات أهلية امس في الضّفة الغربيّة المحتلة.

ـ 27 شهيدا فلسطينيا و6 قتلى من قوات الاحتلال ـ

وعقب استشهاد الطفل الفلسطيني أحمد المناصرة، (13 عاما) ـ الدرة الجديد ـ على يد جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد وهو يستغيث بمدينة القدس المحتلة، اشتعلت الانتفاضة بالقدس لتتحول لعمليات انتقامية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث لقي 6 مستوطنين مصرعهم، وأصيب نحو 20 آخرين بجروح، إثر 3 عمليات وقعت في القدس وتل أبيب، صباح امس الثلاثاء، فيما استشهد 3 فدائيين وأصيب رابع نتيجة العمليات التي كانت إحداها داخل أتوبيس إسرائيلي.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها، إن شابين استقلا أتوبيسا للمستوطنين في القدس المحتلة، ثم شرع أحدهم بطعن ركابها والآخر بإطلاق النار عليهم، ما أدى لمصرع مستوطنين وإصابة حوالى 20 آخرين، عدد منهم وصفت جروحهم بأنها خطيرة.
وأعلنت شرطة الاحتلال الإسرائيلي مقتل أحد المنفذين واعتقال الآخر، وقد أكدت صورة أن أحدهما اعتقل حيا بالفعل وطرح أرضا بعد تقييده، قبل أن يتم الإعلان عن استشهاده، وهو ما يؤكد إعدامه ميدانيا بعد اعتقاله.
وكشف فيديو نشرته الصحيفة العبرية عقب عملية الأتوبيس بالقدس المحتلة عددا من المستوطنين يتوعدون بعمليات انتقامية ضد الفلسطنيين، وهم يرددون عبارات مسيئة للعرب والمسلمين قائلين: «الموت للعرب» و«الموت للإسلام». فيما ذكرت مصادر فلسطينية لوكالة «قدس نت» الإخبارية الفلسطينية، أن منفذي العملية شابين من جبل المكبر في القدس، وهما الشهيدان بهاء عليان وبلال غانم.
العملية الثانية بالقدس المحتلة وبعد وقت قصير جدا من العملية الفدائية بالأتوبيس الإسرائيلي في حي الملوك بالقدس المحتلة، دهس شاب فلسطيني مجموعة من المستوطنين متسببا بمقتل أحدهم وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة، قبل أن تؤكد مصادر فلسطينية أن الفدائي منفذ العملية هو علاء أبو جمل، وهو ابن عم الشهيدين غسان وعدي أبو جمل منفذي عملية قتل خمسة حاخامات في كنيس يهودي أواخر العام الماضي. وأظهر فيديو محاصرة مجموعة من عناصر شرطة الاحتلال لعلاء بعد ترجله منها، فيما كان هو يقول لأحد عناصر الشرطة، «طخ بدي أموت طخ»، ليتم إطلاق النار عليه ومنحه الشهادة التى طلبها. العملية الثالثة بتل أبيب وكانت ثالث العمليات في منطقة «رعنانا» بمدينة تل أبيب، حيث هاجم شاب بسكين مجموعة من المستوطنين متسببا بإصابة اثنين منهم أحدهما جروحه خطيرة، قبل أن يتم اعتقال الشاب دون أن يعرف وضعه الصحي حتى الآن أو هويته.
ووقعت هذه العملية بعد نحو ساعة من اعتداء مستوطنين على الشاب طارق دويك من منطقة «الرام» في المنطقة نفسها، وقد زعمت قوات الاحتلال حينها أن الشاب طعن مستوطنين، وهو ما نفته تماما الصور والفيديوهات الواردة من المنطقة. وأعلنت قوات الاحتلال بعد العمليات الثلاث إغلاق الشارع الرئيسي السريع بين القدس وتل أبيب، كما تم الإعلان عن إغلاق عدد من البلدات التي تسكنها أغلبية فلسطينية شرقي القدس المحتلة، فيما دعا رئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات لفرض حظر التجول فى المدينة المقدسة. ذروة الانتفاضة فيما قالت قناة «i24news» الإسرائيلية، إن عمليات عديدة تتوالى في مدينة القدس المحتلة وفي مدن إسرائيلية أخرى منذ ساعات الصباح وعلى ما يبدو فإن هذا اليوم لغاية الآن سجل أكبر عدد من العمليات التي ينفذها مهاجمون فلسطينيون بشتى الوسائل منها عمليات الطعن ومنها عمليات الدهس وإطلاق النار. وأعلنت فرق الإسعاف الإسرائيلية «نجمة داوود الحمراء» عن تفعيل نظام «عمليات كثيرة المصابين» في القدس، وذلك لأول مرة منذ سنوات، ما يعني وجود الكثير من الإصابات. من جهة أخرى تنوي الشرطة الإسرائيلية اليوم تقديم مشتبهة فلسطينية على القضاء الإسرائيلي فى القدس متهمة بمحاولة تنفيذ عملية طعن على خلفية قومية أمس الاثنين في القدس الشرقية، لتمديد اعتقالها حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقها وفق ما ينص عليه القانون الإسرائيلي وفق ما جاء في بيان من الشرطة. وكان قد تم تنفيذ 4 عمليات طعن في القدس الشرقية، أدت إلى مقتل فلسطينيين اثنين، وإصابة اثنين آخرين بجروح، فيما جرح 4 إسرائيليين نتيجة تعرضهم للطعن بينهم إصابتان خطيرتان. انتفاضة جديدة وفي السياق نفسه، قالت وكالة «رويترز» للأنباء، خلال تقرير لها حول الانتفاضة، إن هجمات الطعن اليومية تقريبا أثارت القلق من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة رغم أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طالبا بالتزام الهدوء إلا أنه ليست هناك مؤشرات على تراجع المواجهات. وشددت إسرائيل على تعزيزات الأمن في القدس، حيث وقع الكثير من حوادث الطعن، حيث قتل ستة إسرائيليين وأصيب العشرات في تبادل لإطلاق النار وهجمات بالسكاكين ورشق بالحجارة. استشهاد 27 فلسطينيا منذ انطلاق الانتفاضة بداية أكتوبر وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية برام الله استشهاد 27 فلسطينيا بينهم 9 أطفال في موجة هجمات وإجراءات أمنية بدأت قبل نحو أسبوعين واشتدت لأسباب من بينها غضب المسلمين من تزايد زيارات اليهود لحرم المسجد الأقصى في القدس. ودعت جماعات فلسطينية من بينها حركة فتح وحركة حماس إلى «يوم غضب» فى عموم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية اليوم الثلاثاء، ودعا زعماء عرب إسرائيل ـ عرب 48 - إلى إضراب تجاري في مدنهم وقراهم.

ـ إسرائيل تعترف بمقتل حاخام دهسًا ـ

الى ذلك، اعترفت القوات الإسرائيلية بمقتل حاخام في عملية الدهس التي نفذها شاب فلسطيني في القدس المحتلة.
وجاءت عملية الدهس في غرب القدس المحتلة، بالتزامن مع أربعة عمليات نفذت في دقائق متتالية، أدت لاستشهاد شابين فلسطينيين ومقتل ثلاثة من المستوطنين بينهم الحاخام المتطرف شعيا كرشبسكي والبالغ من العمر 59 عاماً.

ـ هل يعود زمن «العمليات الاستشهادية»؟ ـ

مع تسارع وتيرة الأحداث والمواجهات الدامية بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الصّهيوني في مدن القدس والضّفة المحتلتين، يلجأ الفلسطينيون إلى استخدام شتّى أساليب الدّفاع عن النفس وصدّ الاعتداءات «الإسرائيليّة» الهمجيّة المتواصلة، ويبدو أن عمليات الطّعن تتصدّر العمليات منذ اندلاع الإنتفاضة الشّعبيّة، إذ لا يكاد يمرّ يوم إلا وتتردّد الأنباء عن تنفيذ الشّباب عمليات طعن في القدس والداخل المحتل.
ومن الملاحظ أن العمليات الاستشهادية لا تزال غائبة في خضم تلك المواجهات، لكن السّؤال المطروح: «هل ستكون تلك العمليات عنوان المرحلة المقبلة في حال اشتدت الهجمة الجماهيرية؟»
يوم الأحد، أصيب جندي صهيوني ، جرّاء انفجار عبوة ناسفة قرب حاجز مستوطنة «معاليه أدوميم» شرق القدس المحتلة. وزعمت مصادر عبرية أن فتاة فلسطينية حاولت تفجير نفسها داخل سيارة قرب المستوطنة. وفي هذا الصدد، رجّح مراقبون أن يلجأ الفلسطينيون لهذا الخيار في حال استمرت تلك الهبّة الجماهيرية.
وإعتبر الكاتب والمحلّل السياسي حسام الدجني، إن عودة العمليات الاستشهادية مرتبطة بدخول الفصائل الفلسطينية على ساحة المواجهة، لأنها تحتاج إلى تخطيط منظّم وإعداد وإمكانات مادية، مشيرًا إلى أن «من يقود تلك الهبة هم الشبان الثائرون، وأن استمرار المواجهات وسلوك الاحتلال هو الذي يحدّد طبيعة المرحلة المقبلة». وتوقع أن تكون العمليات الاستشهادية الفردية إحدى وسائل المواجهة في المرحلة المقبلة اذا ارتفعت وتيرة المواجهات، خاصة أنها أحد اشكال المقاومة، مضيفاً «الهبّة الجماهيرية ستتوقف اذا اعترف الإحتلال بحقوق الشّعب الفلسطيني، وأوقف اجراءاته في القدس ومدن الضفة».
في المقابل، شكّك المحلّل السياسي أكرم عطا الله ، بإمكانية عودة العمليات الاستشهادية، نظراً لانتقال موجة الصّراع إلى مرحلة مختلفة، خاصّةً أن البعدين الدولي والسياسي دخلا على خط الصّراع الدائر، غير أنه أيّد وجهة نظر الدجني، حيث أكد أن العمليات الاستشهادية ترتبط بشكل كبير بمدى تدخّل الفصائل الفلسطينية في المواجهات، خاصّة أنها تحتاج إلى تخطيط مسبق وإمكانيات مالية وغيرها.

ـ هل الإنتفاضة إنتحار؟ ـ

يرى بعض المحلّلين بأن ما يقوم به الشّعب الفلسطيني في الوقت الراهن إنتحار كونهم لا يمكنهم أن يتصدّوا للعدو الإسرائيلي، نظرًا لقدرة الأخير العسكرية العالية وعدم توفر السّلاح بيد الفلسطينيين، ولا يمكن لهم القتال إلا إذا توفّرت حاضنة عربية ودعم لوجستي عربي، غير أن الدّول العربية منغمسة في وحول الأزمات في الشّرق الأوسط وتدعم الجماعات التّكفيريّة في سوريا وتمدّها بالسّلاح وتنفق الميزانيات الضّخمة على تسليحها، فهي تغضّ النّظر عن القضيّة الفلسطينية وليس من صالحها خدمتها نظرًا لعلاقاتها العلنيّة والسرية مع «إسرائيل».
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن المقاومة الفلسطينية ليست وليدة اليوم، لا بل كانت المدرسة في العمليات النّوعية والاستشهادية المحقّة بوجه العدو الإسرائيلي، وقد بدأت الإنتفاضة الأولى أو ما تعرف بـ «إنتفاضة الحجارة» في العام 1987، والثانية وتعرف بـ «انتفاضة الأقصى» في العام 2000، لتستكمل الثّالثة في العام 2015، نتيجة تدنيس الاحتلال والمصلّين اليهود للمسجد الأقصى ومنع المصلّين المسلمين من الدخول إليه مع فرض تقسيم زمني للصلاة بينهم وبين واليهود، وعلى استمرار العدوان الإسرائيلي ضد الشّعب الفلسطيني وزيادة رقعة الإستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين وتجويع الشّعب وفرض الحصار عليه وحرمانه من أبسط مقوّمات الحياة، غير أن إتفاقية «أوسلو» التي وقّعتها منظمة التحرير والعدو الإسرائيلي في العام 1993 كانت المصيبة الحقيقية لمقاومة الشّعب الفلسطيني بوجه جلاّده.
وبات الأمر المؤكد، الذي يقلق مضجع الصّهاينة، هو أن الشّعب الفلسطيني لم يعد قادرًا على الصّمت والقبول بسياسات الإحتلال التّعسفيّة والوحشيّة، وبالنّسبة إليه لا مجال للتراجع، ولا مجال للخنوع، فلا خيار له سوى المقاومة أو الشّهادة.