كل حركةٍ إصلاحية ، ونهضةٍ فكرية وعلمية لتشذيب ما يسبب الوهن والشعوذة في أي ممارسةٍ دينية ، تجد لها أعداءً يذودون عن مصالحهم الخاصة وتجاراتهم الدينية والسياسية على حساب الدين والعقل والتقدم والإلتحاق بالركب العالمي، وهذا ممّا لا يروق للمغرضين فيتكاثروا ويحشدوا حولهم الجموع لإرجاع العوام إلى حضيرة الجهل والتخلف ، والإيمان بالشعوذة والأباطيل ، لأنّ المصالح تجمعهم تحت سقف التجارة...
لم نجد أحداً من علماء الشيعة في حركاتهم الإصلاحية يدعون إلى إلغاء ذكرى مقتل الإمام الحسين ، مثلما وصفهم المتشددون من أترابهم ، بقدر ما حاولوا تشذيب الطقوس بتنزيهها من الفوضى والممارسات المشوَّهة ، وإغراقها بالخرافات والأكاذيب وعذاب الذات بالسلاسل والمدى والقامات ، وإظهار الحسين بهذا الإنكسار..
فالحركة الإصلاحية إنطلقت من مكاتب علماء المذهب الإمامي لتخليص المأثرة الحسينية ممّا علق بها من ممارسات فرضتها غوائل السياسة الدينية الحزبية التي لم يقم الحسين بها ويستشهد لأجلها عام(61) هـ ..نقتبس من أحد العلماء والمؤرخين الشيعة الإيرانيين (1873) أي بعد قرن من سقوط الدولة الصفوية، كيف أنَّ هذا الغلو بدأ من أجل السياسة، (بالمناسبة ما فعله إسماعيل الصفوي المتحدر من أصل سني تركي وقيل كردي ، هو إدخال النوازع الصوفية على قضية الحسين ، فالصفوية بالأصل طريقة صوفية أريد بها تشكيل دولة تواجه الدولة العثمانية عبر المواجهة بين الدولتين ، لإيهام أنَّ المواجهة تجري بين إمامي المذهب) .
على كل حال بالعودة إلى العالم الإيراني "محمد بن سليمان التنكابني" صاحب كتاب "قصص العلماء" حول تلك الممارسات يقول :
"التمثيل من مخترعات الصفوية ، ولما ظهر مذهب التشيع في بلاد إيران وحكم الصفويي ن ،أمروا الذاكرين بإنشاد مصيبة سيد الشهداء ، لكن الناس لم تكن تبكي ، لأن المذهب لم يترسَّخ بعد في نفوسهم فاخترعوا التمثيل لعل الناس تتألم – بالإضافة إلى ممارسات دامية وإنفعالية ، لم يسلم من أذاها حتى الأطفال ، يظهرون متسوطين ومنهم يتطبرون ، لتغرس في ذاكرتهم روح الثأر تحت شعار"يا لثارات الحسين" التي تشير لمن لا يشارك فيها هو المقصود بدم الحسين - ويضيف التنكابني وهي بمعنى الإختراع ، وهذه التعبئة لم تكن موجودة في الأزمنة السابقة بالإتفاق ؟
"... أما من أبرز المصلحين في شأن عاشوراء فهو المجتهد الأكبر ، مثلما يشار إليه "السيد محسن الأمين" (ت 1952) لم تكن هذه الأعمال معروفة في جبل عامل ، ولا نُقل أن أحداً فعلها ، وإنّما فعلها وأحدثها في هذا العصر بعض عوام الغرباء ، وساعد على ترويجها بعض من يرتزق بها." (من أراد التوسع فليراجع كتابه التنزيه)...
كانت حركة السيد محسن الأمين وثورته دفاعاً عن مكانة الحسين التي يرى تشويهها بدق الطبول والتمثيل وضرب السلاسل (الزناجيل) والغناء فيها والأحاديث المكذوبة، بعد وصوله إلى دمشق قادماً من النجف (1901) وشاهد ما يجري في مقام السيدة زينب من لطم الصدور وإدماء الرؤوس ، حيث يجتمع القادمون من جبل عامل والبقاع ويمارسون تلك الأعمال، فأعلن السيد محسن الأمين مقاطعته وإكتفى بإقامة حفل تتلى فيه السيرة الحسينية بما فيها قصة الإستشهاد ..
وإنهالت على السيد محسن الأمين المصلح فتاوى اللعن والتكفير حتى قال أحدهم هو "صالح الحلي" (1940) من الجارحات : "يا راكباً إما مررت بجلق/فأبصق بوجه أمينها المتزندق....وهناك علماء ومراجع ناصرو السيد محسن الأمين منهم المرجع النجفي أبو الحسن الأصفهاني (ت1946) والعالم محمد علي هبة الدين الشهرستاني (ت1967) والعالم الشيخ مهدي الحجار(ت 1939) وقال"تأس يا محسن في ما لقيت بما/لاقاه جدك من بغي وحسد..
على أية حال برز اليوم علماء من الشيعة في إيران هو المرشد الخامنئي قائلاً التي تظهر الشيعة كأنهم يعيشون الوهم ولا يعبرون العقل أي أهمية ، لقد تقبل المجتمع الإيراني منع التسوط بالسلاسل والتطبير بالقامات وهو الذي ظلَّ يمارسها لقرون عديدة..
فمتى يقتبس العراق ولبنان وأغلب المدن والدول التي يتواجد فيها الشيعة لإنهاء هذه البدعة كما قال عنها الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه "الشيعة في الميزان" في بعض الدول والمدن وتحديداً في مدينة النبطية جنوب لبنان من لبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم، فإن هذه البدعة المشينة حدثت في عصرٍ متأخرٍ عن عصر الأئمة ، وعصر كبار علماء الشيعة ،وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير، وأيدها شيوخ السوء لغاية الربح والتجارة، وسكت عنها من سكت خوف الإهانة والضرر أو فوات المنفعة والمصلحة".