لم يغير التدخل الروسي المباشر والكثيف في سوريا كثيراً من جوهر الأزمة، واقتصر في ما يبدو على الشكل، إذ استبدلت طائرات نظام بشار الأسد المتهالكة وصواريخها وبراميلها العمياء، بمقاتلات روسية حديثة وصواريخ فتاكة ومدمرة دقيقة التوجيه نحو المدنيين ومقاتلي المعارضة، وقد تسببت أمس بمجزرة دموية راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلاً وفق وسائل إعلام معارضة، فيما بقيت المواقف الدولية على حالها، وسط تأكيد الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن الأسد الديكتاتور هو المشكلة وأن الصراع هو بينه وبين الشعب السوري بينما موسكو وطهران تطيلان بقاءه، واصفاً المقاربة الروسية في سوريا بالكارثة.

واعتبر الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي أمس أن مقاربة روسيا في سوريا مآلها الفشل. وقال «إنها وصفة لكارثة» والغارات الجوية الروسية «على المعارضة (السورية) المعتدلة لن تكون مجدية»، معتبراً مع ذلك أنه لا يزال من «الممكن» التوصل مع موسكو الى حل سياسي إذا أقرت روسيا «بوجوب تغيير الحكومة» السورية.

وأكد أوباما أن «الصراع في سوريا هو بين الشعب والديكتاتور الأسد». ورأى أن التدخل الروسي سيفضي إلى تعزيز وتقوية «داعش»، معبراً عن رفض أميركا لما يردده الروس أن كل خصوم الأسد إرهابيون.

وقال أوباما إن بقاء الأسد في السلطة يتم بدعم روسيا وإيران وإن بوتين ذهب إلى سوريا «حينما شعر بأن النظام بدأ ينهار«، وانتقد أوباما قيام روسيا بإضعاف المعارضة المعتدلة لحساب تقوية «داعش«.

وجدد أوباما القول إن «مشلكتنا مع الأسد ولا حل بوجوده، وإن الضربات الروسية ستبعدنا أكثر عن الانتقال السياسي«.

وبالنسبة للرئيس الأميركي، فإن «إيران والأسد هما تحالف بوتين، وبقية العالم يمثل تحالفنا». وقال أوباما إن «سوريا ستكون مستنقعاً لروسيا وإيران بسبب دعم الأسد«.

وأضاف: «أكدت لبوتين أن الحل في سوريا هو مرحلة انتقالية من دون الأسد«.

وبينما أشار إلى محاولة أميركا البناء على برنامج التدريب والتجهيز مع الأكراد في سوريا»، أوضح أوباما أن سياسة روسيا فاشلة وستؤدي إلى تجنيد مزيد من المقاتلين الأجانب.

وأضاف أن الضربات الروسية ضد المعارضة لن تخدم الحل الذي نسعى إليه، مؤكداً مواصلة برنامج تدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة.

لكن أوباما أكد أنه «لن نحول سوريا إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. هذا ليس نوعاً من التنافس بين قوى عظمى على رقعة شطرنج«.

واصدرت حكومات فرنسا وألمانيا وقطر والسعودية وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بياناً مشتركا أعربت فيه عن «الأسف العميق بشأن الحشد العسكري الروسي في سوريا، وخصوصاً الاعتداءات التي نفذها سلاح الجو الروسي في حماة وحمص وإدلب، والتي أدت لسقوط ضحايا مدنيين ولم تستهدف داعش«. واعتبر البيان أن «هذا العمل العسكري« يشكل «تصعيداً آخر للأزمة، وسوف يؤدي لتأجيج مزيد من التطرف والجنوح إلى التطرف«.

وبشكل منفصل، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس أنه أبلغ بوتين أن «الضربات ينبغي أن تستهدف داعش وداعش فقط»، فيما قالت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، في مؤتمر صحافي مشترك: «شددنا معاً على أن الدولة الإسلامية (داعش) هي العدو التي علينا محاربته»، نافية أي تباين في وجهات النظر مع هولاند في شأن الموقف من بشار الأسد.

وفي بروكسل، قالت كاثرين راي المتحدثة باسم الجهاز الديبلوماسي في الاتحاد الأوروبي «نحن قلقون جداً من معلومات عن غارات جوية ضربت المدنيين في حمص، ندعو روسيا للضرب بدقة». وأضافت «نقول إن الضربات يجب ألا تمس المدنيين وتستهدف داعش».

كما اتهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أمس روسيا باستهداف مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة. وفي تصريحات للصحافيين الأتراك على متن الطائرة التي أقلته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال إن «النتيجة مقلقة جداً«. وأضاف «العملية برمتها تستهدف مواقع الجيش السوري الحر« و«هذا بوضوح يدعم النظام السوري الذي شارف على الانهيار» مضيفاً «لا أظن أنه من المفيد تدمير المعارضة المعتدلة».

وعلى الرغم من الانتقادات واصلت موسكو شن غارات على مناطق تسيطر عليها المعارضة. وقال مسؤول بوزارة الدفاع الروسية يدعى إيغور كوناشينكوف إن سلاح الجو نفذ 14 طلعة جوية أمس وشن ست غارات ضد أهداف لـ»داعش» ودمر مركز قيادة للتنظيم في محافظة إدلب، علماً أن فصائل المعارضة كانت قد طردت التنظيم منذ عام من إدلب حيث لا وجود له على الإطلاق.

وفي المقابل، قالت «الهيئة السورية للإعلام» إن الطائرات الروسية ارتكبت أمس «مجزرة مروعة بحق المدنيين في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، سقط ضحيتها أكثر من 50 شهيداً وعدداً كبيراً من الجرحى كحصيلة أولية، وذلك بعد أن شن الطيران الحربي الروسي غارات على المدينة استهدفت منازل المدنيين«. وأفاد ناشطون، أن القصف طال مشفى الجبل والمنطقة بجانب جامع أسامة والجامع الكبير في المدينة وجامع عمر بن الخطاب وجامع أبو بكر الصديق وسوق الهال. وأضافت «الهيئة السورية للإعلام» أن الطائرات الروسية ارتكبت «مجزرة أخرى، في مدينة دير حافر شرقي مدينة الباب، سقط ضحيتها أكثر من 20 شهيداً وعشرات الجرحى«.

وطال القصف الروسي منشآت صحية بينها «منظمومة الإسعاف» التابعة لمؤسسة «أورينت الإنسانية» في ريف إدلب. كما طال القصف الروسي المشفى الوحيد في مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي، الأمر الذي أدى إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين والكادر الطبي. واستشهد مدنيان وجرح عدد آخر، جراء غارة روسية استهدفت الأبنية السكنية في مدينة خان شيخون بريف إدلب، بينما طال قصف مماثل قريتي «شنان والرويحة»، من دون ورود أنباء عن وقوع ضحايا. كما استهدفت الطائرات الروسية عن طريق الخطأ محيط قريتي «بابنا والجنكيل» الخاضعتين لسيطرة قوات النظام قرب مدينة الحفة بريف اللاذقية.

وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان« أمس أن سبعة مدنيين على الأقل بينهم طفلان قتلوا في غارات روسية الخميس على محافظة إدلب (شمال غرب). وأوضح المرصد أن «الغارات التي شنتها مقاتلات جوية روسية» في جبل الزاوية الخاضع لسيطرة جبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا ومجموعات متمردة إسلامية أدت الى مقتل «أربعة مدنيين من بينهم طفل وامرأة». وتابع المرصد أن «ثلاثة مدنيين من بينهم فتاة وامرأة قتلوا في غارات لهذه الطائرات في بلدة الهبيط في المحافظة نفسها«.

في غضون ذلك، قالت «حركة أحرار الشام» إنه «تم تحقيق إصابة مباشرة في مبنى القيادة في مطار حميميم الذي يضم ضباطاً روس«، جراء تعرض المطار الواقع بريف اللاذقية، «للقصف بعشرات الصواريخ من نوع غراد«.

وقال أحد إعلاميي الحركة أبو اليزيد تفتناز في حسابه على تويتر، إن القصف طال مبنى القيادة، الذي يضم ضباطاً روساً وسوريين، داخل المطار بصاروخين بالإضافة لإصابات عدة أخرى. وأضاف أن الثوار استهدفوا المطار بعشرات الصواريخ أمس.