ما بين أزمة النفايات وبعض العناوين الرئاسية والسياسية تنقّل الحوار الوطني في جلستيه، أمس، على أن يتمحور النقاش في جلستي اليوم حول مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية، تمهيداً للانتقال في مرحلة لاحقة الى غربلة الأسماء التي تنطبق عليها تلك المواصفات.
يحصل ذلك، برغم أن جميع المتحاورين يدركون في قرارة أنفسهم أن ما يفعلونه لا يتعدى حدود «التسالي السياسية» وأن لعبة «الكلمات المتقاطعة» لن تنتهي الى الكشف عن هوية الرئيس الذي سيظل اسمه رهينة عواصم القرار الإقليمية والدولية.. في انتظار التوقيت المناسب للإفراج عنه.
ولم يتردد أحد اطراف الحوار في القول لـ «السفير» إنه لا يتوقع حدوث أي خرق في ملفي الرئاسة وقانون الانتخاب، لافتاً الانتباه الى أن الإنجاز الواقعي الوحيد الذي يمكن تحقيقه في هذه المرحلة هو تفعيل عمل مجلسي النواب والوزراء بالترافق مع إتمام تسوية الترقيات.
لكن، وبينما كانت المؤشرات النهارية توحي بأن هذه التسوية تتقدم، لاسيما بعد اللقاء الناجح بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون صباح أمس، وجلسة الحوار الإيجابية بين «تيار المستقبل» و «حزب الله» أمس الاول.. عاد منسوب التفاؤل لينخفض ليلاً، بعدما واجهت الصيغة المعدّلة التي تمّ الاتفاق عليها حول الترقيات وآلية اتخاذ القرار الحكومي، مشكلة سياسية ـ تقنية تتمثل في أن ترقية العمداء الى ألوية تتم بتوصية من قائد الجيش وبمرسوم يحمل توقيع وزير الدفاع، وهو التوقيع الذي لا يزال يحجبه الوزير سمير مقبل بطلب من الرئيس ميشال سليمان الذي يرفض الصيغة المطروحة.
وأبلغت أوساط واسعة الاطلاع «السفير» خشيتها من ضياع الفرصة، لافتة الانتباه الى ان السباق مع الوقت بلغ نقطة حساسة، والمطلوب تدخل فوري من الرئيس سعد الحريري او القيادة السعودية لدى سليمان لإقناعه بتسهيل صدور المرسوم وإقرار التسوية، تحت طائلة انهيار الحكومة، لاسيما أن اسبوعاً واحداً تقريباً يفصل عن انتهاء خدمة العميد شامل روكز.
وفي المقابل، ابلغت مصادر مواكبة للاتصالات «السفير» أن احتمال عقد جلسة لمجلس الوزراء، غداً الخميس، قائم ووارد، مشيرة الى ان تسوية الترقيات العسكرية وُضعت على نار حامية، ومن المفترض ان تنضج، إذا صفت النيات.
وعلم أنه عندما ناقش بري أمر التسوية مع عون، قبل انطلاق جلسة الحوار، تمنى الجنرال على رئيس المجلس ألا يطرح الموضوع امامه على طاولة الحوار، لانه لا يريد ان يدخل في بازار حوله، مؤكدا ان المعيار الاساسي لديه هو القانون.
وقد الحّ الرئيس تمام سلام خلال جلسة الحوار الصباحية أمس على ضرورة انعقاد مجلس الوزراء، لإقرار التعديلات التي طرأت على خطة النفايات، وإطلاق مسار تنفيذها.
وحظيت الخطة بقوة دفع من طاولة الحوار، حيث أكد اطرافها بالاجماع تقديم كل الدعم لها وضرورة الاسراع في تطبيقها، ما دفع سلام الى التساؤل عن هوية المعترضين عليها في الشارع ومرجعياتهم ما دام جميع الموجودين على الطاولة إيجابيين، متوقفا عند بعض التحفظات التي كان قد أبداها بعض الوزراء.
وفي ملف النفايات تحديدا، سُجل أمس تقدم على طريق تذليل العقبات التي لا تزال تعترض تطبيق خطة الوزير أكرم شهيب الذي أكد لـ «السفير» ان العمل جار على قدم وساق لتجهيز مطمر سرار، فيما كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يتبلغ الموافقة على استحداث المطمر من وفدي بلديات عكار ومخاتيرها، استنادا الى الشروحات التي قدمها لهما، خلال اجتماعه بهما أمس.
وتفيد المعلومات، ان بدء تنفيذ الخطة ينتظر حسم مكان المطمر المفترض في منطقة البقاع، لتكتمل بذلك سيبة الشراكة والتوازن من الناعمة الى سرار مرورا بأحد المواقع الحدودية البقاعية.
وعلم ان اجتماعا عقد أمس بين شهيب ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، في إطار التعاون لإيجاد نقطة آمنة، بيئيا وأمنيا في البقاع.
وقال شهيب إن المباشرة في تنفيذ الخطة باتت مسألة ايام معدودة، لافتا الانتباه الى ان المعطيات التي تجمعت لديه أمس تشجع على التفاؤل، لاسيما ان دائرة التفهم للخطة تتسع في المناطق المعنية بها.
مراوحة
وإذا كانت أزمة النفايات قد طغت على جلسة الحوار، قبل الظهر، فإن الملف الرئاسي استعاد في جلسة بعد الظهر موقع الأولوية، إنما من دون تسجيل جديد بارز في المواقف، بعدما أعاد كل فريق تكرار «معزوفته»، مع مرور سريع على مسألة قانون الانتخاب الذي تناوله الرئيس بري، مؤكدا ضرورة اعتماد النظام النسبي لان الوضع لم يعد يحتمل إعادة انتاج قانون أكثري.
وجدد كل طرف تقديم تصوره لمواصفات الرئيس المقبل، وتزاحمت على الطاولة مفاهيم «الوسطي» و «المحايد» و «القوي بتمثيله» و «القوي بانفتاحه»، وما الى ذلك.
وما أمكن رصده أمس، وفق انطباعات بعض المشاركين، هو ان ممثلي فريق «14آذار» حاولوا الإيحاء بأن اسم عون أصبح خارج التداول الرئاسي، لأن شرط التوافق الإلزامي لا ينطبق عليه، باعتبار أن هناك جزءاً من القوى السياسية ليس في وارد القبول به، وهو الأمر الذي تصدى له بشكل اساسي النائب سليمان فرنجية الذي اعتبر انه «لا يجوز ان نلغي أحدا، ونحن ندعم بوضوح العماد عون، وعلى كل حال دعونا أولا نحسم المواصفات، وبعد ذلك نرى من هو الأكثر ملاءمة لها».
وعلم أنه عندما اضطر عون الى المغادرة خلال الحوار الصباحي، في أعقاب العارض الصحي الذي ألمّ به،(يرافقه النائب ابراهيم كنعان) «استغيبه» عدد من ممثلي «14آذار»، معتبرين أنه لا يصح ان يبقى متشبّثاً بترشيحه، فأشار فرنجية الى انه من غير الجائز في الشكل التطرق الى عون في غيابه.
وقارب النائب وليد جنبلاط النقاش من زاوية تحديد الثوابت التي ينبغي ان يلتزم بها الرئيس المقبل، لافتا الانتباه الى ان هناك ثوابت لا خلاف عليها من قبيل العداء لاسرائيل، وأخرى لا تزال موضع خلاف كتلك التي تتعلق بسلاح المقاومة، ليخلص الى القول إنه من المستحيل حاليا التوصل الى اتفاق حول الرئيس، وبالتالي من الافضل في هذا الوقت ان ننكبّ على معالجة هموم الناس.
وأكد الرئيس فؤاد السنيورة أن «موقفنا من اسرائيل معروف»، مستعيدا تجربة حكومته في حرب 2006، ومنتقدا سلاح «حزب الله» الذي يشارك الدولة في القرار، فيما شدد كنعان الذي مثّل عون في الجلسة المسائية على وجوب احترام الشراكة الوطنية التي يعتريها الخلل منذ نشأة الجمهورية الثانية، داعيا الى تصحيح الخلل الميثاقي انطلاقا من الرئاسة، او من قانون عادل للانتخابات النيابية .
تحقيق «الأمن الداخلي»
الى ذلك، وبينما نفّذت بعض حملات «الحراك المدني» اعتصامات مباغتة امام مبنى الواردات في وزارة المال، ومصرف لبنان، انتهت الى اعتقال الناشط أسعد ذبيان ثم الافراج عنه.. علمت «السفير» أن وزير الداخلية نهاد المشنوق سلم نتائج التحقيق الذي أجرته قوى الامن الداخلي في حوادث 22 آب الماضي الى مدعي عام التمييز القاضي سمير حمود الذي يُفترض ان يبادر الى اتخاذ الاجراءات القضائية المناسبة.
وفي سياق متصل، زار السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل وزير الداخلية واطلع منه على حصيلة التحقيقات. وعُلم ان هيل أبدى تقديره لآداء قوى الإمن الداخلي بعد حوادث 22 آب، واصفا إياه بـ «الممتاز» .