سَجَّلَت الجولة الرابعة من جلسات الحوار الوطني أمس، والأولى لهذا الأسبوع، اختراقاً «متواضعاً» في ملفّ رئاسة الجمهورية، بعد موافقة الأطراف المشاركة على حصر نقاش الرئاسة بمواصفات الرئيس، على أن يُستكمل النقاش اليوم، إضافة إلى دعم خطة الوزير أكرم شهيب لحل أزمة النفايات. وحفلت الجلستان، عند الظهر ومساءً، بمواقف أغلبها مكرّر.
لكن «الإيجابية» كانت سمتها الأبرز، عدا كلمة الرئيس فؤاد السنيورة طبعاً، الذي يحور ويدور ثم يعود إلى ربط كلّ أزمات البلاد بسلاح المقاومة، فيما أقرّ النائب وليد جنبلاط، الذي بدأ في الجلسة الماضية التمهيد لانسحابه من «الحرب السورية» على وقع التحولات الجديدة، بفشله في إشعال «الثورة».
غير أن الأجواء التي حرص الرئيس نبيه بري في الأيام الماضية على تنقيتها، لا سيما خلال زيارة الوزير الياس بو صعب لعين التينة السبت الماضي، لم تنسحب على تسوية السلة الكاملة لحلّ أزمة الترقيات الأمنية وآلية العمل الحكومي، مع استمرار «اللقاء التشاوري» الذي يرأسه الرئيس السابق ميشال سليمان في معارضة التسوية، لا سيما وزير الدفاع سمير مقبل، المعني الأول بقرارات ترقية الضباط.
كنعان: منذ 25 سنة هناك من لا يحترم الشراكة الوطنية والأزمة لا تحل إلّا بالعودة إلى الناس
فعلى رغم الاتفاق الذي جرى في الحوار بين المستقبل وحزب الله أول من أمس على ضرورة تذليل العقبات، لم تصل الضغوط المستقبلية إلى نتيجة بعد في إقناع سليمان والكتائب. حتى الوزير بطرس حرب أكد أمام الصحافيين أمس أن «المستقبل لا يمون عليّ»، فيما يجري الحديث عن ليونة مستجدة في موقف الوزير ميشال فرعون. وطُرحت أمس الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء غداً، لمعالجة أزمة النفايات وحدها، لكون تسوية الترقيات الأمنية لم تنضج بعد، إذ لا يزال يعترضها رفض سليمان، وبالتالي مقبل، المعني الأول، والذي يتمسّك بحجج قانونية واعتراضات داخل الجيش. فالترقية تحتاج إلى توقيع وزير الدفاع ورئيس الجمهورية، ما يعيد البحث في آلية العمل الحكومي، فضلاً عن إصرار سليمان ومقبل على تعويم اعتراضات عدد من الضباط ممن يطمحون إلى الترقية، ورفضهما ترقية العميد شامل روكز دون غيره من الضباط الموارنة، ما يمنع دخوله إلى المجلس العسكري، ويطرح مشكلة جديدة حيال الموقع الجديد الذي سيتولاه، فيما تعتمد مسألة تأجيل التسريح على قرار من وزير الدفاع وحده، بناءً على اقتراح من قائد الجيش. وأيضاً لا ينوي مقبل وسليمان في حال السير بهذا الحلّ تأجيل تسريح روكز وحده، ما يخلق مشكلة في الجيش وأزمة مالية كبيرة.
التيار الوطني الحر غير مقتنع بأن سليمان ومقبل لا يخضعان لضغط المستقبل إذا وجدت النية للتسوية، في وقت تؤكد فيه مصادر معنية لـ«الأخبار» أن مقبل هدّد في الاجتماع الاخير لـ«اللقاء التشاوري» بالاستقالة «من اللقاء في حال وافق على التسوية». وتحمّل مصادر التيار الحر تيار المستقبل مسؤولية موقف سليمان ومقبل، مؤكّدة أنه إذا «لم تتم ترجمة الاتفاق الذي جرى في حوار عين التينة، فإنه يتكرر النكث بالوعود التي جرى الاتفاق عليها سابقاً بين عون والرئيس سعد الحريري بتعيين روكز قائداً للجيش والعميد عماد عثمان مديراً لقوى الأمن الداخلي». ولم تؤكّد مصادر التيار الوطني الحر إن كان وزيراه ووزيرا حزب الله سيحضران أي جلسة للحكومة تبحث في النفايات، لكنها سألت عن الفرق بين القرارات التي قد تصدر وتلك التي صدرت سابقاً؟ وما الضمانة أنه إذا اتخذ أيّ قرار جديد، سينفذ؟».
في الحوار، افتتح بري الجلسة بشرح حكاية الخلوة التي تلت الجلسة الماضية باقتراح من جنبلاط، فأكد أنها ليست موجهة ضد أحد. وطرح أزمة النفايات على النقاش، لأنه «لا بدّ من حلها»، فيما أشار السنيورة إلى أن «الأزمات التي نحصدها هي نتيجة الفراغ في الرئاسة». وسأل النائب طلال أرسلان عن «سبب تأخر تنفيذ خطة شهيّب رغم اتخاذ قرار في مجلس الوزراء؟»، فيما لفت النائب سليمان فرنجية سلام كـ«رئيس للسلطة التنفيذية الى ضرورة تكليف الإدارات المعنية بتنفيذ الخطة». وطلب الجميّل أن تصدر عن طاولة الحوار توصية بالأمر.
بدوره، عرض سلام للاعتراضات الشعبية على الخطة، والتي تتداخل فيها «الطائفية والمناطقية والمذهبية»، واقترح عقد اجتماع للحكومة وعلى جدول أعماله بند النفايات وحيداً، فاقترح بري طرح النفايات ومواضيع أخرى.
وفيما تردّد أن رئيس تكتّل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون غادر بعد هذا الجدل لأسباب صحيّة، إلا أنه توجّه إلى الرابية حيث عقد اجتماعاً لتكتله. وأكّدت مصادر أن عون أبلغ بري منذ السبت أنه لن يحضر الجلسة المسائية التي مثّله فيها النائب إبراهيم كنعان، وتصدّر جنبلاط المتكلّمين فيها حول مواصفات الرئيس، مؤكّداً أنه «ضد حياد لبنان في الصراع العربي ــ الإسرائيلي، والرئيس يجب أن يكون ملتزماً بهذا الخيار». وأشار إلى أنه يتعاون مع أرسلان بشأن جبل الدروز، «حتى لا تحدث انعكاسات في لبنان». وقال: «لا أخفيكم، حاولت أن أقوم بثورة في جبل العرب، لكنني فشلت... أنا لا أمون على جبل الدروز». وأشاد جنبلاط بـ«الثوابت» التي طرحها النائب محمد رعد في الجلسة الماضية، رغم أنه يختلف مع المقاومة «على بعض القضايا». وقال إن «الثوابت هي أن إسرائيل هي العدو... هذا موقف كمال جنبلاط ولا أقبل البحث بغير هذا. ولا أقبل الحديث عن حياد لبنان في الصراع مع إسرائيل»، في إشارة إلى ما ذكره السنيورة في الجلسة الماضية. ولمّح إلى أن «التسوية التي تم إفشالها الأسبوع الماضي، كان يمكن أن تنشط المؤسسات كلها».
وبحسب أكثر من مشارك، أزعج كلام جنبلاط السنيورة الذي أوضح أن «الحياد لا يعني الحياد في الصراع العربي ــ الإسرائيلي، بل عن المحاور في المنطقة»، لافتاً إلى «الميليشيات التي تتحكّم في البلد»، في إشارة إلى المقاومة، مشيراً إلى أنه كان يؤيد سلاح المقاومة، «لكن بعد التحرير صرنا نختلف على الآليات». وهنا خاطبه بري: «رح يطلع معك إنو المقاومة مسؤولة عن كل الأزمات، وهي المسؤولة عن أزمة النفايات».
وكرّر فرنجية «ضرورة حلّ الأزمات التي يمكن أن نحلها»، والحديث عن مواصفات الرئيس التي طرحها مع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان في الجلسة الماضية. إلّا أن الجميل كرّر الطرح حول «الرئيس التوافقي». وقال كنعان: «منذ 25 سنة، هناك من لا يحترم الشراكة الوطنية، ولا يحترم ضرورة أن تكون للرئيس صفة تمثيلية، وقانون الانتخاب لم يحل المشكلة، ما يعني أننا أمام وضع نبحث فيه عن حلول غير ميثاقية. الأزمة لا تحل إلّا بالعودة إلى الناس». وأيّد رعد كلام كنعان، مشيراً إلى أن الصفة الأساسية للرئيس هي أن يكون قوياً، «ومع طرح مواصفات الرئيس وقانون الانتخاب».
وطالب السنيورة بـ«رئيس توافقي يتفاهم مع الجميع، ولا نقبل أن يفرض علينا رئيس»، فردّ أرسلان: «أتينا إلى هنا لنحاول أن نتفق، والكلام عن عدم قبولكم عون بالمطلق مرفوض». وقال فرنجية: «إذا كنتم تريدون رئيس جمهورية وسطياً، يجب أن يكون رئيس الحكومة وسطياً»، فيما اعتبر الجميل أن «عون لا تنطبق عليه صفة التوافق».