بغض النظر عن التوتر المخيم على أفق العلاقات الإيرانية - السعودية الذي حوّل موضوع ضحايا كارثة منى إلى موضوع سياسي بحت ، يجب التوقف قليلاُ عند البعد الغائب في تلك الكارثة وهو عبارة عن البعد العاطفي الإنساني لها لندرك قيمة الإنسان في مجتمعاتنا وعند الحكومات .
ذلك وأنّ الضحايا كانوا بشراً ولهم عوائل ومنتسبين يتوقعون من الدولة السعودية القيام بواجبها الأخلاقي والقانوني والشرعي ناهيك عن أنّ الضحايا كانوا من ضيوف الرحمن ولقوا مصرعهم وهم في أفضل الأحوال الروحية مؤدّين واجباً دينياً (مناسك الحج) .
استوقفني وأنا اكتب هذه الكلمات حوار قناة سي أن أن الفضائية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني إذ يبدأ مجري الحوار بسؤال عن مصير زميله جيسون رضائيان الذي يحمل جواز سفر أمريكي واعتقل من قبل القضاء الإيراني بتهمة التجسس .
لم يجد المحاور موضوعاً لبدأ المقابلة أهم من موضوع اعتقال زميل له في إيران بالرغم من أنّ هذا الزميل يحمل هوية إيرانية وهو إيراني من الأصل .
و رداً على هذه الشكوى يذكر الرئيس روحاني بأنّ هناك إيرانيين في السجون الأمريكية بتهمة خرق العقوبات التي تمّ رفعها بفعل الإتفاق النووي ، وإذ لم يبقَ مفعول للعقوبات فلماذا لم تفرج أمريكا عنهم؟
أقصد من الإشارة إلى هذا الحديث أنّ الإهتمام بشؤون المواطنين أمر إنساني وأخلاقي بإمتياز ، ومن هذا المنطلق ليس غريباً أن تحرص إيران على أرواح مواطنين ذهبوا ضحايا سوء الإدارة مع العلم بأنّ ما أعقب تلك الكارثة من تصرفات الدولة السعودية كان أسوأ إذ كانت توحي بالمكابرة والاستفزاز وجرح المشاعر وليس سوء الإدارة فحسب .
بطبيعة الحال المكابرة على الزوار الذين حلوا ضيوفاً على المملكة السعودية أو بالأحرى وبلغة دينية حلوا ضيوفاً على الرحمن ليس لمصلحة النظام السعودي ولا يبعث على الفخر .
ولكن لم يبذل السعوديون جهداً لتهدئة المتضررين ، فهذا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يرفض لقاء محمد جواد ظريف في نيويورك ويغير طريقه حتى لا يواجه نظيره الإيراني ، هكذا تصرفات تصب الزيت على النار دفعت الرئيس الإيراني على توجيه اتهام عدم الكفائة وسوء الإدارة للسعودية واعتبار كارثة منى أمراً غير طبيعي .
إنّ الدفاع عن حقوق المواطنين واجب يجب أن تتعلمه الأنظمة السياسية في البلدان الإسلامية وإذا لم يجدوا مبرراته في نفوسهم أو في نصوصهم (وفعلاً هذه المبررات موجودة في النصوص الإسلامية) فيجب أن يتعلموها من جار السوء ألا وهو الكيان الصهيوني الذي يفرج عن المئات من الأسرى لقاء رفات جندي له ، وإنّ في دلك لعبرة لمن كان له قلب .