الدخول العسكري الروسي إلى سوريا والذي يشغل العالم حالياً جاء على إثر رسالة تلقاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من رئيس النظام السوري بشار الأسد حملها إليه اللواء علي المملوك وطلب فيها النجدة بعد أن وصل حكم الأسد على شفير الإنهيار وسط معلومات عن توتر شديد بين الفرقة الرابعة في الجيش السوري التي يقودها شقيق الأسد ماهر والحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني والذي يترافق مع تقدم المعارضة السورية على كل الجبهات ممّا جعل النظام السوري وإيران يقبلان بهدنة في الزبداني في منطقة القلمون وقريتي الفوعة وكفريا ذات الأغلبية الشيعية اللتين تقعان في محافظة إدلب في الشمال السوري ممّا شكل هزيمة قاسية للنظام السوري وحزب الله الذي مُني بخسائر بشرية فادحة خلال أسابيع القتال في الزبداني .
وفي معرض التبرير لهذا التدخل العسكري الروسي فقد ربطت موسكو هذا التدخل بمحاربة داعش وإبداء الإستعداد للمشاركة في صنع حلّ سياسي للأزمة السورية .
لكن هذين الهدفين سرعان ما سقطا بعدما استهدفت المقاتلات الروسية مواقع لغير داعش حيث سقطت الصواريخ الروسية على مراكز ومواقع للمعارضة السورية / الجيش الحر وجيش الإسلام وجبهة النصرة / وبعدما رفضت معظم دول العالم شرط روسيا أن يكون الحل السياسي متلازماً مع بقاء الأسد في السلطة .
وفي سياق متصل فإنّ المعلومات الواردة من واشنطن تفيد أنّ ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدفه إنقاذ الأسد بعدما بدا بوضوح بأنّه ونظامه لم يعودا بعيدين عن الانهيار ، كما أنّ هدفه أيضاً المحافظة على الموطىء الوحيد لقدم روسيا في الشرق الأوسط. وما يؤكد ذلك الصيغة الدفاعية للانتشار العسكري الروسي على الأراضي السورية والذي لا يشكل في رأي واشنطن أي تهديد للمصالح الأميركية .
وفي واشنطن أيضا يسود الإنطباع بأنّ إيران لم تكن مسرورة بهذا التدخل الروسي وبتطور الأحداث في سوريا على النحو الذي شهده العالم أخيراً خشية أن ينزع عنها صفة القوة المهيمنة على هذه الدولة وأن يجعلها مجرد شريكة لروسيا ربما يمكن الإستغناء عنها مستقبلاً .
لكن إيران لن تستطيع إلا أن توافق على خطوات بوتين لأنّها حريصة على حليفها الإستراتيجي الأول في المنطقة وهو حزب الله اللبناني ولأنّها تعرف أنّ استمرار وجودها الفاعل في سوريا ضمان لمصالحها الحيوية .
إلا أنّ القوات الروسية بدأت حربها على نحو أقلق المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب حيث برزت جملة تساؤلات ، هل هدف روسيا ضرب داعش والإرهاب أو كل المعارضة السورية للنظام ؟
وبالتالي مساعدة النظام وإحيائه على نحو يستعيد معه السيطرة على كامل الأراضي السورية ؟
وممّا أثار القلق أيضاً هو قيام إيران بإرسال قوة عسكرية رسمياً إلى سوريا الأمر الذي أدّى إلى المزيد من التساؤلات .
فهل هدف طهران إفهام موسكو أنّها لا تزال الأقوى في سوريا وصاحبة الكلمة الأولى؟
أم أنّها تؤكد على أنّها مستعدة لمواجهة أيّ تفاهم روسي - أميركي قد يكون على حساب الأسد وربما على حسابها .
لا تزال الأجوبة على هذه التساؤلات يلفها الكثير من الغموض والضبابية ، إلاّ أنّه لا بد من الإشارة إلى أنّ إطلاق روسيا وإيران معركة لتغيير ميزان القوى على الأرض السورية سيكرس مذهبية الحرب في المنطقة وسيضاعف نفوذ داعش وغيرها ، وربما قد يعطيها بعداً إقليمياً خصوصاً إذا دخلت تركيا فيها .