قبل سنتين ونيّف ، خاض حزب الله معركة القصير إلى جانب جيش النظام السوري ، فنجح في حسم تلك المعركة لصالحه ، بعد أن دمّر القصير فوق رؤوس أهلها وهجّر من هجّر وقتل من قتل ، يومها شعر حزب الله بأنّ تدخله في الحرب السورية سيكون حاسماً لصالح النظام المتهاوي تماماً كما حدث في القصير، ثم جاءت معركة القلمون ، فخاضها الحزب مع النظام السوري بنفس المعنويات ونفس الثقة بالنفس، ليتبين لاحقاً بأنه لا شيء محسوم في سوريا وبأنّ الحرب السورية أكبر وأوسع وأعقد من أن يحسمها حزب من هنا أو ميليشيا من هناك أو نظام من هنالك ، فكانت معركة القلمون الثانية الدليل الحاسم على ذلك ، وبأنّ الحرب سجال ، يوم لك ويوم عليك .
وعندما ذهب حزب الله للقتال في سوريا ، كان في رصيده إنتصارات لمقاومته على المحتل الإسرائيلي وإنجاز التحرير وحرب تموز ٢٠٠٦ ، وظنّ أنّ الوقائع هناك ، ستكون كما كانت عليه في لبنان ، دون أن ينتبه بأنّه عندما كان يمارس فعل المقاومة في لبنان ، كان يقاتل فوق أرضه وبين ناسه ، والعدو الذي يقاتله ، هو عدو تاريخي للبنان وللعرب ، يومها ، كان قتال حزب الله يستند إلى قوّة الحق وعدالة القضية، وهذين العنصرين أقوى من كل صواريخ الأرض، فكان الإستبسال في القتال والصمود حتى الرمق الأخير والطلقة الأخيرة ، والناس كانت تدعم وتتعاطف وتقدم التضحيات الجسام بلا تردد أو تململ ، ففاض رصيد حزب الله عن لبنان ليغطي كل الدول العربية والإسلامية، على الرغم من تركيبته المذهبية الخالصة.
من منّا لا يذكر معركة بنت جبيل في حرب تموز ٢٠٠٦، والتي دارت من بيت لبيت ومن زاروب إلى زاروب، وخرج المحتل الصهيوني من تلك المعركة يجرّ أذيال الهزيمة، حصل ذلك لأن المقاومين هم أصحاب الأرض وأصحاب الحق ، فإستبسلوا في الدفاع عن بيوتهم وعن أرضهم وإستطاعوا دحر الغزاة المحتلين ، لكن في الحرب السورية إنعكست الأدوار ، فحزب الله هناك ليس صاحب أرض ولا صاحب حق ولا يدافع عن قضية عادلة ، بل يدافع عن نظام متهالك فاسد مجرم لا همّ له سوى الإستمرار بالحكم ولو فوق جبال من الجماجم والركام .
وحزب الله في سوريا وإن أطلق على مقاتليه صفة المقاومين ، فهو بعيون السوريين ليس كذلك ولن يكون ، هو مجرد ميليشيا مسلحة غريبة تقاتل الشعب السوري دفاعاً عن النظام المستبد ، وعلى الرغم من تعدد الشعارات والحجج والتبريرات التي ساقها حزب الله لإعطاء مشروعية لتدخله في الحرب السورية ، لكنها كانت كلها دون جدوى ، ولم تقنع بصوابيتها سوى جمهوره الضيق مع تسجيل العديد من حالات التململ ، كما أقنعت التيار العوني لغاية في نفس الجنرال ميشال عون ، وآخر هذه الشعارات المستعارة التي رفعها أمين عام حزب الله ، شعار "طريق القدس تمرّ في الزبداني" .
لكن معركة الزبداني أثبتت أنّ أصحاب الأرض وإن وصموا بالإرهاب ، يبقى لديهم قوة الحق في الدفاع عن أرضهم ، وطريق الزبداني مفتوحة فقط بإتجاه الأفق المسدود، والدليل أن النظام السوري بعد أن إستعان بإيران وكل ميليشياتها في المنطقة، إستغاث مؤخراً وإستنجد بالدبّ الروسي لإنقاذه، بعد أن فقد الأمل بقدرة إيران وميليشياتها على القيام بهذه المهمة المستحيلة، والإستعانة بالتدخل الروسي المباشر في الحرب السورية من قبل النظام السوري ، هو بمثابة الإعلان الرسمي من قبل النظام بأنّ إيران وميليشياتها فشلت في حمايته من السقوط .
وهذا الإستدعاء للتدخل الروسي هو آخر ورقة في جيب النظام السوري ، والتجارب المشابهة تؤكد بأنّ الدبّ الروسي سيغرق في الرمال السورية المتحركة مهما حلق عالياً في سماء سوريا، والشعب السوري الذي أراد الحياة بحرية وكرامة إسوةً بغيره من شعوب الأرض ، وأراد تغيير نظامه الإستبدادي كما فعل الكثير من شعوب المنطقة، لن تثنيه عن ذلك طائرات السوخوي ولا الميغ ولا البراميل المتفجرة ، أما النظام السوري الذي أبى أن يتنازل أمام شعبه ، تنازل للنظام الإيراني وميليشياته من أجل البقاء في الحكم ، لكنه لم يحصد سوى الخيبة ، وتنازل للدبّ الروسي من أجل الغاية نفسها ، وسيحصد الخيبة نفسها .
لكن النتيجة الوحيدة التي حققها التدخل العسكري الروسي حتى الآن غير قتل الأطفال والمدنيين ، هو سطوع نجم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمخلّص للنظام السوري، على حساب نجوم إيران المعتمدين .