«ما ضَل حدا طيِّب ليصرخ». قد تكون هذه واحدة من أكثر ردود الفعل تعبيراً عن الكارثة الإنسانية التي حلّت على نهر الموت، حيث كان «الموت» الشاهد الأكبر على حادث سير مروّع، والنهر الحاضن الأخير لضحايا أبرياء لفَظوا أنفاسَهم الأخيرة، تاركين وراءهم أمّاً ثكلى، زوجةً أرملة، طفلاً يتيماً، ووالداً مفجوعاً...السيارات «مطحونة»، الزجاج متناثر، الغبار يعانق السماء، صهريج الشاحنة بعَرض النهر، رائحة الموت تغزو المكان، فالساحة أشبه بمعركة حرب، وحدها لوحات السيارات صمَدت لتُخبرَ عن هوية أصحابها.
كانت الحياة تسير على خير ما يرام حتى ظهر أمس، في محيط أوتوستراد المتن السريع، حيث أصحاب المحال منشغلون بمصالحهم «رسمالنا بأوّل الشهر»، على حدّ تعبير أحدهم، إلى أن سُمع صوت هدير شاحنة مرفَق بضربات ارتطام لأكثر من دقيقة، وسرعان ما ارتفعَ الغبار في المكان، وتعذّرَت رؤية ما حصل.
في التفاصيل...
للوهلة الأولى لم يدرك أصحاب المحال المطلّة على مكان وقوع الحادث حقيقة ما حصل، فيروي أحدهم لـ«الجمهورية»، والخوف يلفّ محيّاه: «كادت قلوبنا تتوقّف عن الخفقان، إهتزّت أعصابنا نتيجة الصوت المرعب الذي صدر، «ما عاد يخلص»، للوهلة الأولى تردّدنا في الخروج خوفاً من تداعيات حادث لم ينتهِ، إلّا أنّني أردتُ الخروج مع العمّال للمساعدة، فلم نرَ في الدقائق الأولى إلّا الغبار وبقايا سيارات، دولاب هنا، مقعد هناك... فأدركنا أنّ حادث سير قد وقع».
ويضيف بنبرة غاضبة: «إنّها المرّة الأولى التي يقع فيها حادث بهذا الحجم، ولكن غالباً ما يشهد محيط نهر الموت وتحديداً الأوتوستراد السريع مخالفات مرورية بالجملة مثل العبور عكس السير من مسلك إلى آخر»، فتمنّى لو يتمّ تركيب حاجز أو كاميرا مراقبة للجمِ التجاوزات كرادع أوّلي.
وفي التفاصيل، أنّه قرابة الثالثة بعد الظهر، وقع حادث على المسلك الغربي لطريق نهر الموت قرب مفرق الرويسات على أوتوستراد المتن السريع. إصطدمَت شاحنة صهريج مسرعة بسيارة «مازدا»، واقتلعت معها «مرسيدس» وبيك آب، لتستقرّ الشاحنة وبقايا البيك آب في النهر، وقد سَقط 3 ضحايا في مجرى النهر أيضاً.
على اثر وقوع الحادثة هرَع الصليب الأحمر وفرَق الدفاع المدني التي تمكّنت من انتشال جثّة هدى مجدلاني التي كانت تقود «المرسيدس»، وجثّة عسكري في جهاز أمن الدولة يدعى ميشال يعقوب، (من سيارته) وقتيلين لا تزال هويتاهما مجهولتين حتى كتابة التغطية.
الصهريج... «كان بالكاراج وطِلع»
في هذا الإطار، يَلفت مصدر أمني لـ«الجمهورية»، إلى أنّ التحقيقات الأوّلية أظهرَت أنّ الصهريج كان معطّلاً «كان بالكاراج وطِلع من فترة»، سَبق أن جرت محاولة إصلاحه»، مشيراً إلى أنّ «عطلاً ميكانيكياً عاد واستجدّ».
من جهته، يتوقف أمين سر «اليازا» كامل إبراهيم عند ظروف الحادث قائلاً: «لا شكّ في أنّ السرعة الزائدة كانت من أسباب قوّة الارتطام واقتلاع السيارات، ولكن مَن يتأمل مكان وقوع الحادث وحجمه، لا يمكنه إسقاط احتمال وجود عطل ميكانيكي أو غياب فجائي للفرامل، ما حالَ دون تمكّن السائق من تغيير وجهة الشاحنة وإبعادها عن المواطنين أو السيطرة عليها»، غير مُسقطٍ من حساباته «أهمّية التشَدّد في المعاينة الميكانيكية للشاحنات وإجراء امتحانات للتأكّد من مهارات السائقين في القيادة».
ويدعو كامل إلى التشدد في تطبيق قانون السير على الشاحنات، خصوصاً لناحية تجاوزِهم السرعة، فيقول: «إذا كانت السرعة المحدّدة 60 كلم/ س، فهي موجّهة للسيارات، أمّا أصحاب الشاحنات فسرعتهم لا يجب أن تتخطّى 40 كلم/ س على سبيل المثال، تحسّباً لأيّ عطل ميكانيكي أو سرعة زائدة قد ينتج عنها ما لا تُحمد عقباه».
في هذا السياق، يحذّر كامل من غياب التشدّد والتدقيق بالحمولات الزائدة، قائلاً: «نسبة كبيرة من أصحاب الشاحنات لا تلتزم الحمولة المحددة، إنّما تحَمّل أضعاف قدرة الشاحنة»، مطالباً بتأمين «كلّ الأجهزة اللازمة لقوى الأمن لتتمكّن من تطبيق قانون السير، وأبرزها القبّان الخاص بالشاحنات».
الجمهورية