لم يكن أدل على التصعيد العنيف في المواجهة بين المتظاهرين من الحراك المدني والقوى الامنية طوال ساعات المساء امس وما ينطوي عليه هذا التصعيد من احتمالات مقبلة سوى مشهد محيط مبنى "النهار" في اول شارع ويغان الذي تحول ساحة لأشرس مبارزة حصلت منذ صدام 22 آب الماضي بين الحراك وقوى الامن الداخلي بعد انطلاق التحركات الاحتجاجية. ولعل دخول "سلاحين" جديدين في المواجهة هما حجار المتظاهرين ولجوء القوى الامنية تكرارا، ولكن بكثافة هذه المرة، الى استعمال القنابل الدخانية وخراطيم المياه فضلا عن العراك المباشر والهراوات والمفرقعات، عكس تصاعد الانسداد ايضا في لغة التعامل بين الدولة والحراك مما وضع المتظاهرين والقوى الامنية مرة جديدة "وجها لوجه" بعنف بالغ أدى الى وقوع عشرات الاصابات في صفوف الفريقين. وهو انسداد يسأل عنه في الغالب مجمل الوسط السياسي، الذي مكّن الحراك المدني في الايام الاخيرة من القبض على مزيد من الذرائع والمسببات والحجج لتصعيد تحركه عبر مجموعة اخفاقات تعاقبت تباعا على مرأى من الرأي العام الداخلي. وكان أول الاخفاقات انفجار العراك النيابي في جلسة لجنة الاشغال العامة والطاقة النيابية. وثاني الاخفاقات تمثل في دوران الحوار في مجلس النواب حول دوامة الفراغ الذي أخرج المتحاورين من حلقاتهم كما دخلوا خالي الوفاض. وثالث الاخفاقات تجسّد في العجز غير المفهوم عن تطبيق خطة معالجة أزمة النفايات على رغم اجتماعات المعنيين التي تصل الليل بالنهار على نحو شبه يومي .
لكن ذلك لم يحجب في المقابل انجراف بعض حملات الحركة الاحتجاجية الى منحى عنفي برز ليل امس عبر ظواهر عدة عكست اتجاهات "هجومية" معدة سلفا. وأفادت قوى الأمن الداخلي انها "منعت محاولة لاقتحام فندق "لو غراي" من جانب مشاغبين بعد تحطيم باب مدخله ومناشدة مسؤولين فيه لتدخل قوى الأمن".
في ظل هذه الاجواء خاضت مجموعات من حملات الحراك المدني مواجهات حادة مع القوى الامنية بعدما تحولت التظاهرة السلمية الى صدامات وأعمال شغب وكان فتيلها تقدم المتظاهرين الى الحاجز الاسمنتي الذي اقيم قرب مبنى "النهار" بعد سحب العوائق الحديد فردت القوى الامنية باستعمال خراطيم المياه والهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع. وتواصلت المواجهات طوال ساعات وسجلت حالات اختناق في صفوف المتظاهرين وأفاد منظمو التظاهرة ان ما لا يقل عن 35 متظاهرا أصيبوا في المواجهات. وفي المقابل أكدت قوى الامن الداخلي اصابة عدد من أفراد مكافحة الشغب بينهم ملازم في حال خطرة. كما أوقف عدد من المتظاهرين.
وبرز في هذا السياق موقف للأمانة العامة لقوى ١٤ آذار التي رأت "أن حرية التعبير التي كفلها الدستور و كرّسها ١٤ آذار مع انتفاضة الاستقلال شيء، والتخريب والإعتداء على الأملاك العامة وعناصر قوى الأمن والجيش شيء آخر".
وأضافت: "إن الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار تتمنى على المتظاهرين تنقية صفوفهم من العناصر المشبوهة و تطلب من الحكومة أخذ التدابير اللازمة من أجل وضع حد للفلتان الذي تشهده العاصمة، لأن الفوضى لا تخدم إلا أعداء لبنان ولا تحقق مطالب الناس التي هي في حاجة إلى دولة لتلبيتها. لقد انزلقت التظاهرات في اتجاهٍ مشبوه ونطلب من كل المواطنين عدم السماح بإدخال لبنان في مجهولٍ أمني ودستوري وسياسي في مرحلة شديدة الخطورة".
سلام
على الصعيد السياسي، علمت "النهار" أن رئيس الوزراء تمام سلام، تلقى امس سلسلة اتصالات تمحورت على ضرورة عقد جلسة لمجلس الوزراء لمتابعة الملفات العاجلة لاسيما منها ملف النفايات الذي أعاد تأجيج الاحتجاج المدني الى الشارع. وكانت كتل "المستقبل" والكتائب و"اللقاء التشاوري" حضت الرئيس سلام على عقد جلسة. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" أن من المرجح أن تعقد هذه الجلسة الاسبوع المقبل، على أن يكون موضوعها الرئيسي النفايات.
وصرّح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار" بأن "اللقاء التشاوري" الذي يضم وزراء الرئيس ميشال سليمان والكتائب وبطرس حرب وميشال فرعون يعتبر "عدم إنعقاد الجلسة نسفا للنظام في لبنان ويجعل السلطة التنفيذية ملحقة بالسلطة التشريعية". وقال: "كما أبلغنا الرئيس سلام ان اللقاء التشاوري لا يقبل إعتبار الرئيس سليمان ليس مكونا أساسيا وهو آخر رئيس للجمهورية ولولاه لما أبصرت الحكومة الحالية النور. كما أن نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل هو مكوّن أساسي ويمثل حالة ميثاقية للطائفة الارثوذكسية". وأضاف: "نحن كلقاء تشاوري متضامنون في ما بيننا ولا مجال لتفرقتنا".
ويشار في هذا السياق الى ان معلومات أوردتها امس "وكالة الانباء المركزية" عن تعيين قائد الجيش العماد جان قهوجي العقيد الركن مارون القبياتي قائدا لفوج المغاوير خلفا للعميد شامل روكز قبل سبعة ايام من احالة الاخير على التقاعد في 15 تشرين الاول الجاري. وعلم ان التسلم والتسليم بين روكز والقبياتي سيجري الثلثاء المقبل.
الحوار
في غضون ذلك، أصر رئيس مجلس النواب نبيه بري على "الفوائد التي يمكن جنيها من الحوار ولقاء رؤساء الكتل النيابية والبحث في البنود التي جرى وضعها وفي مقدمها انتخاب رئيس الجمهورية، النقطة – العقدة التي تشغل مختلف الافرقاء". وجاء تأجيل التئام الطاولة الى 26 تشرين الاول، بسبب سفر البعض وأحدهم بري الذي لا يمانع في انعقاد الحوار في 26 و27 و28 من الجاري للتعويض عن الانقطاع.
وتحدث رئيس المجلس عن اتمام سائر الافرقاء مسألة وضع المواصفات المطلوبة واسقاطها على شخصية الرئيس المقبل، وأنهم قاموا بهذا الواجب.
وكرر بري "للمرة المئة" أمام زواره أن "لا علاقة للحوار بالحكومة، حتى لو كان موعد جلسة الانتخاب غداً وستؤدي الى انتخاب رئيس".