لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن بعد الخمسمائة على التوالي.
مع إحالة قائد فوج المغاوير في الجيش اللبناني العميد شامل روكز منتصف هذه الليلة إلى التقاعد، تصبح حكومة الرئيس تمام سلام بحكم المستقيلة، ولو أنها لن تجد من تقدم له استقالتها ولا من يقبلها.
الاستقالة ستصبح واقعا عمليا وليس دستوريا، ذلك أن احتمال عقد جلسات حكومية استثنائية أو أكثر، موضوع في الحسبان، خصوصا للبت بملفات عاجلة كملف النفايات أو الرواتب أو غيرهما، لكن الحكومة بمعناها السياسي، أصبحت «منتهية الصلاحية» أو أنها «كان يجب أن ترحل من زمن طويل» كما يردد العماد ميشال عون.
العودة عن هذا المسار المتدحرج «ستكون مكلفة لمن منعوا ترقية شامل روكز»، ذلك أن عون قرر الذهاب الى ما يسميه «بيت القصيد»، وهو ما أعلنه، ليل أمس، عبر شاشة «او تي في» بأنه لن يعود الى الحكومة الا بتعيين قائد جديد للجيش ومجلس عسكري جديد ومدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي، معتبرا أن هذه المواقع كلها غير شرعية، مؤكدا أنه هو من سيسمي قائد الجيش الجديد كونه يمثل الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النواب، على ان توافق عليه البقية لاحقا.
واللافت للانتباه أن عون ذهب في السياسة أبعد من ذلك عندما حذر من أن تجاهل مطالبه من قبل الآخرين سيؤدي الى تصادم، وقال «نحنا مقاتلين مش قلال». وعندما قال له الزميل جان عزيز «هذا كلام كبير»، أجابه «هذا كلام كبير نعم ويمكن أن يكبر أكثر». وشنّ هجوما على «تيار المستقبل» وقيادته المقيمة والمغتربة وعلى «14 آذار» والرئيس ميشال سليمان، وقال انهم جميعا «يمثلون بلوكا واحدا، لكنهم يتوزعون الأدوار»، معتبرا أن ارتباطاتهم الخارجية «تفرض عليهم ذلك». ولوحظ أنه حافظ على نبرة هادئة مع الرئيس نبيه بري، بينما وصف مواقف النائب وليد جنبلاط الأخيرة بأنها كانت ممتازة وتعبر عن واقعية وحكمة.
لم تأت مواقف عون من الفراغ. بدا أنه يتكئ على «فائض قوة» مستمد الى حد كبير من عناصر عدة، أبرزها خارجيا المشهد الروسي المستجد في سوريا، «لأن ما بعد التدخل الروسي غير ما قبله»، وتوقع أن تتغير خريطة المنطقة والعالم.
أما داخليا، فان «الجنرال» قد تحرر من قضية شامل روكز بتقاعده، وقبلها نجح في تأمين وراثة سلسة في قيادة «التيار» لمصلحة جبران باسيل، وأعاد تأكيد حضوره في الشارع، ناهيك عن وجود رافعة سياسية كبيرة اسمها «حزب الله» الذي تبنت قيادته ترشيح عون رئاسيا وباقي خياراته السياسية في الحكومة والمجلس النيابي كما في قانون الانتخاب والترقيات العسكرية.
على ماذا يستند «الجنرال» في قرار تعطيل الحكومة؟
يقول المحيطون بالجنرال ان الأميركيين أبلغوا السعوديين كلاما واضحا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مفاده التحذير من الذهاب في الملف اللبناني الى حيث يتكرر السيناريو اليمني أو السوري، «فتخسرون نفوذكم.. ولبنان»!
يأتي هذا الموقف الأميركي على خلفية اجهاض تسوية الترقيات العسكرية التي باركها الأميركيون ولكنهم لم يتمكنوا من تمريرها بسبب ما جرى من «توزيع أدوار» بين عدد من «صقور 14 آذار» والرئيس ميشال سليمان والنائب سامي الجميل.
ومن كان قريبا من اجتماعات نيويورك يشير الى أن السعوديين استمعوا جيدا الى النصائح الأميركية لبنانيا، ولذلك، هم مقتنعون بأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن «يمكن أن يوفر على لبنان مطبات كثيرة».
غير أن أبواب الرئاسة في بيروت مقفلة ولا أحد في الخارج على استعداد لتقديم عروض ومقايضات، وثمة من نقل عن السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل أن انتخاب رئيس لبناني أسهل من التفاهم على قانون انتخابي في ظل هذا التباعد في المواقف ازاء الصيغ المطروحة للتقسيمات الانتخابية، ناهيك عن عدم استعداد الحزبين اللبنانيين الأساسيين للانتخابات وهما «حزب الله» بسبب انخراطه المتزايد في الأزمة السورية، و «تيار المستقبل» بسبب أزمته المالية وغياب قيادته والتحديات التي يواجهها السعوديون في معظم ملفات المنطقة.
في هذا السياق، تأتي زيارة النائب وليد جنبلاط الأولى من نوعها الى الرياض لاجراء محادثات سياسية وليس القيام بواجبات اجتماعية. هذه الزيارة استوجبت انتظارا طويلا ومقدمات سياسية واعتماد لغة الصمت في المقاربة الجنبلاطية لملفات كثيرة أبرزها الملف اليمني برغم قناعة الزعيم الدرزي بأن الخيار العسكري سيصل الى حائط مسدود.
ويدرك جنبلاط في هذه اللحظة السياسية المفصلية في لبنان والمنطقة أن أية «دعسة ناقصة» يمكن أن تهدد الاستقرار الأمني، ولذلك، كان حاسما عندما رفض تحول الرئيس فؤاد السنيورة الى «مدقق حسابات وصياغات سياسية» (على طريقة ابن حنبل) على هامش طاولة الحوار، وقال له «أنا أوقع على العمياني على سلة التسوية لأنها تسوية سياسية وليست دستورية».
هي آخر المحاولات قبل أن تقرع ساعة تقاعد شامل روكز منتصف هذه الليلة، برغم قول ميشال عون أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، ولذلك، طلب من روكز أن يودع رفاقه، وذكّره بأنه كان في طليعة من زكوا ترشيح العماد جان قهوجي قائدا للجيش في الرابية في العام 2008 غداة اتفاق الدوحة!