إذا كان لا زال من المبكر قراءة شكل التحالفات لمستقبل القوى المتصارعة على الساحة السورية بعد الدخول العسكري الروسي على خط الحروب المشتعلة على كافة الأراضي فيها .
إلاّ أنّ حجم المنظومة العسكرية ومدى فاعلية الأسلحة التي ظهرت منذ اللحظة الأولى لإستخدامها وخصوصاً خلال الغارات الجوية التي قامت بها المقاتلات الروسية مستهدفة مواقع تابعة لبعض التنظيمات المعارضة للنظام السوري فإنّها بالتأكيد ستفرض وقائع ميدانية جديدة لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد بعد الهزائم المتتالية التي مُنيت بها القوات السورية وانسحابها من العديد من المواقع العسكرية .
حتى كادت التطورات الميدانية تصل بالنظام السوري إلى شفير الإنهيار رغم الدعم الإيراني الكبير ومشاركة حزب الله بكل فاعليته إلى جانبه .
والضربات الجوية الروسية التي ألحقت خسائر عسكرية فادحة في قوات المعارضة ، فإنّها بنفس المقدار ألحقت خسائر سياسية بالوجود الإيراني في سوريا .
فإيران التي كانت صاحبة الكلمة الأولى في صناعة القرارات السورية والمحرك الأساسي للمسار العسكري والسياسي في الميدان السوري فهي لم تعد كذلك بعدما أمسكت روسيا بطرف البساط وبدأت بسحبه من تحت أقدامها .
وهذا يشير بوضوح إلى إمكانية بروز تحالفات جديدة بين القوى المتصارعة في سوريا ، وكانت ملامحها الأولى قد بدأت ترتسم في الأفق السياسي مع لحظات التوقيع على الإتفاق النووي بين إيران والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية .
وأما ادعاء المسؤولين الإيرانيين ومعهم مسؤولي حزب الله بإبداء ارتياحهم للخطوة الروسية في سوريا ، ومبالغتهم في التهليل وإظهار ملامح السرور والفرح لهذه الخطوة ، فهي ليست أكثر من بروباغندا إعلامية عوّدتنا عليها إيران ومعها حزب الله للتغطية على وقائع حقيقية تخفيها حتى يحين موعد الإعلان عنها بعد أن تكون قد مهدت لها الطريق وأزالت كافة الشوائب والعوائق حتى يتم سلوكها بدون أيّ اعتراضات .
وتماماً كما كانت أميركا على مدى ثلاثة عقود ونصف هي الشيطان الأكبر فإذا بها وبين ليلة وضحاها تتحول إلى ملاك الرحمة الذي يرفع عن كاهل الشعب الإيراني مأساة الحياة المعيشية ومعاناة الضائقة الإقتصادية التي ضربته أثناء سنوات العقوبات الإقتصادية التي فرضت عليه .
وإن أحداً لا يستطيع أن يخفي مدى الإنزعاج الإيراني من الدخول العسكري الروسي إلى سوريا والذي عبر عنه الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني لحظة الإعلان عن هذا القرار عندما قال صراحة أنّ الجيش الإيراني هو القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة التي عليها ألا تعتمد على القوى الكبرى ونحن ساعدنا سوريا والعراق على مكافحة الإرهاب .
وكذلك فإنّ أحدا لا يستطيع تجاهل الجماهير الإيرانية التي غصت بها شوارع العاصمة ومعظم المدن الإيرانية ابتهاجاً وفرحاً بالتوقيع على الإتفاق النووي .
ممّا يشير إلى أنّ المواطن الإيراني هو في الوجدان والثقافة والسلوك أقرب إلى حرية أبراهام لنكولن الرأسمالية منها إلى ديكتاتورية ستالين الاشتراكية ، وبالتالي فإنّ موقع إيران في التحالفات التي يجري الإعداد لتشكيلها أو التي ربما ستفرض نفسها في الميدان السوري سيكون أقرب إلى الدائرة الأميركية منه إلى الدائرة الروسية .
ذلك أنّ غالبية المجتمع الإيراني لديه قابلية التكيّف مع اللغة الأميركية أكثر من قابلية التكيف مع اللغة الروسية ، مع الإشارة إلى العلاقة الجيدة المستجدة بين روسيا والمملكة العربية السعودية.