الحوار الذي انعقد ليومين متتاليين في مجلس النواب بدلاً من ثلاثة أيام، كما كان معَدّاً، جرى تحت العنوان الرئاسي، ولكنّ الأنظار كانت مشدودة إلى التسوية الحكومية التي أملَ البعض أن تُطبَخ على هامش الجلسات الحوارية، لأنّ هناك قناعة عامّة بأنّ اللحظة السياسية الإقليمية المتفجّرة لا يمكن أن تُنتج رئيساً في لبنان. وكلّ فلسفة الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يُبقي لبنان بمنأى عن الأزمات الإقليمية الساخنة من خلال إيجاد مساحة تواصل بين كلّ القوى السياسية، ومحاولة كسر الجمود الدستوري القائم. ومن هنا فإنّ كلّ الأنظار مشدودة إلى مصير التسوية لا الرئاسة، لأنه يتوقف على فشلها أو نجاحها الاتجاه الذي سترسو عليه الأمور تصعيداً أو تبريداً. ولكن في اللحظة التي تُبحَث فيها التسوية على نار حامية وفي سباق مع الوقت جاء كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله التصعيدي جداً ضد المملكة العربية السعورية في توقيت لا يخدم التسوية التي تتطلّب ظروفاً هادئة لتقطيعها، لا متشنّجة، خصوصاً أنّ مواقفه أثارت موجةً من الردود، وفي طليعتها للرئيس سعد الحريري الذي وضَعها في خانة «التحريض المذهبي والسياسي». وصَف مرجع سابق اللحظة السياسية التي تعيشها البلاد بـ«شدّ الحبال السياسي الكبير» بين فريق يرفض التسويات على حساب الدستور والمؤسسات، وفريق آخر يريد فرضَ شروطه مهدّداً بالتعطيل والتصعيد.

وقال المرجع لـ«الجمهورية» إنّ أحداً لا يملك كلمة السر أو مفتاح الحل، وما قد يُتّفق عليه في جلسة معينة، يمكن أن ينسَف في جلسة أخرى، والتطورات في هذا الملف باتت تُقاس بالساعات لا الأيام، ويستحيل الجزم بفشل التسوية أو نجاحها، وكلّ الأمور مرهونة بتطورات ربع الساعة الأخير، لأنّه يمكن أن يطرأ ما ليس في الحسبان ويَدفع باتجاه تسريع الحلول أو تجميدها.

ولكن في المعطيات لغاية اللحظة: عدم الالتزام بأجندة الحوار التي حُدّدت بثلاثة أيام يَعني أنّ الأمور لا تسير على ما يرام، فيما كان الرهان على محاولة تحقيق خرقٍ على مستوى إعادة تفعيل عمل المؤسسات الدستورية.

رئيس الحكومة تمام سلام لم يحدّد أيّ موعدِ جلسةٍ لمجلس الوزراء، ما يَعني أنّ التعقيد ما زال سيّد الموقف، لأنّ أيّ جلسة في ظلّ غياب التفاهم قد تؤدي إلى تفجير الحكومة. الاتصالات وعلى أكثر من مستوى تجري على قدم وساق، ولكن لا مؤشرات لغاية اليوم عمّا يمكن أن تؤول إليه الأمور.

الترحيل إلى 26

وقد ظلت الأنظار شاخصة إلى ساحة النجمة حيث حضرَت مواصفات رئيس الجمهورية العتيد بقوّة في اليوم الثاني من الحوار الوطني، فيما يواصل الحراك المدني تحرّكه في الشارع ضارباً موعداً مع تظاهرة جديدة له في وسط بيروت عصر اليوم، بعدما كان اعتصَم فجر أمس أمام منزل رئيس الحكومة تمام سلام قبل الاعتصام أمام قصر العدل.

وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ تأجيل جلسات الحوار اليوم يعود إلى أنّ المتحاورين وخلال الجلسات الأربع المكثّفة استنفدوا البرنامج المقرّر لهذا الأسبوع، والجميعُ أبدى رأيه وقدّم أوراقه خطّياً إلى الرئيس بري حول مواصفات الرئيس، ويبقى أنّ هناك عملاً على الرئيس بري القيام به وهو جوجلة الآراء لاستخلاص القواسم المشتركة المتعلقة بمواصفات الرئيس، وهذا يحتاج وقتاً، لأنّ لديه تقريباً 17 اقتراحاً ورأياً.

وأوضحت المصادر أنّ تأجيل الحوار إلى 26 تشرين سببُه مشاركة الرئيس بري في مؤتمر في جنيف، وجلسة انتخاب الرئيس في 21 الجاري، وفي 22 ندخل العقدَ العادي لمجلس النواب، وسيكون هناك جلسة انتخاب اللجان المشتركة. وأشارت المصادر إلى أنّ الجلسة الحوارية المقبلة ستنعقد في عين التينة بعدما وافقَ الرئيس بري على طلب نقلِها إلى هناك من أجل تخفيف الإجراءات في وسط بيروت.

وقالت المصادر: «كلّ مَن يتوقع أن تحلّ الخلافات المزمنة في يوم ويومين وجلسة وجلستين يكون نقصَه الإدراك السياسي، لكنّ المهم أنّنا تحدّثنا مع بعضنا البعض حول مواصفات الرئيس المقبل وتبادلنا المقترحات، ويبقى أن نستمرّ في هذا الحوار وندعمه للوصول إلى نتائج ملموسة».

السلّة الكاملة

وكان التركيز في اليوم الثاني للحوار على السلّة الكاملة للحلّ من باب مواصفات الرئيس على قاعدة ربط بنود جدول الأعمال ببعضها البعض بدءاً من انتخاب الرئيس أو بشكل يؤدّي إلى انتخابه. وأبدى معظم المتحاورين موافقتهم على هذا الأمر باستثناء تيار المستقبل والكتائب ومسيحيّي 14 آذار الذين أصرّوا على انتخاب الرئيس وعلى عدم الانتقال إلى أيّ بند آخر قبل الانتهاء من البند الأوّل.

نداء سلام

وعلمت «الجمهورية» أنّ النداء الأخير في الجلسة المسائية أطلقَه سلام قائلاً: «أنا ما فيني كفّي هيك». من جهته، أبلغَ فريق «14 آذار» إلى برّي أنه إذا لم تُعقد جلسة لمجلس الوزراء من اليوم وحتى موعد الجلسة الحوارية فإنّهم سيقاطعون الحوار. وبعد انتهاء الجلسة المسائية عَقدوا خلوة مؤكدين هذا التوجّه على أن تكون جلسة الحكومة مخصّصة لمتابعة ملف النفايات.

جنبلاط

وقال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لدى مغادرته جلسة الحوار المسائية قبل انتهائها: «قدّمت ورقتي المتضمنة مواصفات شخص الرئيس من أجل محاولة توفيق وجهات النظر، ولا بدّ أن يكون هناك توفيق في وجهات النظر، ولن نستطيع أن ننتخب رئيساً من دون سلّة متكاملة، كما اقترح الرئيس نبيه بري، وأصاب.

الترقيات

وعلمت «الجمهورية» أنّ النائبين سليمان فرنجية وطلال أرسلان طلبا في الجلسة المسائية أن تناقَش التسوية على طاولة الحوار للوصول إلى نتيجة فيها بما أنّ الجميع حاضر، لكنّ النائب ابراهيم كنعان رفضَ وخرج من القاعة لفترة.

كنعان

وأوضح كنعان لـ«الجمهورية» سببَ خروجه، وقال: «إنسحبتُ لدى طرح هذا الموضوع على طاولة الحوار انسجاماً مع موقف العماد عون و«التيار الوطني الحر» الذي كان واضحاً منذ البداية في عدم الدخول في هذا النقاش والمفاوضات الجارية في شأن التسوية، كما موقفه الواضح بالنسبة إلى إلزامية التعيين في المراكز الشاغرة وفقاً لقانون الدفاع، وقد تمّ تجاهل هذه القوانين ومخالفتها بتأجيل تسريح عدد من الضباط، فآثرتُ الخروج كي لا يُحسَب علينا أننا نساوم أو نفاوض على تسوياتٍ، البعض بادر والبعض الآخر قبل ثمّ رفض من دون أن يكون لنا أيّ دور في هذا الشأن».

غياب المشترك

وأظهرَت النقاشات على طاولة الحوار غياب المشترك بين المتحاورين، حيث تمسّك كلّ طرف بموقفه، فجدّد «حزب الله» دعمه لانتخاب العماد عون، وأصرّت مكوّنات 14 آذار المشاركة في الحوار على ضرورة انتخاب الرئيس من المجلس النيابي الحالي بعيداً عن تعطيل النصاب، وعبّرت بوضوح أنّ ميزان القوى القائم لا يسمح بانتخاب رئيس من 8 و 14 آذار، وأنّ التمسك بانتخاب رئيس طرف هدفُه استمرار الفراغ الرئاسي.

الترقيات

وحضرَت الترقيات في اجتماع عَقده رئيس الحكومة مع الوزير عبد المطلب الحناوي الذي شدّد على أنّ هذا الموضوع يخصّ حصرياً وزير الدفاع الذي يُرَقّي بناءً لاقتراح من قائد الجيش».

وأعلن أنّ كتلة الرئيس ميشال سليمان «ليست ضد الترقيات بل مع القانون، وإذا حصلت داخل مجلس الوزراء فهي مخالفة للدستور». وأكد أنّ قائد الجيش العماد جان قهوجي «حريص على قيادة الجيش، وإذا كان هناك اقتراح للترقيات فيجب أن يلتزموا بمعيار الترقيات».

عند قهوجي

وكان مقبل زار قهوجي وتطرّقَ البحث إلى التداول في عدّة مواضيع تتعلق بعمل المؤسسة العسكرية، ولا سيّما ما يثار حول التعيينات والترقيات وملء الشواغر وفق القوانين المرعيّة الإجراء، حيث كانت وجهات النظر متطابقة لجهة الحفاظ على هذه المؤسسة وإبعادها عن التجاذبات السياسية.

الحنّاوي لـ«الجمهورية»

وقلّلَ الحناوي عبر «الجمهورية» من حظوظ عَقد جلسة لمجلس الوزراء، وخصوصاً بالنسبة إلى ما يسمّى بملف الترقيات أو التعيينات العسكرية، لأنّ كلّ الطرق إليها مسدودة، وفي حال حصولها فهي لا تحتاج الى مجلس الوزراء، متوقّعاً في حال الدعوة إلى أيّ جلسة أن تناقش التعديلات التي يمكن أن تطرأ على الخطة التي أقِرّت في ملف النفايات فقط.

وعمّا يُطرح من سيناريوهات على هامش هيئة الحوار بما يتّصل بالترقيات العسكرية، قال الحناوي: «لم نسمع بأيّ طرح قانوني، سيّما أنّ المادة 42 من قانون الدفاع تقول صراحةً إنّ الترقيات تتمّ بمرسوم خاص باقتراح من وزير الدفاع الذي يستند إلى معايير تقنية لا يبدو أنّها متوافرة اليوم.

وأضاف: الطريقة الوحيدة القانونية هي أن يصار إلى تأجيل تسريح العمداء بقرار من وزير الدفاع بناءً لاقتراح قائد الجيش. ويظلّ ممكناً اللجوء إلى هذه الخطوة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية لتستوي الأمور بعدها.

الحريري

إلى ذلك، وصَف الرئيس سعد الحريري «الكلام المنسوب لأمين عام «حزب الله» حول دور السعودية في حرب تموز بأنه قمّة في قلب الحقيقة ونكران الجميل»، متسائلاً: «كيف يكون التحريض المذهبي والسياسي إذا لم يكن على صورة ما ينسَب إلى نصرالله؟ واعتبَر أنّه «شيء مضحك ومبكٍ ومثير للسخرية قول نصرالله إنّ السعودية هي المسؤولة عن القتل في منطقتنا».

وقال: «أن تكون وكيلاً سياسياً وشرعياً لإيران في لبنان لا يعطيك وكالة الإساءة لمصالح اللبنانيين، ومن المعيب الوقوف على أبواب عاشوراء بهذا القدر من التحريض والتحريف»، ورأى أنّ «نصرالله لا يجد تبريراً للتورّط في حقول الدم في سوريا سوى رمي الشرور في اتجاه الآخرين».

سعَيد

من جهته، رفضَ منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد كلام السيّد نصر الله عن السعودية «، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّه يعرّض ليس المسلمين فحسب بل المنطقة بكاملها إلى انفجار محتوم».

وتمنّى على برّي «عدم إضاعة الوقت والسيرَ فوراً من أجل انتخاب رئيس». وقال: «إنّها لحظة تمايز مع فريق متهوّر أدخلَ لبنان وسوريا ويحاول اليوم إدخال المنطقة في مغامرة غير محسوبة».

وشدّد على أنّ المطلوب «ليس الإصرار في دخول الحوار إلى تفاصيل وتعقيدات مثل «ورقة مواصفات رئاسية» يقدّمها كلّ فريق، بل التوجّه الفوري إلى المجلس النيابي وانتخاب رئيس».

وطالبَ سعيد 14 آذار الالتزام بالدستور فقط وعدم التهاون مع مقترحات غير دستورية.