حال الاستغراق الفائض في ملف المواصفات الرئاسية الذي تحول غطاء للسير على قارعة أزمة الفراغ الرئاسي دون استكمال ثلاثية جلسات الحوار في مجلس النواب، فتجنب رئيس المجلس مزيداً من "العصف الفكري" وألغى اليوم الثالث الذي كان مقرراً اليوم مرحّلاً الجلسة المقبلة الى ما بعد عودته من رحلته الى رومانيا وجنيف الاسبوع المقبل، وحدد موعداً جديداً للحوار في 26 تشرين الاول الجاري.
واذا كان رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط أجمل خلاصة مأزق الحوار بقوله "لا نستطيع أن ننتخب رئيساً من دون سلة متكاملة"، ملمحاً الى الانقسام العمودي بين فريقي 14 آذار و8 آذار ليس في حوار المواصفات فحسب بل في كل الملفات المتصلة بالازمة الرئاسية والسياسية كلاً، فإن الملفات التي كانت عالقة على ضفاف الحوار مثل تسوية الترقيات العسكرية وانعقاد مجلس الوزراء لم تجد سبيلاً واضحاً الى المخارج، اذ بدت تسوية الترقيات كأنها سقطت نهائياً، في حين برزت ملامح حلحلة في امكان عقد جلسة لمجلس الوزراء تخصص لملف معالجة النفايات حصراً ولكن لم يبت هذا الاتجاه بعد.
وعلمت "النهار" أن جلسة الحوار النيابي الختامية أمس أقفلت على أوراق خطية قدمها أقطاب الحوار وضمنوها تصوراتهم لمواصفات الرئيس الجديد للجمهورية بناء على اقتراح من رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبعد ملاحظات من أصحاب الاوراق قرر الرئيس بري الاستغناء عن الجلسة التي كانت مقررة اليوم كي ينصرف الى جوجلة الافكار الواردة في الاوراق واستخلاص قواسم مشتركة منها وتحديد ما هو موضع تباين كي يعود المتحاورون في 26 من الجاري الى مناقشتها. واسترعى الانتباه موقف بري الذي أدلى به أمس تعقيباً على موقف رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة عن أولوية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، فقال رئيس المجلس إن هذا البند له الاولوية ولا يتقدم عليه أي بند آخر. وأبلغ أحد المتحاورين "النهار" أن ثمة عناصر لافتة في موقف "التيار الوطني الحر" وقد أدلى به النائب ابرهيم كنعان نيابة عن العماد ميشال عون الذي تغيّب لأسباب صحية. وفي هذا الموقف أن المطلوب الرجوع الى الناس لتقدير الأحجام ولا مانع من إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات النيابية. واعتبرت مصادر المشاركين من 14 آذار في الحوار أن إرجاء الحوار كان لـ"أسباب تقنية"، ودعت الى انتظار نهاية مرحلة القواسم المشتركة "كي نذهب الى مرحلة المرشحين الذين تنطبق عليهم المواصفات والوقوف على برامجهم ليتم اختيار أحدهم على هذا الاساس".
وأوضح الرئيس نجيب ميقاتي "أن الاجواء ايجابية وقد حصل تقدم كبير بين الجلسة الأولى وجلسة اليوم، ولكن لا يمكننا ان ننتظر نتائج سريعة لأن المسار طويل". وسئل عن ارتباط تأجيل الحوار بتعطل جلسات مجلس الوزراء، فأجاب: "لا يجوز أن نخلط الامور بعضها بالبعض، فطاولة الحوار لديها مهمة محددة، والحكومة نتمنى ان تأخذ دورها، وجميعنا ندعم الرئيس سلام في مهماته ودوره كرئيس لمجلس الوزراء".
الترقيات... سقطت؟
وفي ما يتعلق بالترقيات، علمت "النهار" ان رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية طالب بإقرار تسوية الترقيات لما لها من انعكاسات مسهلة لامور أخرى. وسانده تباعاً كل من النائب وليد جنبلاط ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان. كما ان الرئيس بري أوضح انه تحدث مطولاً في هذا الموضوع مع رئيس الوزراء. وأشار سلام من جهته الى انه حريص على التوافق العريض، موضحاً ان موضوع الترقيات غير مرتبط بمجلس الوزراء بل بمرسوم يصدر عن وزير الدفاع ويوقعه الوزراء الـ 24. عندئذ وقف النائب ابرهيم كنعان وقال إنه سيغادر الجلسة إذا استمر عرض الموضوع، مشيراً الى أن "التيار الوطني الحر" غير معنيّ به. وغادر كنعان الجلسة الى حين إنتهاء المداخلات على هذا الصعيد. كما برز اتجاه الى احتمال نقل مكان الحوار الى عين التينة اذ اوضح النائب الكتائبي ايلي ماروني ان الرئيس بري استجاب هذا الطلب "لكي لا نعطل وسط بيروت".
أما في ما يتعلق بعقد جلسة لمجلس الوزراء، فتلقى الرئيس سلام اشارات ايجابية الى امكان عقدها على ان تكون مخصصة للنفايات فقط، وسط تعهد من جميع الاطراف لحضورها بإستثناء "التيار الوطني الحر" الذي لن يكون غيابه حجر عثرة أمام ما ستتخذه الحكومة كما نقل عن اوساط "حزب الله". وعلمت "النهار" ان توقيت دعوة الرئيس سلام الى عقد الجلسة مرهون بنتائج المشاورات التي يجريها مع وزيري الداخلية والزراعة نهاد المشنوق وأكرم شهيّب وما إذا كان الامر يتطلب العودة الى مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات.
وفي مؤشر واضح لانسداد الافق أمام تسوية الترقيات العسكرية، أكد مصدر قريب من الرابية لـ"النهار" ان تسوية الترقيات سقطت وان العماد عون لم يطلب تسوية أصلاً بل طالب بحل قانوني، مشدداً على مبدأ التعيين، "علماً انه يعرف جيداً منذ البداية انهم يماطلون كي نصل الى 15 تشرين الاول تاريخ تسريح العميد شامل روكز". واضاف المصدر ان "التسوية التي سوقوها أصبحت خلفنا وبالتالي لا تفعيل لعمل الحكومة خارج الآلية المتفق عليها اي الاتفاق المرن وتحقيق الشركة ولا تشريع للضرورة".
مخصصات لبنان
الى ذلك، كشفت مصادر وزارية لـ"النهار" أنه في ضوء الانزعاج الذي أبداه الرئيس سلام في نيويورك الاسبوع الماضي من تلكؤ المجتمع الدولي في تنفيذ إلتزاماته حيال لبنان وخصوصاً دفع المستحقات المالية التي تقررت في نيويورك وبروكسيل والمانيا والكويت كي يتحمّل لبنان أعباء اللجوء السوري والتي لم يصل منها إلا النزر اليسير، بادر الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون الى تأليف لجنة طوارئ مصغّرة لمتابعة مصير المخصصات للبنان. وعليه من المتوقع أن يأتي في الايام المقبلة الى بيروت موفدون دوليون لمتابعة البحث مع الرئيس سلام في شأن ما يجب أن تقدمه الدول المانحة للبنان.