فارق نوعي وجذري بين طبيعة خروج الشهيد زيد بن الإمام علي السجاد (ع)، وطبيعة خروج الحسين بن الإمام علي (ع) على السلطة الأموية الظالمة، كيف، ولماذا؟
أ ـ خرج الشهيد زيد »رض« على السلطة الأموية الظالمة خروجاً عسكرياً في ظلّ إمام معصوم ـ (وفق المعتقد الشيعي) ـ من دون استئذانه في ذلك، بل حذّره من النتائج السلبية التي ستنعكس على أمن المسلمين الشيعة عموماً وعلى معتقداتهم خصوصاً إذا خرج، وفعلياً انقسم (بعد خروجه) شيعة أهل البيت (ع) إلى طائفتين عقائدياً وفقهياً وهدد أمنهم؟!
وعلماء الشيعة في الوقت الذي يؤمنون فيه بمظلومية الشهيد زيد (رض) وطهارة روحه وقداسة غايته وهدفه، فإنهم يؤكدون إدانة الإمام المعصوم لخروجه العسكري بروايات عديدة أبرزها ما أورده الكليني /٣٢٨/٣٢٩/هـ في كتابه أصول الكافي ـ باب الاضطرار إلى الحجة ـ الحديث ـ رقم ـ ٥ ـ ج ـ ١ ـ.
ب ـ بينما علماء الشيعة من الشيخ المفيد مروراً بالشريف المرتضى وانتهاء بأبرز العلماء المعاصرين، يؤكدون أنّ الإمام الحسين (ع) لم يخرج عسكرياً ـ (كالشهيد زيد (رض) ـ بل أُخرج إخراجاً من المدينة المنورة موطن ميلاده الشريف تحت التهديد بالقتل إن لم يبايع يزيد ويقرّ له بأنّه خليفة الله والرسول والمسلمين؟!؟!
رفض الحسين (ع) المبايعة والإقرار قائلاً (مثلي لا يبايع مثله) وخرج تحت التهديد بالقتل من المدينة المنورة بأطفاله ونسائه وعياله الى مكة المكرمة مردداً قوله تعالى : (فخرج منها خائفاً يترقب قال ربي نجني من القوم الظالمين) /٢١/ القصص/.
خرج باتجاه مكة المكرمة ولم يخرج باتجاه الكوفة، علما بأن رسائلها كانت تحت يده تدعوه فيها للمجيء إليها للتخلص من وصاية السلطة الأموية الجائرة؟!؟!
وأيضا لقد خرج من مكة المكرمة ـ (بعدما أقام فيها شهوراً) ـ للسبب نفسه وعينه وذاته الذي أخرجه من المدينة المنورة، أيّ أنّ السلطة الأموية بعثت إليها من يغتاله فيها ولو كان معلقاً بأستار الكعبة؟! والنصوص التاريخية تؤكد بما لا غموض فيها ولا شك بأنّ السلطة الأموية الظالمة لم تطرح على الحسين (ع) إلا خيارين لا ثالث لهما، ١ ـ إما السلة (الحرب) ٢ـ وإما الذلة (المبايعة) ولأنه (ع) رفض المبايعة ورفض الحرب في آن معاً حينئذ خرج من المدينتين المقدستين باتجاه الكوفة حيث لا خيار آخر أمامه إلا هذا الخيار، خرج خروجاً مدنياً بأطفاله ونسائه لا عسكرياً، وسلمياً لا حربياً، بدليل أنه لم يدع فيهما الى الجهاد والتعبئة العسكرية وأنّه طلب من أنصاره وأصحابه الخواص ليلة العاشر الإنصراف إلى أوطانهم وعيالهم، وحينما قال (ع): (هل من ناصر ينصرنا) قالها على أرض المعركة لحظة شن الحرب عليه، وأنّه طرح على السلطة خيارات ثلاثة للمسالمة والموادعة (من دون مبايعة يقينا)، إلاّ أنّ السلطة هي التي رفضت تجبراً وبغياً وأصرّت على الحسين (ع) بأن يبايع يزيد، وحتى إن بايع فلقد صرّحت السلطة أيضاً وأفصحت عن نواياها الإجرامية بقولها:
يجب على الحسين (ع) المبايعة ليزيد وبعدها إن شئنا قتلناه وإن شئنا عفونا عنه؟!؟!
س ـ ما هي الخيارات الثلاثة التي طرحها الحسين (ع) على السلطة مسالمة وموادعة لها كتسوية للخروج من سفك الدماء؟
ج ـ يقول العلامة الشهير بالشريف المرتضى /٣٥٥/٤٣٦/ هـ وهو من أبرز وأشهر علماء الطائفة الشيعية، إن الحسين (ع) قال للسلطة على أرض كربلاء: اختاروا مني:
١ـ إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه.
٢ـ أو أن أضع يدي في يد يزيد فهو ابن عمي ليرى فيّ رأيه.
٣ـ وإما أن تسيّروني إلى ثغر من ثغور المسلمين فأكون رجلاً من أهله لي ماله وعليّ ما عليه؟
وإن عمر بن سعد (القائد العسكري) كتب إلى ابن زياد (الحاكم السياسي في الكوفة) بما سأل الحسين (ع) وطالب، فأبى ابن زياد ورفض عرض الحسين (ع) وكاتب ابن سعد قائد عسكره يأمره بالمناجزة أي بقتال الحسين (ع) وتمثل بالبيت المعروف وهو :
الآن وقد علقت مخالبنا به، يرجو النجاة؟ ولات حين مناص .
فلما رأى (ع) إقدام القوم عليه وأن الدين منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد اللعين تعجل الذل والعار، وآل أمره من بعد الى القتل، حينئذ التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه وأهله ومن صبر من شيعته ووهب دمه له ووقاه بنفسه وكان بين إحدى الحسنيين، إما الظفر ـ (فربما ظفر الضعيف القليل) ـ أو الشهادة والميتة الكريمة.
فكيف يقال بعد ذلك إنه (ع) ألقى بيده الى التهلكة؟!؟!
المصدر: كتاب تنزيه الأنبياء /ص/١٧٧/١٧٨/ الشريف المرتضى/ وكتاب الإرشاد لأستاذه الشيخ المفيد .
ما نريد قوله والإفصاح عنه وتأكيده هو أن الروايات التي تحت أيدي علماء الطائفة الشيعية تؤكد بما لا غموض فيه ولا شك من أن الإمام الحسين (ع) قد أُخرج إخراجاً من المدينة المنورة موطن ميلاده الشريف تحت التهديد بالقتل إن لم يبايع يزيداً ، وأيضاً فإنه لم يخرج من المدينة أو من مكة بعد تهديده خروجاً عسكرياً (بأطفاله ونسائه وعياله؟!) بل خرج خروجاً مدنياً سلمياً بسلاح التصريح بكلمة الحق في وجه سلطان جائر، وإن أفضل أنواع الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر وفق شرائع السماء وسيرة الأنبياء ، وبعدما أُخرج من المدينة المنورة ومن مكة المكرمة تحت التهديد أيضاً لم يدع إلى التعبئة العسكرية العامة فيهما ، ولم يجد حرجاً شرعياً أن يُسالم السلطة ويوادعها (من دون مبايعة يقيناً) لإيمانه بوجوب الإحتراز والاحتياط الشديدين في مسألة الدم حيث لم يحترز الأنبياء وأهل البيت (ع) ولم يحتاطوا بشدة ودقة وجزع كما احترزوا واحتاطوا بمسألة الدم خوفاً من مخاطر المغامرة وقبائح المجازفة ومساوئ الانتحار التي يخوضها العاطفيون الثوريون المتحمسون بصدق والحكام المستهترون بدماء الناس يخوضونها بخبث بعقلية صاخبة عديمة التوازن والحكمة في قراءة شروط المواجهة مع سلطة ظالمة، وأما سيرة الشهيد زيد بن علي السجّاد (ع) فلم تكن مواجهته للسلطة الظالمة بالطريقة نفسها التي واجهها الحسين (ع) بها، ولم يكن موقف السلطة الظالمة من الشهيد زيد (رض) كموقفها من الإمام الحسين (ع).
ما نريد قوله والتأكيد عليه هو أنّ النصوص تفيد بأنّ كربلاء مأساة وفاجعة وليست ثورة مسلحة ولا تمرداً وانقلاباً عسكرياً؟! والسلطات الظالمة في العالم الإسلامي الفاقدة لشرعية الديموقراطية أو شرعية الدين كانت وما زالت متوافرة بكثرة بصورة سلطة يزيد ، إلا أن الحركات المعارضة لها والمعترضة عليها من الصعب المستصعب أن نجد فيها في الغابر والحاضر حركة بصورة حركة الحسين (ع) بنظافة خلفيتها وطهارة أدائها وقداسة غايتها محترزة أشد الاحتراز ومحتاطة أشد الاحتياط بمسألة الدم واجتناب التبذير فيه والإسراف به، لذلك ليس كل أرض كربلاء ولا كل يوم عاشوراء .