الحراك الغاضب من سلطة أمعنت في الفساد , وأحزاب سلطوية نائمة عن مصالح الناس , والتصعيد سيّد الموقف
السفير :
لكأن هناك من يريد للبنانيين أن يبقوا أسرى الفوضى والفراغ والاصطفافات الطائفية والمذهبية.
بدا الحراك المدني قبل نحو شهرين بمثابة فسحة أمل لشرائح كبيرة من اللبنانيين المعترضين على النفايات والفساد والعطش والتلوث وقطع الكهرباء وغلاء الأقساط وضيق الأحوال، لكن السلطة حرصت على إبراز «عضلاتها» وأثبتت بكل ما تمثله من مكونات الدولة الطائفية العميقة أنها ترفض المس بـ«حقوقها» و«مكتسباتها» التاريخية أو الحديثة.
وبرغم تراجع حجم المشاركة الشعبية في الحراك، لأسباب يتعلق بعضها بالحراك نفسه وبمكوناته وشعاراته وأهدافه وتراجع جاذبيته، الا أن السلطة رفضت أن تظهر في مظهر الضعف، على الرغم من واقع العجز الذي صار سمة أدائها في السياسة والخدمات وكل شيء، وحاولت تظهير «هيبتها الأمنية»، ولو على حساب المؤسسات العسكرية والأمنية المستنزفة منذ عقد من الزمن في كل شوارع لبنان في مواجهة انقسامات الداخل وحروب الارهاب وعصابات الفدية والسيارات والمخدرات.
أمس كان موعد جديد للحراك نحو ساحة النجمة، لكن الاجراءات الأمنية، من حواجز حديدية ومكعبات اسمنتية وأشرطة شائكة، وخلف هذه كلها، مئات العسكريين المدعمين بفرق الاطفاء والدفاع المدني ومكافحة الشغب، جعلت الأمور تتحول الى مواجهات بلغت ليلا حد اطلاق قنابل مسيلة للدموع على المتظاهرين، فضلا عن طوفان من خراطيم المياه التي أعادت تذكير المحتجين بأنهم يعيشون في بلد مائي بامتياز، ولو أن ثروته تهدر دائما في غير مكانها.
في المحصلة، ظلت ساحة النجمة عصية على المتظاهرين، وظل الحراك عصيا على الأمن، ونام عدد كبير من الناشطين في الحراك في ثكنة الحلو فيما تجمهر ذووهم امام مدخلها حتى ساعة متأخرة بعد منتصف الليل، وجرّدت القوى الأمنية حملة اعتقالات شملت عشرات المحتجين في ساحة الشهداء والمناطق المجاورة (تردد أن عددهم تجاوز المئة بحسب «بدنا نحاسب»)، فيما كانت مستشفيات العاصمة تستقبل عشرات حالات الاغماء بالقنابل الدخانية، وقال بيان لقوى الأمن الداخلي أن أكثر من خمسين عسكريا أصيبوا خلال المواجهات.
أما المطالب، فان بعضها يستجد مع كل حراك ولا سيما اطلاق سراح الموقوفين، وبعضها الآخر يبقى مقيما منذ اليوم الأول لانطلاق الاحتجاجات، وخصوصا موضوع النفايات.
وفيما لم يستبعد قياديون في حملة «بدنا نحاسب» احتمال تنظيم تحركات احتجاجية في الساعات المقبلة في كل شوارع العاصمة، وخصوصا محيط وزارة الداخلية، قال مصدر وزاري واسع الاطلاع لـ «السفير» ان الحكومة ستجتمع على الأرجح مطلع الأسبوع المقبل في جلسة ستكون مخصصة لاقرار خطة النفايات التي وضعها وزير الزراعة أكرم شهيب، وتم تثبيت آخر التعديلات عليها في جلسة جمعت الأخير ورئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق في السرايا الكبيرة أمس.
وفيما أبلغ وزير التربية الياس بو صعب «السفير» انه من غير المستبعد حضور وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» جلسة الحكومة المخصصة للنفايات «فهذه حالة طارئة لا تحتاج لا الى جدول اعمال ولا الى قرارات ومراسيم»، قال وزير سيادي لـ «السفير» انه من غير المستبعد أن يتخذ العماد ميشال عون قرارا بغياب وزرائه عن الاجتماع مقابل حضور وزيري «حزب الله» بالتنسيق مع الرابية، من أجل اقرار خطة النفايات بكل مندرجاتها وخصوصا المطامر المقترحة.
تعيين ضابط على رأس «المغاوير»
في غضون ذلك، لوحظ في الساعات الأخيرة أن معظم مكونات الحكومة باتت تتصرف على قاعدة انعدام فرصة تسوية الترقيات العسكرية، خصوصا مع قرار قيادة الجيش باجراء تشكيلات عسكرية شملت 15 ضابطا أبرزهم العقيد الركن مارون القبياتي الذي حل محل العميد شامل روكز على رأس فوج المغاوير.
فقد اصدر قائد الجيش العماد جان قهوجي قراراً قضى بتعيين العقيد الركن القبياتي (رئيس الفرع الاول في فوج المغاوير) قائداً لفوج المغاوير خلفاً للعميد روكز الذي سيحال الى التقاعد في الـخامس عشر من الشهر الحالي، ويغادر الى منزله في اليوم التالي.
وشملت التشكيلات نقل مساعد قائد فوج المغاوير العميد وسيم صالح (دورة العام 1986) كونه أعلى رتبة من القبياتي، الى المفتشية العامة.
النهار :
لم يكن أدل على التصعيد العنيف في المواجهة بين المتظاهرين من الحراك المدني والقوى الامنية طوال ساعات المساء امس وما ينطوي عليه هذا التصعيد من احتمالات مقبلة سوى مشهد محيط مبنى "النهار" في اول شارع ويغان الذي تحول ساحة لأشرس مبارزة حصلت منذ صدام 22 آب الماضي بين الحراك وقوى الامن الداخلي بعد انطلاق التحركات الاحتجاجية. ولعل دخول "سلاحين" جديدين في المواجهة هما حجار المتظاهرين ولجوء القوى الامنية تكرارا، ولكن بكثافة هذه المرة، الى استعمال القنابل الدخانية وخراطيم المياه فضلا عن العراك المباشر والهراوات والمفرقعات، عكس تصاعد الانسداد ايضا في لغة التعامل بين الدولة والحراك مما وضع المتظاهرين والقوى الامنية مرة جديدة "وجها لوجه" بعنف بالغ أدى الى وقوع عشرات الاصابات في صفوف الفريقين. وهو انسداد يسأل عنه في الغالب مجمل الوسط السياسي، الذي مكّن الحراك المدني في الايام الاخيرة من القبض على مزيد من الذرائع والمسببات والحجج لتصعيد تحركه عبر مجموعة اخفاقات تعاقبت تباعا على مرأى من الرأي العام الداخلي. وكان أول الاخفاقات انفجار العراك النيابي في جلسة لجنة الاشغال العامة والطاقة النيابية. وثاني الاخفاقات تمثل في دوران الحوار في مجلس النواب حول دوامة الفراغ الذي أخرج المتحاورين من حلقاتهم كما دخلوا خالي الوفاض. وثالث الاخفاقات تجسّد في العجز غير المفهوم عن تطبيق خطة معالجة أزمة النفايات على رغم اجتماعات المعنيين التي تصل الليل بالنهار على نحو شبه يومي.
لكن ذلك لم يحجب في المقابل انجراف بعض حملات الحركة الاحتجاجية الى منحى عنفي برز ليل امس عبر ظواهر عدة عكست اتجاهات "هجومية" معدة سلفا. وأفادت قوى الأمن الداخلي انها "منعت محاولة لاقتحام فندق "لو غراي" من جانب مشاغبين بعد تحطيم باب مدخله ومناشدة مسؤولين فيه لتدخل قوى الأمن".
في ظل هذه الاجواء خاضت مجموعات من حملات الحراك المدني مواجهات حادة مع القوى الامنية بعدما تحولت التظاهرة السلمية الى صدامات وأعمال شغب وكان فتيلها تقدم المتظاهرين الى الحاجز الاسمنتي الذي اقيم قرب مبنى "النهار" بعد سحب العوائق الحديد فردت القوى الامنية باستعمال خراطيم المياه والهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع. وتواصلت المواجهات طوال ساعات وسجلت حالات اختناق في صفوف المتظاهرين وأفاد منظمو التظاهرة ان ما لا يقل عن 35 متظاهرا أصيبوا في المواجهات. وفي المقابل أكدت قوى الامن الداخلي اصابة عدد من أفراد مكافحة الشغب بينهم ملازم في حال خطرة. كما أوقف عدد من المتظاهرين.
وبرز في هذا السياق موقف للأمانة العامة لقوى ١٤ آذار التي رأت "أن حرية التعبير التي كفلها الدستور و كرّسها ١٤ آذار مع انتفاضة الاستقلال شيء، والتخريب والإعتداء على الأملاك العامة وعناصر قوى الأمن والجيش شيء آخر".
وأضافت: "إن الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار تتمنى على المتظاهرين تنقية صفوفهم من العناصر المشبوهة و تطلب من الحكومة أخذ التدابير اللازمة من أجل وضع حد للفلتان الذي تشهده العاصمة، لأن الفوضى لا تخدم إلا أعداء لبنان ولا تحقق مطالب الناس التي هي في حاجة إلى دولة لتلبيتها. لقد انزلقت التظاهرات في اتجاهٍ مشبوه ونطلب من كل المواطنين عدم السماح بإدخال لبنان في مجهولٍ أمني ودستوري وسياسي في مرحلة شديدة الخطورة".
سلام
على الصعيد السياسي، علمت "النهار" أن رئيس الوزراء تمام سلام، تلقى امس سلسلة اتصالات تمحورت على ضرورة عقد جلسة لمجلس الوزراء لمتابعة الملفات العاجلة لاسيما منها ملف النفايات الذي أعاد تأجيج الاحتجاج المدني الى الشارع. وكانت كتل "المستقبل" والكتائب و"اللقاء التشاوري" حضت الرئيس سلام على عقد جلسة. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" أن من المرجح أن تعقد هذه الجلسة الاسبوع المقبل، على أن يكون موضوعها الرئيسي النفايات.
وصرّح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار" بأن "اللقاء التشاوري" الذي يضم وزراء الرئيس ميشال سليمان والكتائب وبطرس حرب وميشال فرعون يعتبر "عدم إنعقاد الجلسة نسفا للنظام في لبنان ويجعل السلطة التنفيذية ملحقة بالسلطة التشريعية". وقال: "كما أبلغنا الرئيس سلام ان اللقاء التشاوري لا يقبل إعتبار الرئيس سليمان ليس مكونا أساسيا وهو آخر رئيس للجمهورية ولولاه لما أبصرت الحكومة الحالية النور. كما أن نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل هو مكوّن أساسي ويمثل حالة ميثاقية للطائفة الارثوذكسية". وأضاف: "نحن كلقاء تشاوري متضامنون في ما بيننا ولا مجال لتفرقتنا".
ويشار في هذا السياق الى ان معلومات أوردتها امس "وكالة الانباء المركزية" عن تعيين قائد الجيش العماد جان قهوجي العقيد الركن مارون القبياتي قائدا لفوج المغاوير خلفا للعميد شامل روكز قبل سبعة ايام من احالة الاخير على التقاعد في 15 تشرين الاول الجاري. وعلم ان التسلم والتسليم بين روكز والقبياتي سيجري الثلثاء المقبل.
المستقبل :
مجدداً يعود ممتهنو الشغب على «صهوة» التحركات المطلبية ليعيثوا خراباً بوسط العاصمة وإفساداً بسلمية الحراك المدني المدعو أكثر من أي وقت مضى إلى تنقية صفوفه من ذوي الأجندات التخريبية الحاقدة على بيروت وعمرانها. وبالأمس انفجر هذا الحقد الدفين شغباً ممنهجاً خالصاً في استهدافاته الواضحة للعاصمة ولقوى الأمن الداخلي التي سقط عشرات الجرحى من عناصرها بينهم ضابط نتيجة رشقهم بالحجارة والمواد الصلبة والمفرقعات، في وقت انكفأ منظمو تظاهرة ساحة الشهداء بعد عجزهم عن صد غوغائية المشاغبين المتوغلين في صفوفهم والتي أسفرت عن حالة دراماتيكية من الكر والفر أصيب خلالها عشرات المتظاهرين بالحجارة والاختناق أثناء تصدي القوى الأمنية لمخرّبي الممتلكات العامة والخاصة وبعضهم حاول ليلاً اقتحام فندق «لو غراي» إثر تحطيم مدخله وتكسير كاميراته وآلة سحب أموال أمامه. أما في الميدان السياسي، فبرز أمس توجيه مصادر «الرابية» تحذيراً أخيراً لمن يعنيهم الأمر على بُعد أسبوع من موعد إحالة العميد شامل روكز إلى التقاعد، مفاده: إما ترقية روكز أو الاتجاه نحو فرض حال من الشلل التام على مجلسي النواب والوزراء بانتظار وضع سلة «حل شامل» تشمل الانتخابات الرئاسية والنيابية.
في الغضون، استرعى الانتباه أمس قرار تعيين العقيد الركن مارون القبياتي قائداً لفوج المغاوير خلفاً للعميد روكز في خطوة أوضحت أوساط مقربة من المؤسسة العسكرية لـ«المستقبل» أنها تندرج في إطار الإجراءات الناظمة لعمليات تسليم وتسلّم المهام والملفات المفترض إجراؤها على مدى الأسبوع الأخير من خدمة ضابط محال إلى التقاعد مع الضابط الذي سيخلفه، مشددةً على كون قرار تعيين القبياتي بمثابة إجراء روتيني عسكري منزّه عن أي أبعاد ومعانٍ سياسية، وأتى فقط بالاستناد إلى واقع تقاعد روكز وإلى تاريخ القبياتي المستمر في خدمة فوج المغاوير منذ نحو 15 سنة.
وتزامناً، أكدت مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الجارية حول تسوية الترقيات العسكرية لـ«المستقبل» أنّ خبر تعيين القبياتي لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء المساعي المبذولة لإبرام التسوية بشكل قد يلحظ ترقية روكز إلى لواء، لافتةً الانتباه إلى أنّ آفاق هذه التسوية لا تزال مفتوحة على كافة الاحتمالات حتى الخميس المقبل تاريخ إحالة روكز للتقاعد، مع إشارتها إلى أنه حتى لو تمت ترقيته فهو أساساً لم يكن ليبقى في قيادة فوج المغاوير.
وبينما لوحظ خلال اليومين الفائتين اعتبار عدد من الأوساط الإعلامية والسياسية العونية أنّ تسوية ترقية روكز ذهبت أدراج الرياح، علمت «المستقبل» أنّ الوزير وائل أبو فاعور لا يزال يحاول تدوير الزوايا بين الأفرقاء المعنيين لضمان تذليل العقد التي تحول دون إبرام التسوية. في حين آثر الوزير الياس بوصعب من جهته عدم نعي جهود الربع الساعة الأخير مفضلاً القول لـ«المستقبل»: «المحاولات والعروض التي يُحكى عنها (بشأن الترقيات) لم تبصر النور، وأصبح النظر متجهاً اليوم أكثر نحو الحل الشامل الذي يضع الانتخابات الرئاسية والنيابية في سلة واحدة»، مستبعداً «عودة العمل الحكومي إلى طبيعته قبل إبرام هذا الحل الشامل».
تظاهرة «القصر»
على صعيد آخر، وعشية التظاهرة العونية المرتقبة بعد غد الأحد على الطريق نحو قصر بعبدا، أكدت مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية لـ«المستقبل» أنّ قرار قيادة الجيش واضح في ما خصّ حماية الأملاك العامة والخاصة ومنع المساس بها، متوقعةً في الوقت نفسه أن تكون تظاهرة الأحد خالية من أي أعمال شغب.
ورداً على سؤال، أفادت المصادر أنّ دخول المتظاهرين إلى القصر الجمهوري ممنوع تماماً كما هو الحال بالنسبة للمجلس النيابي والسرايا الحكومية، كاشفةً في معرض إشارتها إلى اتخاذ إجراءات عسكرية احترازية في هذا الصدد عن قيام لواء الحرس الجمهوري باستدعاء وتحرير 3 سرايا من مهماتها وتفريغها للاضطلاع بواجباتها في حماية القصر الجمهوري نهار الأحد.
الديار :
«حرب شوارع» وعمليات «كر وفر» بين القوى الامنية والمتظاهرين فاقمت الاوضاع الداخلية سواداً. واعطت صورة قاتمة في ظل عجز رسمي وفراغ امتد الى كل المؤسسات، حيث يأتي هذا المشهد الداخلي في ظل تطورات عالمية استثنائية على حدودنا حيث المشهد السوري مالئ الدنيا وشاغل العالم حاليا فيما نرى ان المسؤولين اللبنانيين غارقون في مشاكلهم وحصصهم ونفاياتهم.
والسؤال الاساسي، ما هو السر الذي يدفع بالمسؤولين الى «النوم على حرير» وغير مكترثين للمشهد السوري وتطوراته، ومن يمنع من امتداد النيران السورية الى لبنان، وما هي الضمانة لمنع ذلك؟ وهذا ما يفرض على المسؤولين التعامل ولو بالحد الادنى من المسؤولية والجدية، مع القضايا الداخلية والخارجية. ويبقى السؤال المطروح، لماذا الاصرار من قبل وزارة الداخلية على استخدام العنف ضد المتظاهرين ونقل اسوأ صورة للعالم عن لبنان؟ ولماذا لم يدرك المسؤولون بعد ان استخدام العنف لا يوصل الى نتيجة؟ لا بل على العكس يعطي ردة فعل سلبية على القوى الامنية، ولماذا حتى الآن لم توضع خطة للتعامل مع تحركات «الحراك المدني» خصوصاً ان هذا «الحراك» اعلن عن موعد التظاهرة منذ اسبوع؟ ولماذا لم تتخذ الاجراءات لمنع اي احتكاك بين المتظاهرين والقوى الامنية؟ ولماذا لا يتم مسبقاً رصد العناصر المشاغبة الذين يحاولون الاساءة الى هذه التحركات واعتقالهم؟ كلها اسئلة مشروعة بحاجة الى اجوبة سريعة، وهذا الامر لا يسقط ايضاً احتمال وجود عناصر «مشاغبة» و«ارهابية»، تحاول جر البلاد خلال هذه التحركات الى فوضى شاملة في البلاد، وهذه الاحتمالات تقتضي خطة من الدولة لا تكتفي بالامن فقط بل تطال اعادة العمل بمؤسسات الدولة التشريعية والحكومية، والالتفات الى مشاكل الناس ووقف عمليات الهدر والفساد وسد «مزاريب» السمسرات، ومن دون هذه الاجراءات فان التحركات الشعبية لن تتوقف خصوصاً ان هذه الطبقة السياسية ومن خلال ممارساتها تقدم افضل الاوراق لنجاح الحراك الشعبي.
المواجهات العنيفة امس والتي امتدت حتى السادسة مساء وطوال الليل، واستخدمت خلال المواجهات خراطيم المياه والقنابل الدخانية والعصي فيما استخدم المتظاهرون «رمي الحجارة» ومبادلة القوى الامنية عمليات الضرب، كما ان عمليات «الكر والفر» شملت ساحتي الشهداء ورياض الصلح وصولا الى الصيفي وسقط خلالها جرحى من الطرفين، وافيد عن اصابة ضابط من قوى الامن الداخلي بجروح خطيرة، ووصل عدد الجرحى من الطرفين الى اكثر من 100 جريح. كما قامت القوى الامنية باعتقالات بالجملة، واللافت ان المتظاهرين كانوا مصرين على المواجهة والتصدي للقوى الامنية ورفض شرط القوى الامنية باخلاء ساحة الشهداء، فيما رد المتظاهرون بعدم اخلاء الساحة قبل الافراج عن المتظاهرين.
ـ تسوية الترقيات طارت والامور الى التصعيدـ
اما المشهد السياسي، فلم يكن افضل من مشهد رياض الصلح بين القوى السياسية، بعد ان سقطت تسوية ترقية العمداء، وكان لافتاً امس تعيين العقيد مارون القبياتي قائداً لفوج المغاوير في الجيش اللبناني مكان العميد شامل روكز الذي يحال على التقاعد في 15 تشرين الاول، علما ان العقيد القبياتي هو نائب قائد الفوج الحالي وآمر الكتيبة الاولى فيه، وكان قد شارك في معارك عبرا واصيب في معارك نهر البارد.
في المقابل، مصادر الرئيس سلام اكدت انه سيعقد جلسة لمجلس الوزراء فور ازالة العقبات من امام خطة النفايات الذي اعدها الوزير اكرم شهيب، وفور اعداد الخطة سيدعو سلام الى جلسة لمجلس الوزراء لاقرار الخطة وبمن حضر، لانه لا يجوز ترك النفايات في الشوارع، واذا اصر البعض على التعطيل فان سلام سيتخذ قراره بالرحيل، ويرفض ان يكون «شاهد زور» على هذه الاوضاع. ولن يتغير اي شيء لان الحكومة حالياً هي حكومة تصريف اعمال.
فيما اعتبرت مصادر وزارية من 8 آذار، ان سلام يستطيع اخذ القرار ببدء تنفيذ خطة النفايات فوراً ودون الحاجة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، واكدت ان سلام ومن خلال اصراره على عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظل هذا التشنج فانه يعمل على دفع الوزراء العونيين وحلفائهم الى المواجهة داخل الحكومة واظهار العماد عون بانه المعرقل لعمل الحكومة ولموضوع النفايات واستغربت المصادر موقف الرئيس سلام خصوصا ان الرئيس بري طلب من الرئيس سلام «التريث» في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد خصوصا في ظل الاجواء المتشنجة وعدم الوصول الى تسوية في ملف ترقية العمداء وفي المعلومات ان ممثلي قوى 14 آذار ابلغوا الرئيس بري رفضهم المشاركة في جلسات الحوار المقبلة الا اذا عقدت جلسة لمجلس الوزراء كما اكد النائب ايلي ماروني ان الكتائب سيعلقون مشاركتهم اذا لم تعقد جلسة للحكومة.
ومن الطبيعي ان لا يمر اسقاط التسوية مرور الكرام من التيار الوطني وحلفائه وعلم ان العماد ميشال عون ترأس خلال الساعات الماضية سلسلة اجتماعات لمنظمات التيار الوطني الحر وتحديدا النقابية والشبابية لتأمين اكبر حشد لتظاهرة 11 تشرين الذي سيشارك فيها العماد ميشال عون شخصيا.
واشار نائب في التيار الوطني الحر ان كلمة العماد عون ستتضمن مواقف لافتة وسيقول «كفى» وستكون كلمته حاسمة وسيحدد فيها مواقف التيار للمرحلة القادمة.
الجمهورية :
وأخيراً، يعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد الأسبوع المقبل تحت وطأة ضغط الشارع الذي عاد ليتحرّك ويتصادم بعنف مع القوى الأمنية، مثلما حصل مساء أمس، حيث عاث ملثمون لساعات تخريباً واعتداءً على القوى الأمنية في وسط بيروت، فضلاً عن الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة (التفاصيل ص 6). وجاء هذا التطور فيما يأخذ الحوار بين قادة الكتل النيابية استراحة حتى 26 الجاري، يغيب خلالها مديره وراعيه رئيس مجلس النواب نبيه برّي في زيارة رسمية لرومانيا وأخرى لجنيف حيث ينعقد المؤتمر البرلماني الدولي. ويُنتظر أن تكون هذه الاستراحة فرصةً للمتحاورين لمراجعة مواقفهم، فيما سيعكف برّي، رغم سفره، على جوجلة مواصفات الرئيس العتيد التي تسَلّمها من المتحاورين، شفويةً أو مكتوبة، لينطلق الحوار منها في جلسات متتالية. عاشَت بيروت ساعات من الصدامات بين القوى الأمنية والمتظاهرين إستعملت فيها كل أدوات المواجهة، وبدا أنّ هناك قراراً أمنياً حازماً بمنع الإقتراب من المؤسسات الرسميّة، فانفجَر الوضع مواجهات استمرّت إلى ساعة متأخرة من الليل.
وأعلنت قوى الأمن أنه «بعد تدمير المشاغبين الحاجز الأمني وتخطيه وإحتكاكهم بالعناصر والتعرض المباشر لهم وسقوط إصابات في صفوف هذه العناصر، وللحيلولة دون خرق صفوف عناصر مكافحة الشغب للوصول إلى ساحة النجمة مما قد يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها.
اضطرت قوى الأمن إلى إستعمال وسائل مكافحة الشغب من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع التي تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية حفاظاً على السلامة العامة ومنعا لتفاقم الأمور». وقد أسفرت المواجهات عن وقوع عشرات الجرحى في صفوف القوى الأمنية والمتظاهرين.
بري
وسط هذه الأجواء، أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ارتياحه الى مسار الحوار بين قادة الكتل النيابية، وقال إنّ هناك إمكانيةً لانعقاد جلسات حوارية متتالية في 26 و27 و28 الجاري للتعويض عن الايام التي سيتوقف فيها الحوار.
واعتبَر أنّ المشكلة هي في تضييع الوقت، مشيراً إلى أنّ هذه الجلسات ستنعقد في عين التينة، حيث يجري الآن تحضير الترتيبات التقنية اللازمة لها، ولافتاً إلى أنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل كان قد اقترح انعقاد الحوار في مكان آخر غير المجلس النيابي لعدم تعطيل مصالح الناس، «فقلتُ إنّ المكان الآخر هو عين التينة، وإنّ الأمن متوافر، سواء في مقر المجلس أو في عين التينة».
وأوضح بري أمام زوّاره أمس أنّ تأجيل الحوار حتى 26 الجاري لم يكن سببه خلافات وإنّما الإنهاك الذي رافقَ الجلسات المتتالية الأخيرة. لافتاً إلى أنّ المتحاورين عقدوا حتى الآن 7 جلسات وكلّها ركّزت على رئاسة الجمهورية، ولم يدخل فيها إلّا ملف النفايات، مؤكّداً أنّ محاضر هذه الجلسات تبقى في عهدة رئاسة المجلس النيابي.
كما أوضح أيضاً أنّه تلقّى مساء أمس تصوّراً مكتوباً بمواصفات رئيس الجمهورية من رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ولم يبقَ سوى طرفين ينتظر منهما تصوّرَهما لهذه المواصفات. وقال إنّه سيعكف على إجراء مقاربة بين كلّ هذه المواصفات للتوصّل إلى قواسم مشتركة يلتقي حولها الجميع.
وأشار إلى أنّه «تمّ الاتفاق على تحديد مواصفات الرئيس وليس الدخول في التسميات، وفي ضوء هذه المواصفات يمكن أن تترشّح مجموعة من الأشخاص ممن يجدون أنّ هذه المواصفات تنطبق عليهم، وعندئذ يمكن المجلس أن ينتخب أحدهم».
وقال بري «إنّ تقارباً حصل بين المتحاورين بعد الجلسات الحوارية السبع التي انعقدت حتى الآن»، مشيراً إلى أنّه تفاجَأ بكلام البعض حول موضوع اعتماد النسبية في الانتخابات النيابية. وأكّد «أنّ النسبية باتت مقبولة بنسبة مئة في المئة تقريباً، ولكنّ الخلاف هو حول مقدار نسبتها.
فمثلاً، أنا والعماد عون وحزب الله نؤيّد اعتماد النسبية كلّياً في الانتخابات النيابية، فيما آخرون يؤيّدون اعتمادها بمقدار معيّن، علماً أنّني اقترحت سابقاً انتخاب نصف أعضاء المجلس النيابي على أساس النظام النسبي والنصف الآخر على أساس النظام الأكثري، والآن إنّ النسبية باتت مقبولة لدى الجميع».
وأكد بري أنّ السلة التي يطرحها تتضمّن كلّ البنود الموجودة على جدول أعمال طاولة الحوار، وعلى رأسها بند الرئاسة، وأنّه كان مصِرّاً على كلّ هذه البنود منذ البداية، لكنّ الذي استجدّ عليها هو موضوع النفايات.
وردّاً على سؤال، قال برّي: «لا علاقة للحوار بالحكومة، ولم يُطرح أبداً أن يتناول هذا الحوار القضايا والعناوين التي تهتمّ بها الحكومة، باستثناء النفايات، كذلك لا علاقة للحكومة بالانتخابات الرئاسية، بل عليها الانصراف الى معالجة شؤون الناس، وإنّني أدعم بكلّ قوة عودتها إلى اجتماعاتها، لأنّ تعطيلها والمجلس النيابي هو خرافة».
ولفتَ بري إلى «أنّ لبنان يمرّ في مرحلة صعبة، وخسرنا حتى الآن بعض القروض الدولية المقدّمة لنا، ونخشى أن نخسر قرضَ البنك الدولي في شأن تنفيذ مشروع سدّ بسري من الآن وحتى مطلع السنة الجديدة. وأشار إلى أنّ الأمن هو الذي يمسك بالوضع، وتابع: «قلتُ لجميع المتحاورين إنكم إذا لم تنجحوا فعليكم أن تنتظروا مَن يستدعيكم ويفرض عليكم الحلّ الذي قد يكون في غير مصلحتكم وعلى حسابكم».
قزّي
وقال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «إمّا نحن في نظام فيه فصل بين السلطات، أو هناك نظام تتداخل فيه السلطات، أو ليس هناك نظام».
وأضاف: «نحن نؤمن بأنّ مجلس الوزراء يجب أن يجتمع، بغضّ النظر إنْ كان هناك حوارٌ أم لا، لذلك ننتظر من الرئيس سلام أن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء في الوقت الذي يشاء، قبل موعد انعقاد الحوار في 26 الجاري، وبمقدار ما يكون الموعد قريباً يكون ذلك أفضل، خصوصاً لحسم ملف النفايات.
وإذا لم ينعقد مجلس الوزراء قبل تاريخ 26 فإنّ مصير الحوار سيكون على المحكّ، فلا نستطيع أن نرهن الحكومة بالحوار، بالشارع، بالترقيات، بالنفايات، بالتعطيل، الحكومة يجب أن تتحمّل مسؤولياتها أو أن نستقيل جميعنا».
تظاهرة «التيار»
وسط هذا المشهد، تترقّب الأوساط المواقفَ التي سيعلنها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بعد غد في التظاهرة التي دعا إليها «التيار الوطني الحر» في 11 تشرين الجاري في ذكرى 13 تشرين الأوّل 1990 على طريق القصر الجمهوري في بعبدا.
وفيما يواصل «التيار» استعداداته اللوجستية على الأرض، ماضياً قدُماً في عملية الحشد، يجري وضع اللمسات الأخيرة على برنامج الاحتفال، والذي علمت «الجمهورية» أنّه سيبدأ بصلاة عن راحة نفوس شهداء 13 تشرين العسكريين، تليها كلمة لضبّاط متقاعدين، ثمّ تلاوة أسماء الشهداء، على أن تكون كلمة عون خاتمة المهرجان.
وذكرَت مصادر بارزة في «التيار» لـ»الجمهورية» أنّ كلمة عون ستكون عالية السقف والنبرة، ودعَت «إلى انتظار «موقف مهمّ سيَخلق واقعاً جديداً لا تنفع معه كلّ الأساليب والوسائل التي اعتُمدت حتى اليوم».
وقالت: «إنّها مناسبة لتذكير من نسيَ أو يتناسى أنّ محاولات عزل العماد عون وكسرِه والتي جُرّبت سابقاً معه لن تفيد أو تنفع في شيء، فلعبة الكراسي والسلطة أمرٌ ثانويّ بالنسبة إليه، وهي تحصيل حاصل عندما نربح الرهان الأساسي ألا وهو وجودنا في المعادلة بين قواعد صلبة، بين جمهورنا وتأييده لنا، وفي ذلك اختبار جدّي لشعبيتنا، والذي تتهرّب سائر الأطراف من إجرائه، أمّا نحن فسنبرهن قدرتَنا على مواجهة كلّ محاولات العزل وكسر الطوق الذي يحاولون فرضَه علينا، وسنَخرج أقوى كما في كلّ المرّات. فارتكازُنا كان وسيبقى دوماً على شعبنا، وليس على دوَل أجنبية أو سلطة، وملعبُنا الأرض والقواعد».
ولفتت المصادر إلى أنّ تظاهرة الأحد «ستكون أقوى من سابقاتها، وهي تأتي في ظلّ وضع استثنائي يمرّ به لبنان، وفي غمرة استحقاقات كبيرة يواجهها «التيار» رئاسياً وحكومياً ونيابياً، كذلك تأتي في ظلّ ما تواجهه المنطقة من تحدّيات كبيرة وما يتعرّض له المسيحيون من استهداف. وبالتالي فإنّ الاستحقاقات المقبلة مهما كانت نتيجتها ستتعاطى مع الأقوياء.
وأوضحت المصادر «أنّ «التيار» وجّه دعوة عامّة للمشاركة في التظاهرة، وبالتالي لم يدعُ أيَّ طرف سياسي محدّد، فمِن أحَبّ المشاركة أهلاً وسهلاً به». وقالت: «إنّ «التيار» لن يكلَّ أو يملّ، وإنّ مشهد الحشد سيتكرّر إلى أن يتحقّق مطلبه الأساسي ويعود الحق إلى أصحابه».
الاخبار :
عملياً، فشلت تسوية الترقيات والتعيينات الامنية، فدخلت الحكومة خانة تصريف الاعمال، سواء قدّم رئيسها استقالته إلى الفراغ أو اكتفى بالاعتكاف. بعد الشغور الرئاسي والتعطيل النيابي، حان وقت التعطيل الوزاري. فهل سيبقى التوتر محصوراً في السياسة، أم ينتقل إلى العبث بالأمن؟
تقف الحكومة اليوم على عتبة تصريف الأعمال. محاولات دفعها إلى العمل باءت كلها بالفشل، أو تكاد. عملياً، لم يعد أمامها سوى عقد جلسة يتيمة لبحث ملف النفايات. لكن هذه الجلسة لن تكون مكتملة النصاب السياسي. فالمرجح أن يكون حضور التيار الوطني الحر وحزب الله في حده الادنى، أو أن يقاطعا. حلفاؤهما في تيار المردة وحزب الطاشناق أبلغوا رئيس الحكومة استعدادهم للمشاركة في جلسة لمجلس الوزراء، شرط أن يكون ملف النفايات بنداً وحيداً على جدول الأعمال.
النتيجة أن «جلسة النفايات» ستُعقد. وبعد ذلك، سيكون موقف التيار الوطني الحر وحزب الله والمردة والطاشناق موحداً: الحكومة لن تكون قادرة على العمل على قاعدة «الأمر الواقع» الذي يفرضه تيار المستقبل وحلفاؤه. هذه الخلاصة أفرزتها المفاوضات الفاشلة التي جرت خلال الأسابيع الماضية لحل أزمة التعيينات العسكرية والامنية، وترقيات ضباط في الجيش لإيجاد مخرج لـ»عقدة» العميد شامل روكز. النائب وليد جنبلاط «استسلم» أمس، فتوقف عن المحاولة، بعدما سُدّت في وجهه كل أبواب الحلول. وتُثير معلومات السياسيين «الدهشة» عندما يجزمون بأن الرئيس السابق ميشال سليمان رفض التجاوب مع مبادرات كلّ من جنبلاط والرئيس سعد الحريري والسفير الأميركي ديفيد هيل والسفير السعودي علي عواض العسيري، الذين سعوا لحل الأزمة ودفع مجلس الوزراء إلى معاودة العمل. الرواية «المدهشة» التي يتناقلها السياسيون بثقة تقول إن جنبلاط والحريري وهيل وعسيري تدخلوا جميعاً لدى سليمان، لإقناعه بالطلب إلى وزير الدفاع سمير مقبل حل أزمة ترقية روكز، إلا أن سليمان أصرّ على موقفه الرافض لأي تسوية.
لم يتمكّن الحريري من
مقابلة الملك سلمان واقتصر الأمر على ولي ولي العهد
مصادر سياسية تفسّر ما جرى بطريقتين: إما أنها مناورة من تيار المستقبل الذي لا يريد منح العماد ميشال عون أي مطلب في الحكومة، مهما كان الثمن، وإما أن نفوذ الحريري تراجع فعلاً، إلى حدّ أنه صار عاجزاً عن «المونة» على حليفه سليمان. ويقول أصحاب هذا الطرح إن قوة رئيس تيار المستقبل تضاءلت بفعل الإهمال السعودي للملف اللبناني، وخاصة إثر تمنّع الرياض عن حل أزمته المالية التي وصلت حدّتها إلى مستوى غير مسبوق. أضف إلى ذلك أنه حاول أن يلتقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في المغرب قبل أسابيع، «لكن الحظ لم يحالفه، فاكتفى بلقاء ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي لم يعده بحل أزمته المالية، مكتفياً بالقول: سنرى». وتلفت المصادر إلى أن هذا الوهن الذي أصاب الحريري يجعل حلفاءه متفلتين من ضرورة «الانصياع لطلباته». إلا أن أصحاب الرواية أنفسهم لا يُقنعون الكثير من القوى السياسية بأن سليمان ومقبل قادران على مواجهة الرغبة الأميركية، في حال توافرت هذه الرغبة جدياً.
كل النقاشات والآراء تخلص إلى أمر واحد: إلى رئاسة الجمهورية الشاغرة، ومجلس النواب المعطّل، سينضم مجلس الوزراء. رئيس الحكومة تمام سلام شكا في جلسة الحوار الأخيرة «ضعف حاله». قال إن أحداً من القوى السياسية لا يستجيب لطلباته، «حتى قادة الاجهزة الامنية ما بيردّوا عليي». وتحدّث في الحوار، وفي جلسات خارجه، عن عدم قدرته على الاستمرار إذا لم يكن مجلس الوزراء يعمل بأقل قدر ممكن من الانتاجية. وفي ظل إعداد التيار الوطني الحر لتظاهرته في بعبدا الاحد المقبل، وبعد العجز عن إيجاد حل لأزمة التعيينات والترقيات، باتت القوى السياسية مقتنعة بأن خروج الحكومة من الخدمة بات أمراً واقعاً، على أن يتم إعلانه رسمياً يوم 15 تشرين الأول الجاري، موعد إحالة روكز على التقاعد. وأتى قرار قائد الجيش أمس بتعيين قائد جديد لفوج المغاوير ــ العقيد الركن مارون القبياتي ــ خلفاً لروكز، ليظهر «ثقة القيادة» بأن روكز سيُحال على التقاعد، وأن أي تسوية لن تؤدي إلى إبقائه في الجيش. وفيما كان النائب وليد جنبلاط لا يزال يمنّي نفسه بأن يتمكّن السفير الأميركي من الضغط على قائد الجيش ووزير الدفاع لإقناعهما بالمضي في تسوية تبقي روكز في المؤسسة العسكرية، أكّدت مصادر سياسية وأخرى عسكرية أن قائد الجيش غير معني بالتسويات، والقرار بيد وزير الدفاع، «فليقنعوه».