عملياً، فشلت تسوية الترقيات والتعيينات الامنية، فدخلت الحكومة خانة تصريف الاعمال، سواء قدّم رئيسها استقالته إلى الفراغ أو اكتفى بالاعتكاف. بعد الشغور الرئاسي والتعطيل النيابي، حان وقت التعطيل الوزاري. فهل سيبقى التوتر محصوراً في السياسة، أم ينتقل إلى العبث بالأمن؟
تقف الحكومة اليوم على عتبة تصريف الأعمال. محاولات دفعها إلى العمل باءت كلها بالفشل، أو تكاد. عملياً، لم يعد أمامها سوى عقد جلسة يتيمة لبحث ملف النفايات. لكن هذه الجلسة لن تكون مكتملة النصاب السياسي. فالمرجح أن يكون حضور التيار الوطني الحر وحزب الله في حده الادنى، أو أن يقاطعا. حلفاؤهما في تيار المردة وحزب الطاشناق أبلغوا رئيس الحكومة استعدادهم للمشاركة في جلسة لمجلس الوزراء، شرط أن يكون ملف النفايات بنداً وحيداً على جدول الأعمال.
النتيجة أن «جلسة النفايات» ستُعقد. وبعد ذلك، سيكون موقف التيار الوطني الحر وحزب الله والمردة والطاشناق موحداً: الحكومة لن تكون قادرة على العمل على قاعدة «الأمر الواقع» الذي يفرضه تيار المستقبل وحلفاؤه. هذه الخلاصة أفرزتها المفاوضات الفاشلة التي جرت خلال الأسابيع الماضية لحل أزمة التعيينات العسكرية والامنية، وترقيات ضباط في الجيش لإيجاد مخرج لـ»عقدة» العميد شامل روكز. النائب وليد جنبلاط «استسلم» أمس، فتوقف عن المحاولة، بعدما سُدّت في وجهه كل أبواب الحلول. وتُثير معلومات السياسيين «الدهشة» عندما يجزمون بأن الرئيس السابق ميشال سليمان رفض التجاوب مع مبادرات كلّ من جنبلاط والرئيس سعد الحريري والسفير الأميركي ديفيد هيل والسفير السعودي علي عواض العسيري، الذين سعوا لحل الأزمة ودفع مجلس الوزراء إلى معاودة العمل. الرواية «المدهشة» التي يتناقلها السياسيون بثقة تقول إن جنبلاط والحريري وهيل وعسيري تدخلوا جميعاً لدى سليمان، لإقناعه بالطلب إلى وزير الدفاع سمير مقبل حل أزمة ترقية روكز، إلا أن سليمان أصرّ على موقفه الرافض لأي تسوية.
لم يتمكّن الحريري من
مقابلة الملك سلمان واقتصر الأمر على ولي ولي العهد
مصادر سياسية تفسّر ما جرى بطريقتين: إما أنها مناورة من تيار المستقبل الذي لا يريد منح العماد ميشال عون أي مطلب في الحكومة، مهما كان الثمن، وإما أن نفوذ الحريري تراجع فعلاً، إلى حدّ أنه صار عاجزاً عن «المونة» على حليفه سليمان. ويقول أصحاب هذا الطرح إن قوة رئيس تيار المستقبل تضاءلت بفعل الإهمال السعودي للملف اللبناني، وخاصة إثر تمنّع الرياض عن حل أزمته المالية التي وصلت حدّتها إلى مستوى غير مسبوق. أضف إلى ذلك أنه حاول أن يلتقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في المغرب قبل أسابيع، «لكن الحظ لم يحالفه، فاكتفى بلقاء ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي لم يعده بحل أزمته المالية، مكتفياً بالقول: سنرى». وتلفت المصادر إلى أن هذا الوهن الذي أصاب الحريري يجعل حلفاءه متفلتين من ضرورة «الانصياع لطلباته». إلا أن أصحاب الرواية أنفسهم لا يُقنعون الكثير من القوى السياسية بأن سليمان ومقبل قادران على مواجهة الرغبة الأميركية، في حال توافرت هذه الرغبة جدياً.
كل النقاشات والآراء تخلص إلى أمر واحد: إلى رئاسة الجمهورية الشاغرة، ومجلس النواب المعطّل، سينضم مجلس الوزراء. رئيس الحكومة تمام سلام شكا في جلسة الحوار الأخيرة «ضعف حاله». قال إن أحداً من القوى السياسية لا يستجيب لطلباته، «حتى قادة الاجهزة الامنية ما بيردّوا عليي». وتحدّث في الحوار، وفي جلسات خارجه، عن عدم قدرته على الاستمرار إذا لم يكن مجلس الوزراء يعمل بأقل قدر ممكن من الانتاجية. وفي ظل إعداد التيار الوطني الحر لتظاهرته في بعبدا الاحد المقبل، وبعد العجز عن إيجاد حل لأزمة التعيينات والترقيات، باتت القوى السياسية مقتنعة بأن خروج الحكومة من الخدمة بات أمراً واقعاً، على أن يتم إعلانه رسمياً يوم 15 تشرين الأول الجاري، موعد إحالة روكز على التقاعد. وأتى قرار قائد الجيش أمس بتعيين قائد جديد لفوج المغاوير ــ العقيد الركن مارون القبياتي ــ خلفاً لروكز، ليظهر «ثقة القيادة» بأن روكز سيُحال على التقاعد، وأن أي تسوية لن تؤدي إلى إبقائه في الجيش. وفيما كان النائب وليد جنبلاط لا يزال يمنّي نفسه بأن يتمكّن السفير الأميركي من الضغط على قائد الجيش ووزير الدفاع لإقناعهما بالمضي في تسوية تبقي روكز في المؤسسة العسكرية، أكّدت مصادر سياسية وأخرى عسكرية أن قائد الجيش غير معني بالتسويات، والقرار بيد وزير الدفاع، «فليقنعوه».
اشتكى سلام لأن القوى السياسية لا تستجيب لطلباته وأن قادة الاجهزة «ما بيردّوا»
وباتت القوى السياسية تتحدّث عن خشيتها من «الفراغ الحكومي» الذي سيُضاف إلى التعطيل النيابي والشغور الرئاسي، وإمكان تطوّره سلباً إلى درجة خلق أزمات أمنية، في ظل الوضع المتفجر الذي تشهده الدول المحيطة بلبنان.
من جهة أخرى، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره، مساء أمس، في عين التينة، استمرار الحوار في جولات مقبلة، مشيراً الى أنه اقترح عقدها في 26 و27 و28 تشرين الاول و»تعويض الانقطاع عن الحوار حتى ذلك الوقت». وقال إن تأجيل الجلسات الى 26 من الجاري «ليس بسبب خلافات، بل من جراء الإنهاك الذي رافق جلسات الايام الثلاثة الاخيرة».
وإذ لاحظ أن المشكلة في الحوار «تكمن في تضييع الوقت»، لفت إلى أنه يتسلم من أعضاء الحوار اقتراحاتهم، وهو تسلم أمس اقتراحات النائب وليد جنبلاط، ولا يزال ينتظر اقتراحات فريقين اثنين بعدما استجمع معظم الاقتراحات، على أن تجري جوجلتها لاستخلاص قواسم مشتركة منها للحل.
وأكد بري «السعي الى رزمة حلول هي البنود المدرجة في جدول أعمال الحوار، وأولها البند المتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية وعدم تجاوزه». وشدد على أن طاولة الحوار «تلتزم جدول الاعمال ولم تخرج عليه إلا في بند ملح هو مشكلة النفايات». ولفت الى أن تداول بند الرئاسة في الجلسات الاخيرة «تناول مواصفات الرئيس المقبل دونما الخوض في الاسماء. وقد أظهرت روحية المواصفات في مداخلات الاطراف تقارباً في المواقف بعد سبع جلسات».
أضاف: «بل فاجأنا البعض في كلامه عن النسبية في قانون الانتخاب التي صارت قاعدة لا بد منها، ومقبولة مئة في المئة في أي قانون جديد. هناك أفرقاء يريدون النسبية مطلقة، كما أطالب أنا والعماد ميشال عون وحزب الله، وهناك من يطالب بنسبية مختلطة مع الاقتراع الاكثري، كما يطالب النائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل».
إلا أن رئيس المجلس قال إنه «لا علاقة للحوار بالحكومة، وليس مسؤولاً عن عناوين عملها، كما أنه لا علاقة للحكومة بالانتخابات الرئاسية، وعليها أن تنصرف الى شؤون الناس ومعالجتها. لذلك من غير المقبول تعطيل الحكومة ومجلس النواب معاً».
ورأى أن لبنان «يمر في مرحلة صعبة، مثل خسارته عدداً من القروض الدولية، وأخشى ما أخشاه أن نخسر قرض البنك الدولي المخصّص لسد بسري نهاية السنة الجارية». لكنه شدّد على أن الأمن هو «الذي يمسك بالوضع، وكنت قلت للمجتمعين الى طاولة الحوار إذا لم تنجحوا فسيفرض الخارج عليكم الحل الذي لن يكون لمصلحتنا».