اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع "ان الحراك المدني نتج عن واقع مؤلم يعيشه المواطنون اللبنانيون، ولكن للأسف وكما في كل مرة عندما يقع المواطنون في أزمات عميقة ويتألمون ويثورون يأتي من يُصادر ألمهم وقضاياهم ويأخذها باتجاهات أخرى، على سبيل المثال الثورة الشعبية الروسية الفعلية عام 1916 التي صادرها البولشيفيون الذين كانوا قلّة قليلة، وقد صادر بعضُ الباحثين عن أدوار وبعض الرومانسيين الذي يطلقون شعارات لا علاقة لها بالواقع مثل شعار "كلن يعني كلن" بعض جوانب الحراك في لبنان، فهذا الشعار غير صحيح على الإطلاق، نحن أصلاً كقوات لبنانية لم نشارك في السلطة منذ ثلاثين عاماً حتى الآن وحين شاركنا في بعض الحقائب الوزارية أتحدى أن يجد أحدهم علينا تهمة بالفساد، لا يجوز طرح الأمور من قبيل المزايدة والشعبوية، فشعار "إسقاط النظام" مثلاً أبعد الكثير من الناس عنه، لقد بدأ الحراك المدني ببضعة آلاف ولكنه تراجع الى بضعة عشرات واذا استمر هكذا سيتحوّل الى حراك بضعة أشخاص".

وفي الشأن السوري، رأى جعجع خلال مقابلة مع "Orient TV" ضمن برنامج "أنا من هناك" مع الإعلامية ديما ونّوس تُعرض مساء اليوم، "أن أخصام روسيا على المستوى الدولي سيسعون الى محاولة استنزافها بأيدٍ سورية على أرض سوريا، هذا أبسط وأسهل ما يمكن أن يحصل، فالأميركيون لن يأتوا بعسكرهم لمحاربة الروس في سوريا بل يكفي أن يمدوا المعارضة السورية ببعض الأسلحة". وأشار الى أن "روسيا هي ضد "داعش" ولكن لو كان الهدف من الدخول العسكري الروسي الى سوريا هو محاربة داعش بالفعل لكانت أول خطوة قامت بها روسيا هي التنسيق مع التحالف الدولي الذي هو موجود فعلاً لمحاربة داعش فقط لا غير وهذا ما لم تُقدم عليه روسيا، بغض النظر عن نجاح هذا التحالف في مهمته أم لا، فلو افترضنا ان التحالف الدولي لم يكن فعالاً في ضرب داعش، فهل روسيا لوحدها ستكون كذلك؟ ولكن ما فعله الروس هو انهم دخلوا بمفردهم مما يثبت أن لديهم أهدافاً أخرى غير محاربة داعش واكبر دليل تبيّن فيما بعد أن مجمل الضربات الجوية الروسية يطال 10% منها فقط مناطق داعش بينما 90% تطال المناطق السورية المعتدلة".

وعن وصف الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا الحرب على سوريا بالحرب المقدسة، أوضح جعجع:" كلّنا يعرف ان الكنيسة الروسية الأرثوذكسية هي كنيسة تاريخية نحترم ونجلّ، ولكن نعرف جميعنا كيف ان السلطة الروسية ممسكة ببعض رجال الدين، فحتى الآن نرى مفتي سوريا أحمد بدر حسون الى جانب بشار الأسد في دمشق وهذا لا يعني أن السُنّة هم مع هذا التوجُه، وتصرُف  بعض رجال الدين الروس أضعه في هذا الاتجاه، فالحرب الروسية في سوريا ليست مقدسة لا بل هي تعقّد الأزمة أكثر وستؤدي الى زيادة التطرف ولا يجوز هذا التوصيف لها..."

اضاف:" لقد تفاجئت بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، وحاولت منذ اللحظة الأولى أن أعرف من أي خلفية وضمن أي خطة ولأي أهداف هذا التدخل، وحتى الآن لم تتكوّن لدي صورة واضحة في ذهني، ما يمكنني أن أقوله وبخلاف ما يعتقده الكثيرون لا أرى أن هناك خطة كاملة للدخول الروسي، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف أن الإدارة الاميركية الحالية لا تستعمل "زنودها" خارج الولايات المتحدة وتترك كل باقي دول العالم تحت رحمة الدول الاقليمية والمحلية لتتصرف بها، وهذا الأمر شجّع بوتين على الدخول الى سوريا، ولكن لماذا الآن فكّر بهذا التدخل العسكري؟ لعدة أسباب، أولها انطلاقاً من الهزائم التي مُني بها نظام الأسد وقواته في الأشهر الأخيرة وبالأخص في الشمال ولناحية حدود منطقة اللاذقية وسهل الغاب تحديداً، لهذا نشهد هجوماً مضاداً لقوات النظام في هذا السهل، عدا عن ان بوتين غير خائف من الأميركيين على قاعدة "يا عنتر مين عنترك؟ قال: تعنترت وما حدا ردّني"، لذا قر التدخل للتأكد من عدم انهيار قوات النظام، أما الهدف الثاني من هذا التدخل هو شعور بوتين أنه سيأتي وقت الحل في سوريا خلال سنة أو سنتين، وبقدر ما يكون لديه قوى عسكرية ونفوذ في سوريا بقدر ما سيكون له مكاسب جديدة والعكس صحيح، والسبب الثالث وهو أمر معروف لدى بوتين أنه يحب إعادة بناء أمجاد القيصر وروسيا القيصرية الكبيرة..."

وعمّا اذا كانت روسيا قادرة على إعانة النظام أكثر من إيران وحزب الله، اعتبر جعجع "ان ايران وحزب الله ما زالا موجودين وبالتالي القوة الروسية ستكون قوة مضافة وبالتالي أي قوة مضافة ستعزز من إمكانية صمود النظام، ولاسيما ان القوة الروسية ليست قوة استراتيجية ولكن على مستوى المعارك في سوريا هي قوة مؤثرة اذ تملك امكانية قيام حوالي 30 الى 40 طائرة بغارات على الثوار على الجبهات".

وقال:" برأيي نحن في بداية لعبة ومن الصعوبة التقدير الى أين سيؤدي التدخل الروسي في سوريا وذلك بانتظار ردود الفعل من القوى السورية على الأرض والقوى الاقليمية والدولية، ولكن بتقدير أولي (لا أتمسك به) أعتقد أن التدخل الروسي سيعقد الأزمة السورية وسيستجر مجموعة متغيرات لإعادة توازن القوى على ما كان عليه، على سبيل المثال لا الحصر لا أستبعد أن نرى بين أيادي المعارضة المعتدلة في الأسابيع القليلة القادمة السلاح الذي لطالما تمنّى المعارضون أن يكون معهم وهو سلاح مضاد للطائرات، كما بدأ الحديث مجدداً عن منطقة حظر جوي فوق الأجواء السورية من قبل الأميركيين... واذا ما صدقت الأقوال وتُرجمت على أرض الواقع هذا ما يجب أن ننتظره للتمكن من استطلاع نتيجة التدخل الروسي ولكن في أسوأ الاحتمالات بتقديري لن يكون للتدخل الروسي تأثيراً على ميزان القوى في سوريا، وفي أحسنها سيؤدي الى تقوية المعارضة المعتدلة..."

وعن ترحيب بعض الدول العربية مثل مصر بالتدخل الروسي في سوريا، رأى جعجع "ان العرب واقعون بين "شاقوفين"، فمنذ 4 سنوات حتى اليوم سعت العديد من الدول العربية لدى الاميركيين للتعاون من اجل انهاء الازمة السورية ولكن كل الوقت كانوا يُجابهون بلامبالاة مع محدودية على تسليح المعارضة من قبل الادارة الاميركية، حتى قبل أن تظهر داعش وأخواتها، ومن جهة أخرى كان يوجد روسيا وهي القوة الدولية الأخرى التي بإمكانها مساعدة العرب ورأينا هذا السعي العربي مؤخراً، بحيث التقى 4 رؤساء دول عربية بوتين لمحاولة حل الأزمة السورية وفق ما يشتهيه العرب، وبالتالي هذا ما جعل العرب في حيرة من أمرهم فاذا هاجموا روسيا بعد دخولها الى سوريا هذا الأمر سيتركهم بدون امكانية لتوسُل مساعدة احد لإنهاء الازمة السورية، وألا يهاجموها يكون وكأنهم يوافقون على هذا الدخول العسكري..."

وعن عدم تقديم الدول العربية الدعم للثورة السورية، أوضح جعجع "ان بعض الدول العربية قدمت المساعدات وذكّر بموقف وزير الخارجية السعودي الذي دعا الأسد الى التنحي بالسياسة وإلا سيذهب بالقوة العسكرية، وهذا موقف رسمي سعودي، وأتصوّر أن أكثر من دولة عربية ساعدت الثوار ولكن هناك عوامل كثيرة على الأرض أثّرت على هذه المساعدات وأبرزها وجود ايران على الأرض السورية وحتى روسيا..."

وعن مواقف بعض زعماء الغرب الداعية الى بقاء الأسد أقله في مرحلة انتقالية في سوريا، قال جعجع:" لقد استمرت هذه الدعوات لفترة حوالي خمسة أيام فقط، فجأةً وجدنا المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، بالرغم من كل انسانيتها، تقول:"لا مانع من بقاء بشار الأسد"، ثم سمعنا رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون ورئيس وزراء اسرئيل يقولان نفس الشيء... وغيرهم، في الواقع هذه المواقف أثارت حفيظتي، ودفعتني الى توجيه رسالة مفتوحة الى السيدة ميركل، لأنني لا أفهم كيف أن هذا الغرب بكل مراكز دراساته يغفل عن واقعة أن وجود بشار الأسد بالذات هو وراء كل هذه الكوارث ومن ضمنها "داعش"، حتى أن الأسد هو أكثر من ساعد داعش على النهوض مادياً، فعلّة وجود داعش هي وجود هذا النظام وبالتالي اذا أردنا مواجهة داعش والانتهاء منها علينا أن ننتهي من نظام الأسد لنصل الى حياة سياسية سويّة في سوريا، وهذا هو السلاح الأساسي ضد داعش، لا أعرف كيف ان المسؤولين في الغرب لا يعون هذه المعادلة ويطرحون التعاون مع الأسد لمحاربة داعش...أعتقد ان الروس اتصلوا بدول عدة وبالأخص بالمانيا وتركيا وسواها وطرحوا عليهم إعطاء دور رمزي لبشار الأسد في مرحلة انتقالية كمدخل للتوصُل الى حلّ نهائي بدونه أو شيء ما من هذا القبيل، والغرب في ظل أزمة اللاجئين بات مستعداً لأي حل للأزمة السورية وبدأ المسؤولون طرح معادلة بقاء الأسد ولكن سرعان ما تبيّن ان الروس ليسوا بهذا الوارد ولا يوجد حلّ جدي وحتى إو وجد هذا الطرح فلا أحد سيقبل به بالأخص الشعب السوري والدول العربية والعديد من دول الغرب وفي طليعتها أميركا... معلوماتي وتقديري وإيماني الكامل أن لا دور لبشار الأسد لا في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سوريا".

ورداً على سؤال، لفت جعجع الى ان "كل دول العالم ترغب في الحفاظ على المؤسسات في سوريا وليس فقط روسيا، فروسيا تعتبر ان المؤسسات هي بشار الأسد وبدون الأسد لا مؤسسات في سوريا ولهذا تسعى الى بقاء الأسد أقله لمرحلة انتقالية، ولكن جوابنا على ذلك أن بعض الأشياء في المبدأ غير مقبولة، فالأسد بعد كل المماراسات التي ارتكبها لم يعد مقبولاً، والقول أن المؤسسات تنهار بدون الأسد فهكذا مؤسسات تتصرف بهذه الطريقة هي أيضاً غير مقبولة".

وعن الرسالة المفتوحة التي وجهها الى المستشارة الألمانية في ظل الإصرار الغربي على بقاء الأسد، أجاب :"بالعكس لا يوجد إصرار غربي على بقاء الأسد، ولكن ما دفعني الى توجيه هذه الرسالة هو أن بعض الأمور تدخل ضمن الإطار المبدئي، هي ليست رسالة سياسية  بل تتضمن موقفاً مبدئياً، اذ لا يمكن الدخول في تفاوض مع الأسد بعد كل ما ارتكبه من جرائم لأن هذا الأمر سيعني رمزياً انه يمكن لأحدهم قتل الآلاف ومن ثم نجلس لنتفاوض معه وهذا سيكون بمثابة تشجيع للآخرين على الشر ومن ثم خروجه سالماً وفق معادلة معينة، فحين تخلو السياسة من أي عناصر مبدئية ينتهي كل شيء برأيي، لذا يجب الحفاظ على الحد الأدنى من الاعتبارات المبدئية في أي خطوة سياسية... ومن ضمنها رفض بقاء الأسد وأي دور له في مستقبل سوريا"، مشيراً الى أنه لم يتلقَ رداً من ميركل "ولكن عدداً كبيراً من الألمان لم تزعجهم هذه الرسالة، والرأي العام الألماني كانت ردة فعله إيجابية لأنها بصراحة رسالة واضحة وشفافة وبسيطة وليست موقفاً سياسياً بل مبدئياً".

واستبعد جعجع إمكانية إحياء نظام الأسد من قبل الروس "فحتى الروس ليسوا في هذا الصدد إنما هم في وارد توسيع حصصهم في سوريا والظهور بمظهر القوة الدولية الفاعلة على الأرض، فبشار الأسد بالنسبة لهم هو أداة للوصول الى أهدافهم ولكن التزموا بهذه الأداة وبات مصير وجودهم في سوريا مرتبطاً بوجود الأسد لا أكثر ولا أقل".

وأضاف:" لا أرى أن هناك نظاماً في سوريا، فبعد سقوط 300 الف قتيل وحوالي 10 ملايين مهاجر في الداخل والخارج، جل ما بقي هو بشار الأسد ومجموعته أضف إليهم الآن داعش التي تقتل من لم يقتلهم النظام، في سوريا الآن مجموعة بقع وعلى كل بقعة تسيطر مجموعة مسلحة معينة..." وعن خشيته من زيادة التطرف بسبب السلوك الروسي، قال:" للأسف نعم، ممكن أن يؤدي الى زيادة التطرف ولكن الأهم من ذلك كل يوم يستمر فيه بشار الأسد في الحكم سيزيد التطرف، اذا كنا نريد التقليل من التطرف في سوريا أول ما يجب فعله هو التخلُص من الأسد..."

وعن الفرق بين الأولويات الايرانية والروسية في سوريا، اعتبر جعجع "ان هناك بعض الأولويات المشتركة لدى الطرفين ومنها الحفاظ على توازن القوى الحالي في سوريا والحفاظ على هذا النظام حتى إشعار آخر ومحاولة الوصول الى تسوية تحفظ مصالح الطرفين، ومن هنا أنا لا أراهن على خلاف بين الطرفين الروسي والايراني لأنهما يقومان بعملية تكامل بين أهدافهما... فالتدخل الروسي في مكان ما أنقذ التدخل الايراني في سوريا لأنه في الفترة الأخيرة كان التدخل الايراني في مرحلة حرجة... وحتى إشعار آخر لا أقبل نظرية أن الايرانيين يريدون التقسيم في سوريا، ما كانوا يفعلونه صراحةً في جبال القلمون والزبداني هو محاولة إراحة حليفهم حزب الله في لبنان من خلال ايجاد شريط شيعي بمعنى ان تكون القرى على جانبي الحدود اللبنانية –السورية شيعية، ولكن هل هذه مقدمة لإنشاء دولة علوية شيعية في سوريا؟ لا أعتقد وإلا كان يجب أن تكون حدودها في أماكن أخرى مختلفة تماماً وفي أحسن الحالات أقول انهم يسعون لإيجاد ممر بين دمشق وجبال العلويين في سوريا وذلك لأهداف تكتية استراتيجية حالية من دون أن نربطها بمشروع مستقبلي كامل لتقسيم سوريا بطريقة ما بل أربطها بمفهوم "سوريا المفيدة" و"سوريا غير المفيدة"..."

ولفت الى ان "معظم الـestablishment المسيحي مع نظام الأسد لأنه يحقق له مصالحه، ولكن الناس على الأرض وفي القواعد ينقسمون بين مؤيد ومعارض أقله النصف بالنصف، أما على مستوى المفكّرين فهذا غير بحث تماماً".

وعن مستقبل الوجود الروسي في سوريا، أوضح جعجع أنه "لا أحد يستطيع التنبؤ منذ الآن ماذا سيكون عليه هذا الوجود مستقبلاً، فالأزمة السورية أصبحت من التعقيد في مكان لدرجة أنه يصعب جداً تبيان اتجاهها إلا من جانب واحد وهو ان هذا النظام مستحيل أن يبقى وهذا تحصيل حاصل، أما باقي الأمور لا أعرف مصيرها، وبالتالي القول ان القاعدة الروسية ستبقى في سوريا لفترات طويلة لا أحد يستطيع تأكيد هذا الأمر أو نكرانه، ربما مع  الانتخابات الرئاسية الأميركية قد يأتي رئيس شبيه بباراك أوباما وتبقى الأمور على حالها وممكن أن يصل شخص نقيض لأوباما لذا من الصعب توقُع ما الذي سيحدث..."

ورداً على سؤال، شدد جعجع على أن "ما يجري في سوريا هو ثورة، ربما قد تكون ولّدت الكثير من الأزمات ولكن فلنتذكر يوم 11 آذار 2011 فلنتذكر حمزة الخطيب، وما جرى في درعا، وابراهيم القاشوش...، أنا شخصياً كنت أعتقد انه بعد وفاة حافظ الأسد سينهار هذا النظام واستغربت استمراره 11 عاماً".