الخمس الشرعي هو من فروع الإسلام العشرة ،وقد ورد وجوبه في القرآن في آية واحدة فقط وهي آية :(واعلموا أن ما غنتم من شئ .. ) واختلف المسلمون في تعيينه فذهبت كل المذاهب الإسلامية إلى أن هذا منحصر فقط في المواجهات القتالية بين المسلمين بقيادة النبي(ص) أو الأئمة (ع) . في حين ذهب أكثر علماء الشيعة إلى استمرار وجوبه وذلك بإدراج ما يحصل عليه الانسان في التجارة وغيرها من أرباح ،وهناك اختلافات في الرأي كثيرة ، ومن علمائنا من يذهب إلى إلغائه في عهود 3 من أئمتنا وهم الامام الجواد والامام الهادي والامام العسكري ، وقد ورد هذا في رسائلهم إلى وكلائهم :(ما كان لنا أبحناه لشيعتنا ...) غير أن العوز الذي أصاب الحوزات العلمية في عهد الشيخ المفيد والطوسي وغيرهم فاستنفروا فتاوى توجب دفعه لئلا تكون الحوزات تحت رحمة السلطة، فتكيف الحوزات لرغباتها فعاد المسلمون الشيعة لدفع الخمس بموجب فتاوى لا غير .
والملفت للنظر أن السيدة الزهراء (عليها السلام) ذكرت في خطبتها العامة في المسجد النبوي في الفصل الخامس 31 تشريعا وذكرت أسبابها وعلل ذلك ولم تذكر الخمس أبدا ، كما أن القرآن الكريم ذكر الخمس في آية واحدة . وذكر الزكاة في أكثر من 40 آية .لكننا نرى في الرسائل العملية وفي الكلمات والأحاديث الأهمية لإعطاء الخمس .
إن مأساتنا اليوم تكمن في أشياء ومنها استغلال موضوع الخمس لطبقة خاصة تستأثر به وغالبا ما نسمع بوصف المرجع والمقلد بأنه نائب الإمام ؟!
ترى بالله عليك أي إمام أم أي نبي مات وترك المليارات من أموال إرثا لأولاده ؟! .
فهذا رسول الله(ص) كان على فراش المرض وبجيبه سبعة دراهم فخاف أن يقبضه الله إليه وهي في جيبه فكان يأمر أهله بالتصدق بها وكلما استيقظ سألهم عنها ولما علم أنهم مشغولون بمرضه عن صرفها استغاث قائلا : (ماذا يقول محمد لربه لو لقيه وهي في جيبه) وأما إمامنا علي(ع) فكان يردد : (ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ...)
للأسف منذ ادعاء وكلاء للامام المهدي وأخذهم أموال الخمس من الشيعة بدأت مأساة الخمس . يقول محمد بن علي الشلمغاني الذي كان وكيلا عن الحسين بن روح النوبختي في بني بسطام ،ثم انشق عنه وادعى النيابة لنفسه: "ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح في هذا الأمر ،إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه ،لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف"
(الطوسي ،الغيبة،ص241) .
كان بالمفترض من النواب الأربعة أن يحلوا مشاكل الطائفة ، وينقلوا توجيهات الإمام إلى الأمة ،ولكن نرى(النائب الثالث) :الحسين ابن روح النوبختي ، مثلا ، لجأ إلى علماء قم ليحلوا له مشكلة الشلمغاني الذي انشق عنه ، ويرسل كتابه(التأديب) إلى قم ،ليبين علماؤها له الصحيح من السقيم ،كما يقول الطوسي في كتاب "الفيبة" (مصدر نفسه ، ص 240 ) .
هذا عدى عدم قيام أدعياء النيابة بملء الفراغ الفقهي وتوضيح كثير من الأمور الغامضة التي كان يجب عليهم تبيانها في تلك المرحلة ، ومن المعروف أن الكليني قد ألف كتابه (الكافي) في أيام النوبختي ، وقد ملأه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتحدث عن تحريف القرآن وأمور أخرى باطلة ، ولكن النوبختي أو السمري لم يعلقا على الموضوع ولم يصححا أي شئ من الكتاب ،مما تسبب في أذية الشيعة عبر التاريخ وأوقعهم في مشكلة التعرف على الأحاديث الصحيحة من الكاذبة.
منذ عام 1965م وإلى الآن ظهر الثراء الفاحش على ذوي المراجع وحواشيهم باقتناء السيارات الفاخرة والقصور المنيفة والأثاث الضخم والسفرات المرفهة والموائد الفخمة والقلائد والملابس الثمينة ويمتلكون شبكات الفنادق في عواصم الضباب ، يعيش المدللون من ذوي المراجع وغلمانهم وصبيانهم أسعد أنواع الحياة والرغد يتنقلون بين قصورهم في إيران والعراق وسوريا ولبنان وأوروبا وأمريكا ، ولم نسمع أبدا يوما أن هذا النائب للإمام كما يدعي حاسب ولده أو حفيده وسأله من أين لك هذه الملايين ! فقد حاسب الإمام علي(ع) ابنته وهددها وحاسب عقيل وألقى النار في يده .
لقد كان لنا أمل أو لاح بصيص أمل حينما طرح شهيد الاسلام السيد محمد باقر الصدر أطروحته التاريخية وهو مشروع ترشيد المرجعية وصيانتها من تلاعب هؤلاء العابثين لتكون في خدمة الأمة والإسلام . لكنه حورب من أقرانه وأبناء صنفه فسقط شهيدا لتفرح تلك الجماعات ..
وأخيرا أقول ...العزاء كل العزاء لهذه الطائفة المغشوشة ...
بقلم:الشيخ علي مظلوم