ما حصل في اجتماع لجنة الأشغال العامة النيابية أمس يعكس حدّة الاحتقان السياسي في البلد، فيما يؤمل أن يشكّل الحوار الجامع الذي ينطلق اليوم ويُختتم بعد غد فرصةً لتنفيس هذا الاحتقان، إلّا أنّ الأجواء السياسية حتى منتصف ليل أمس لم تكن مشجّعة، باستثناء البيان الصادر عن حوار «المستقبل» و»حزب الله» الذي أكّد على «أهمية الحوار الوطني وتأثيره الإيجابي على الوضع»، وشدّد على ضرورة «إيجاد المخارج المناسبة لإعادة العمل في المؤسسات الدستورية وتفعيلها في أسرع وقت»، ولكن كلّ ذلك يتوقف على مصير التسوية السياسية التي يُعمل عليها، وسط مؤشّرات تفيد أنّ حظوظ نجاحها تضاءلت كثيراً، الأمر الذي يهدّد مصير الحوار نفسه ما لم يبرز في الأفق صيغة تعويضية تحظى بموافقة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي قرّر المشاركة في الحوار على «قاعدة إعطاء فرصة جديدة لإنقاذ الحكومة والحوار»، وهذا ما أكّده وزير التربية الياس بو صعب لـ»الجمهورية»، الذي «دعا إلى تلقّف هذه الرسالة الإيجابية والتعامل معها بالمضمون نفسِه، لأنّ خلاف ذلك يتحمّل الفريق المعرقل وحده انعكاساته وتداعياته. ولكنّ اللافت أنّ «التيار الوطني الحر» يَشتبك مع «المستقبل» نهاراً، فيما يتحاور الأخير مع «حزب الله» ليلاً. وفي موازاة التوتّر السياسي توقّفت أوساط سياسية أمام التفجير الذي استهدف سيارة فان على طريق شتورا، في مؤشّر خطير يدلّ على عودة التفجيرات التي تستهدف مواكب «حزب الله» التي تنقل المقاتلين إلى سوريا، فيما كشفَ مرجع أمنيّ لـ«الجمهورية» أنّه «سبق للقوى الأمنية أن فكّكت عبوة مماثلة الأسبوع الماضي على مسافة قريبة من موقع التفجير»، لافتاً إلى أنّ «المخاوف من تجدّد عمليات التفجير تجدّدت». قالت أوساط سياسية رفيعة لـ«الجمهورية» إنّ معالم المرحلة المقبلة أو أقلّه حتى نهاية العام الجاري تُرسَم هذا الأسبوع الذي سيحدّد طبيعتها لجهة إعادة انتظام الأمور تحت سقف المؤسسات أو انفلاتها وسط التصعيد المتبادل، ورأت أنّ البيان الصادر عن «المستقبل» و«حزب الله» يشكّل رسالة مزدوجة مفادها أنّهما مع استمرار الحوار والتسوية السياسية، والرسالة الأخرى إلى كلّ القوى السياسية من أجل أن تأخذ في الاعتبار تمسّك «المستقبل» والحزب بالحوار والتسوية.

وتساءلت الأوساط عمّا سيؤول إليه الوضع في حال فشَل التسوية في هذا التوقيت بالذات، الذي من أبرز معالمه ومخاطِره تدويل الأزمة السورية التي تشهَد فصولاً جديدة من الحروب والمواجهات، وعدم اكتراث العالم بالشأن اللبناني، وهذا تحديداً ما أبرزَته لقاءات رئيس الحكومة تمام سلام في نيويرك؟

وقالت إنّ مشاركة العماد عون اليوم هي بمثابة الفرصة الأخيرة التي على القوى السياسية تلقّفها، وإنّ مشاركته في جلسة الغد تتوقّف على مآل الأمور اليوم، فإذا نجحَت التسوية يُفتَح الباب أمام ملفّات أخرى تساهم في تبريد الوضع السياسي، وإذا فشلت يَعني وجود إرادة بالتأزيم والتسخين. وكشفَت عن اتصالات مكثّفة للخروج بالصيغة التي تجَنّب البلد أزمة سياسية مفتوحة، وتوقّعَت أن تتركّز الساعات الأولى من الحوار على هذا الجانب.

الجلسة التاسعة عشرة

وانعقدت جلسة الحوار التاسعة عشرة بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» مساء أمس في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار المستقبل.

كما حضر الجلسة الوزير علي حسن خليل. وبعد الجلسة صدر البيان التالي: «بحَث المجتمعون الأزمة السياسية، وجرى التأكيد على أهمّية الحوار الوطني وتأثيره الإيجابي على الوضع، وكذلك التشديد على إيجاد المخارج المناسبة لإعادة العمل في المؤسسات الدستورية وتفعيلها في أسرع وقت».

أقطاب «14 آذار»

وعشية استئناف اجتماعات هيئة الحوار الوطني في ساحة النجمة، علمت «الجمهورية» أنّ أقطاب قوى 14 آذار من الصف الأوّل التقوا ليل أمس في «بيت الوسط» وترَكّز البحث حول ما يمكن أن تكون عليه المناقشات في الجلسات الحوارية المفتوحة التي ستُستأنف قبل ظهر اليوم في ساحة النجمة بكامل حضور المدعوّين بعدما تسرّبَ إليهم من عين التينة أنّ الجميع سيحضر، بمن فيهم رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي أبلغَ الى رئيس مجلس النواب نبيه بري حضورَه الجلسات باستمرار على رغم كلّ التطورات التي أوحت باحتمال ان يؤجّلها بري في حال قاطعَها عون .

وقالت أوساط المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّه من المفترض أن ينطلق البحث من حيث انتهت إليه الجلسة الثالثة من الهيئة التي انعقدت في 21 أيلول الماضي، ولا سيّما في البند الأوّل المتّصل بانتخاب رئيس جديد والمواصفات التي ترَكّز البحث حولها على رغم الانقسامات في الرأي والتي أظهرَت أنّ أياً مِن الأطراف لم يغيّر موقفَه من دعوة البعض الى انتخاب رئيس الجمهورية أوّلا أو الانتخابات النيابية على أساس قانون انتخابي جديد.

وأضافت الأوساط» أنّ ممثلي قوى 14 آذار يتوجّهون إلى جلسة اليوم في أجواء متشدّدة من موضوع انتخاب الرئيس وعلى قاعدة حصرِ النقاش بهذا الموضوع ودعوة مَن يراهن على تطوّرات الأزمة السورية للوصول إلى قصر بعبدا إلى التراجع والعودة إلى الداخل اللبناني لبَتّ هذا الإستحقاق، بعدما تبيّنَ أنّ أياً مِن عواصم القرار المؤثّرة في الملف السوري واللبناني لن تتدخّل في انتخاب الرئيس.

لا لفَرض مرشّح

وقال أحد أقطاب قوى 14 آذار الذي يشارك في اجتماعات هيئة الحوار: «أمامنا خياران لانتخاب الرئيس لا ثالث لهما: الأوّل يقول: بأن نتوجّه جميعاً الى القاعة العامة في مبنى المجلس لانتخاب رئيس في أجواء ديموقراطية وليَفُز من يفوز ممّن يرشّحهم النواب أنفسُهم ونهنّئه جميعنا بهذه النتيجة».

والخيار الثاني يقول بأن «نتفاهم على رئيس توافقي وننزلَ جميعنا لتأمين النصاب القانوني لانتخابه». وأضاف: «أيّ سيناريو آخر لفرض مرشّح بالقوة القاهرة ليس وارداً، فالجميع بات يدرك أنّه ليس هناك أكثرية لأيّ طرف في ظلّ الإصرار على إجراء الإنتخاب بالثلثين زائداً واحداً».

وأكد أنّه «أمامنا الجلسة الاولى اليوم لإثبات حسن النيّة في الولوج الى الإستحقاق من الباب الدستوري الوحيد المتاح أمامنا بانتخاب الرئيس، وإلّا فلن تكون هناك حاجة لاستكمال مسلسل الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري ليومين أو ثلاثة.

إحتقان كهربائي

وقبل ساعات من استئناف الحوار بين «المستقبل» و«الحزب» وعشية بدء جلسات الحوار الموسّع، تفجّرَ الخلاف على خلفية ملف الكهرباء، بين نواب «التيار الوطني الحر» ونواب«المستقبل»، في جلسة لجنة الأشغال العامة أمس، بعدما كان بدأ الاحتقان «الكهربائي» بين تكتّل «التغيير والإصلاح» وكتلة «التنمية والتحرير»، على خلفية الاتهامات المتبادلة بين وزير الطاقة ارتور نظاريان ووزير المالية علي حسن خليل في شأن المسؤولية عن تأخير تنفيذ خطة الكهرباء التي وضَعها وزير الطاقة السابق جبران باسيل.

ففيما يشبه العمل المسرحي، وما إنْ دخلت كاميرات المصوّرين الصحافيين قاعة مكتبة المجلس حيث كانت ستُعقد جلسة لجنة الأشغال برئاسة النائب محمد قباني، فتحَ نواب «التيار الوطني الحر» النارَ على قباني وعلى نواب «المستقبل». ولم يتأخّر ردّ هؤلاء العنيف.

وتحوّلت الجلسة في لحظات الى مواجهات على الواقف، واقتربَ النواب من العراك بالأيدي، وإلى تبادل قذف عبوات المياه، وتدخَّلَ نواب آخرون لمنع الاحتكاك والتضارب. عندها اضطرّ قباني الى رفع الجلسة. وكلّ ذلك حصل أمام الكاميرات.

ثمّ انتقلت المواجهة الى المؤتمرات الصحافية التي عَقدها الجانبان، وتبادَلا فيها الاتّهامات التي تمحورَت حول الخوف من جعل الجلسات مفتوحة لكي يَطّلع الرأي العام على ما يجري.

قانصوه

وأسفَ عضو اللجنة النائب عاصم قانصوه لِما جرى أمس، وقال لـ«الجمهورية»: «كانت حفلة شتائم بامتياز، يَندى لها الجبين، وطغت لغة الشارع على لغة العقل، والمستوى كان بعيداً كلّ البعد عن مستوى النواب، والجميع افتقر إلى الأخلاق والضمير، فهم لا يمثّلون الشعب اللبناني، وبالتالي الحراك المطلبي كان محِقّاً في توصيفهم».

وإذ لم يستبعد قانصوه أن يكون ما جرى هدفه تطيير الجلسة التي كانت ستكشف أرقاماً تدين أطرافاً عدّة، توقّع أن تحضر تردّدات الجلسة في هيئة الحوار الوطني اليوم، إلّا أنّه أكّد أنّ الرئيس بري بحِنكته المعهودة لن يجعلَ الأمور تتدحرج باتّجاه إلغاء الحوار.

لكنّ قانصوه لم يبدِ تفاؤلاً كبيراً في إمكان أن يصل الحوار إلى النتائج المنشودة، وقال: «إنّ الحوار الذي انعقد في العام 1976 والذي شاركتُ فيه بحضور شخصيات كبيرة، من أبرزها الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط والرئيسان صائب سلام ورشيد كرامي ورئيس حزب الكتائب بيار الجميّل والإمام موسى الصدر والعميد ريمون إدة والوزير إدمون رزق، لم يصل إلى أيّ نتيجة، فهل الحوار الجاري وهو الرقم 36 في تاريخ الحوارات في لبنان، سيَبلغ النتائج المتوخّاة؟

الإضرابات تعود

إلى ذلك، عادت نغمة إضرابات هيئة التنسيق النقابية إلى الواجهة، بعدما أوصَت الهيئة بـ»الإضراب العام والشامل في 20 و26 من الشهر الحالي و4 تشرين الثاني المقبل، في حال لم ينعقد المجلس النيابي في 20 الحالي وفي حال استمرّ التعطيل». وهدّدت بالتصعيد، خلال مؤتمر صحافي عقدته أمس في ساحة الشهداء للإعلان عن خطواتها التصعيدية».

... والتفجيرات أيضاً

أمنياً، توقّفت مراجع أمنية أمام عودة مسلسل التفجيرات التي تستهدف مواكب لـ»حزب الله» تنقل المقاتلين الى سوريا، عندما استُهدِفت سيارة فان تقلّ نحو 18 عنصراً من الحزب في طريقها إلى الأراضي السورية عن طريق المصنع.

وقال مرجَع أمني لـ«الجمهورية» إنّ مجهولين فجّروا عبوة ناسفة زنتُها 4 كيلوغرامات زُرعت إلى جانب الطريق خلف مقرّ الجمارك على طريق شتورا، وتمّ تفجيرها بسيارة الفان فأصابتها من الخلف لكنّها أكملت طريقها على رغم الإصابات التي لحقَت بركّابها.

ونَقل شهود عيان أنّ السيارة أصيبَت وتناثرَ زجاجها الخلفي في المكان ومعها آثار الدم، ما يؤكّد وقوع إصابات، ولو كانت سيارة مدنية عادية للركّاب لتوقّفَت إثر الحادث، لكنّ سيارات الحزب لا تتوقّف حتى تصلَ بالجرحى إلى مستوصف أو أيّ مستشفى في المنطقة، في ظلّ التكتّم على النتائج.

ولفتَ المرجع الأمني إلى أنّ المخاوف من عودة عمليات التفجير تجدّدت، وقد سَبق للقوى الأمنية أن فكّكت عبوة مماثلة الأسبوع الماضي على مسافة قريبة من موقع التفجير، ذلك أنّ الرؤية الواسعة للمنطقة المكشوفة تسمح بعملية التفجير عن بُعد.

إيطاليا

على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الوزراء الإيطالي ماتييو رينزي سيزور لبنان غداً لساعات عدّة يلتقي في خلالها رئيس الحكومة تمام سلام ويتفقّد كتيبة بلاده العاملة في إطار «اليونيفيل» في الجنوب.

تصدير النفايات برّاً؟!

وفي ملف النفايات، علمت «الجمهورية» أنّ اتصالات لبنانية عبر قنوات خاصة جرَت مع السلطات السورية التي أبدت استعدادها لأخذ نفايات لبنان ومعالجتها داخل معاملها في أراضيها أو نقلِها عبر حدودها إلى العراق الذي أبدى بدوره استعدادَه لأخذ جزء منها، عبر عروض مشجّعة.

كما علمت «الجمهورية» أنّ استعداد سوريا للمساهمة بحلّ مشكلة النفايات يعود بدرجة كبيرة الى اعتبار أنّ مئات آلاف اللاجئين السوريين يحتضنهم لبنان، وهم يساهمون بشكل أو بآخر في زيادة حجم النفايات. وأشارت المعلومات الى انّ هذه الاتصالات لا تزال في بداياتها، وهي ستُفعَّل بقوّة كحلّ بديل في حال اصطدمت خطة الوزير أكرم شهيّب بحائط مسدود.