تنحّى الطبيبان المدعى عليهما جانباً ليقف مكانهما تحت قوس المحكمة العسكريّة الشاهد محمّد ح. وضع السجين في رومية يديه المليئتين بالوشوم السوداء خلف ظهره، وبدأ باسترجاع يوم 4 نيسان 2014، تدمع عينيه حيناً فيسكت ليعود ويسترجع صوته المختنق، قائلاً إن السجين حسين سبيتي الذي توفي (في 2014) "كان صديقي وأكثر.. إنّه شقيقي".
روى محمد بعض ما يجري خلف جدران سجن رومية، وكيف يمكن أن يتسبّب الإهمال بموت سجين عانى من أمراض في بطنه لعدة أيّام من دون أن يقوم طبيب السجن بتوقيع ورقة واحدة تسمح بدخوله إلى المستشفى، والتي كان يمكن أن تغيّر النهاية. مات سبيتي، وحتى اليوم لا أحد يعلم ما هو المرض الذي كان يعاني منه والذي أدّى إلى وفاته!
استذكر محمّد الأيّام الثلاثة الأخيرة لحسين داخل سجن رومية، حينما تواصل مع المراقب العام الذي سمح له بنقله إلى المركز الطبي داخل السجن. إذ أن حسين كان يشكو من أوجاع في بطنه وارتفاع في الحرارة، وسرعان ما صار يستصعب الكلام ليئنّ من الألم لليالٍ متواصلة.
وخلال الساعات المقبلة، حفظ محمّد عن ظهر قلب الطريق من زنزانته إلى المركز الطبي، حيث كان يحمل حسين الذي لم يعد باستطاعته المشي على قدميه، لمقابلة الطبيب المعالج.
تعدّدت الزيارات إلى الطبيب المسؤول عن مبنى السجن الدكتور هـ. ذ. الذي كان يشير إلى أنّ "حسين يكذّب ويدّعي المرض"، وفق إفادة محمّد. وبعد أكثر من زيارة، قرّر الطبيب هيثم تحويله إلى الطبيب المسؤول عن مبنى الأحداث والذي لم يحله بدوره إلى المستشفى بل قرّر إخضاعه لمنظار لمعدته، وعادةً ما تأخذ الموافقة على هكذا عمليات أو فحوصات وقتاً طويلاً، يشير محمّد.
حينها، لم يعد بيد محمّد شيئاً ولن يصدّقه أحد أن صديقه يحتضر فيما الطبيب المعالج يقول عكس ذلك، "فهو حكيم ونحن موقوفون، وبالتالي نحن كاذبون وهو صادق".
وصباح 4 نيسان 2014، حمل محمّد صديقه إلى الطبيب هيثم ليعيد الجملة نفسها "إن السجين يكذّب ويدّعي المرض". ثمّ أعاد الكرّة بعد ساعات قليلة (أي قبل نصف ساعة من حدوث حالة الوفاة). وبعد أن يئس أجلس حسين على سريره وعاد بعدها لإعطائه مشروباً ساخناً. قلب الرجل صديقه ليجد لونه أزرق.
"مات صديقي وشقيقي حسين. قتله الطبيب هـ. ذ. الذي كان بإمكانه الاهتمام بحالته ونقله إلى المستشفى"، يقول محمّد رداً على سؤال لرئيس هيئة المحكمة العسكريّة الاحتياطيّة العميد الركن أنطوان فلتاكي (بسبب تغيّب الرئيس الأصيل العميد خليل ابراهيم).
وبرغم أنّ محمّد متأكد أن تقصير الطبيب هـ. ذ. أدى إلى وفاة حسين، إلا أن للطبيب، الذي دخل إلى قاعة المحكمة متأبطاً رزمة من الأوراق، رواية أخرى، مشيراً إلى أنّه لم يهمل حالة حسين، بل هو يتابع يومياً حالات 70 إلى 100 موقوف داخل المركز.
ويشدّد الطبيب، المدّعى عليه بتهمة الإهمال بالقيام بواجبه واعتماد تشخيص غير صحيح لحالة السجين وهو غير متخصص أصلاً، على أنّ ما قاله محمّد غير صحيح وهو أصلاً لم يتردّد على عيادته مع صديقه، لافتاً الانتباه إلى أنّه على خلاف سابق مع محمّد الذي أتى إلى المركز الطبي خمس مرات في اليوم الواحد ومدّعياً أنه مشلول بهدف نقله إلى المستشفى.
لا ينكر محمّد هذه الواقعة، إلا أنّه يشير إلى أنّه لم يقصد المركز خمس مرات، معتبراً أنّ الأوراق التي قدّمها الطبيب إلى هيئة المحكمة يمكن أن يدوّنها المدعى عليه بنفسه وكيفما يحلو له، وبالتالي فإنّه لا يثق بأي ورقة قدّمها الأخير.
وقد أرجأ فلتاكي الجلسة إلى 20 كانون الثاني المقبل للمرافعة.
المصدر: السفير