تركت المواجهة الواسعة والحادة التي حصلت ليل الخميس الماضي بين المتظاهرين في الحراك المدني والقوى الامنية آثاراً ثقيلة برزت أمس إن عبر ردود فعل رسمية وسياسية سلبية حيال ما شهده وسط بيروت وما خلفته المواجهة وان عبر مزيد من تحركات الاحتجاج التي تركزت على المطالبة باطلاق عشرات الموقوفين.
لكن المناخ المشدود لم يحجب استمرار الاتصالات والمشاورات الحثيثة الجارية في شأن عقد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل تخصص لملف النفايات. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" أن رئيس الوزراء تمام سلام ينتظر أجوبة من حركة "أمل" و"حزب الله" كي ينطلق في عقد جلسة الاسبوع المقبل بالتزامن مع السعي المستمر الى إيجاد مطمر ثالث للنفايات في البقاع بعد فشل محاولتين متعاقبتين.ولفتت المصادر الى أن ملف النفايات صار أشبه بـ"حكاية راجح" ولا يمكن الاقتناع بالتفسيرات المعلنة، كأن هناك جزءاً من الحكومة يريد أن يُبقي الملف ذريعة لإستمرار الحراك في الشارع. وأشارت الى إتصالات أجريت أمس مع الرئيس سلام من أجل إقناعه بدعوة مجلس الوزراء الى الإنعقاد أو فضح المعرقلين لخطة النفايات.
وفي ما يتعلق بإستمرار الحديث عن الباب المفتوح أمام إقرار تسوية ترقية الضباط، قالت المصادر ان رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط لا يزالان يسعيان الى إنجاز هذه التسوية على رغم ان الطرح المتداول لهذه التسوية اصطدم بموانع تبدأ بقيادة الجيش وتنتهي بـ"اللقاء التشاوري" الوزاري مروراً بوزير الدفاع سمير مقبل. ولا يفصح الرئيس بري والنائب جنبلاط عما إذا كانت لديهما بدائل من هذا الطرح المرفوض من أكثرية وزارية موصوفة تضم وزراء "اللقاء التشاوري" الثمانية ووزيرين آخرين لم يعلن عنهما بعد. وأفادت المصادر ان كل ما يطرح عن مستقبل العميد شامل روكز هو من باب التكهن حتى الآن.
وبرزت أمس لقاءات لافتة في دارة الرئيس ميشال سليمان الذي اعتبر انه اذا "كانت تسوية الترقيات حملت من داخلها عناصر نسفها سياسياً ودستورياً وقانونياً فان اقتراح عرضها على مجلس الوزراء يحمل في طياته التفافا على ما تبقى من الصلاحيات الرئاسية". وقال في تصريح لـ"وكالة الانباء المركزية" ان النصوص التي ترعى هذا الامر واضحة لا لبس فيها فالترقيات في المؤسسة العسكرية تصدر بمرسوم عادي يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزيرا المال والدفاع الوطني ولا يفترض تاليا عرضه على مجلس الوزراء. وأوضح ان معايير ترفيع عمداء الى رتبة لواء هي معايير متبعة في ترقيات الضباط من الرتب الادنى منذ عشر سنين على الاقل ولا تخرج عن منطوق القانون المرعي وهدفها الكفاية والعدالة والاقدمية بما يؤمن مصلحة الجيش.
فرنسا
في غضون ذلك، برز موقف فرنسي جديد من الاوضاع في لبنان تناول الازمة الرئاسية والمؤسساتية فيه. وأفاد مراسل "النهار" في باريس ان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال دعا خلال المؤتمر الصحافي الاسبوعي رداً على سؤال عن الوضع في لبنان الى بذل " مجهود من اجل الخروج من المأزق الدستوري" وقال: "يجب الخروج من المأزق المؤسساتي ومساعدة لبنان على مواجهة تداعيات الازمة السورية عليه".
ولاحظ ان "لبنان هو البلد الاكثر تأثراً جراء الازمة السورية". وذكر "بالتضامن الفرنسي مع لبنان "الذي يعاني تقييداً سياسياً ودستورياً". وشدد على ان "هناك ازمة إنسانية مهمة. وفرنسا صديقة للبنان وخياراتنا ليست فقط خيارات سياسية بل هي خيارات قلبية لا يمكن إنكارها".
وأشار الى مزيد من المساعدات المالية للبنان، موضحاً "ان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد اعلن عن مساعدات للاجئين السوريين وستكون للبنان حصة منها مبلغ ١٠٠ مليون أورو من المساعدات خلال السنتين المقبلتين".
وتحدث عن دور فرنسي لتسهيل حل الأزمة فقال ان فرنسا التي "لها علاقات مع جميع اللاعبين اللبنانيين، يجب ان تعمل من اجل تعزيز حل مؤسساتي. واننا نناقش الوضع مع دول المنطقة".
من جهة أخرى، حض نادال الأطراف اللبنانيين على التوصل الى حل قائلاً: "هناك وجه مؤسساتي واننا نحض اللاعبين اللبنانيين على الخروج من هذا المأزق بانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا مهم للغاية... فرنسا لا تتدخل في هذا الاختيار. لكنها تحض اللاعبين اللبنانيين على تخطي هذه الازمة المؤسساتية". وأوضح ان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كان "شدد على كل هذه الجوانب خلال اجتماع مجموعة الدعم من اجل لبنان على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك" أواخر الشهر الماضي.
الموقوفون
بالنسبة الى الحراك المدني وذيول التظاهرة الاخيرة، قالت مصادر مواكبة لوزارة الداخلية انها ترفض أن تظهر كأنها تقوم بـ"الدور السيئ" من خلال توقيف القائمين بأعمال الشغب ليقوم القضاء لاحقا بـ"الدور الجيّد" ويفرج عنهم سريعاً. وحذّرت من أنها قد تضطر الى عدم توقيف أي شخص لاحقا إذا ما تكررت حالات إفراج غير مستوفية الشروط.
وقد استقر عدد الموقوفين في احداث الخميس على 33 شخصاً سمح لهم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر بالاتصال بذويهم، فيما تستمر التحقيقات الأولية معهم. وعلم أن صقر سيتخذ قراره المناسب بترك من لا يثبت ضلوعه في اعمال تخريب والادعاء على المتورطين. وكان 17 موقوفاً تركوا في هذه الاحداث بعد التحقيق معهم بينهم اربعة قاصرين. وقالت مصادر قريبة من التحقيق إن المتظاهرين الذين لم يستحصلوا على اذن بالتظاهر بادر بعض المنضوين معهم الى ازالة الحواجز الحديد وسواتر الباطون وما استتبع ذلك مما أدى الى تدخل قوى الامن الداخلي.
واعتصمت مجموعات من الحراك المدني امس امام وزارة الداخلية وقطعت الطريق وهي تطلق هتافات تطالب باستقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق. كما سعت لجنة المحامين المكلفة الدفاع عن الموقوفين الى اطلاقهم، ثم نظمت مجموعات أخرى وقفة أمام المحكمة العسكرية حمل فيها المعتصمون وزير العدل أشرف ريفي المسؤولية الكاملة عن الموقوفين.
على صعيد متصل، صرّح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار" بأنه "بدل استخدام الامن لمواجهة المتظاهرين في وسط بيروت، لماذا لا يوجّه الامن لمواكبة شاحنات النفايات الى المطامر التي سيجري اختيارها؟".