باشرت الطائرات الروسية بعد ساعات قليلة من إجازة مجلس الاتحاد في موسكو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن عمليات عسكرية خارج الحدود، شن غارات جوية في سوريا أعلنت أنها استهدفت تنظيم «داعش»، داعية رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى تسوية لم تتضح ملامحها إلى الآن على الأقل، فيما أكدت المعارضة السورية أن تلك الغارات أصابت أحياء مدنية في ريف حمص ومواقع للجيش الحر في ريف حماة وأسفرت عن سقوط عشرات السوريين بين قتيل وجريح. 

وعبّرت الولايات المتحدة عن استيائها من تلك الضربات الجوية، معتبرة على لسان وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر أنها تؤدي الى «صب الزيت على النار»، فيما عبّرت المملكة العربية السعودية عن قلقها البالغ من تلك الهجمات، وطالبت على لسان ممثلها في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي بأن توقف روسيا غاراتها الجوية في سوريا فوراً، مؤكدة أن الأسد لا يمكن أن يكون طرفاً في أي حرب على الإرهاب لأنه الإرهاب نفسه.

واللافت، أن موسكو التي استثنت باريس من إبلاغها بالغارات واكتفت بإبلاغ شفوي لواشنطن وقت حدوثها، نسقت غاراتها تلك مع إسرائيل التي تم إبلاغها قبل شن الغارات، ودعت في الوقت نفسه بشار الأسد إلى تسوية سياسية لا تظهر لها أي ملامح، حتى الآن على الأقل.

وجاءت الضربات الجوية هذه قبل ساعات من قيام روسيا بتقديم مشروع قرار الى مجلس الأمن يدعو الى قيام «تنسيق بين كل القوى التي تواجه تنظيم «داعش» والبنى الإرهابية الأخرى».

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الطيران الروسي قام بعشرين طلعة جوية وأصاب «ثمانية أهداف لتنظيم داعش» في سوريا، مدمراً بشكل خاص مركز قيادة. وقالت الوزارة في بيان «هاجمنا ثمانية أهداف. وقد أصيبت جميعها. إن الاهداف وبخاصة مركز قيادة لإرهابيي تنظيم «داعش» دُمرت تماماً«.

إلا أن الولايات المتحدة شككت بحقيقة الأهداف التي قصفها الطيران الروسي ورجحت ألا تكون مواقع لتنظيم «داعش».

وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر تعليقاً على الغارات الروسية «يبدو أنها حصلت في مناطق لا توجد فيها على الأرجح قوات لمجموعة داعش»، وأضاف «إن مقاربتهم محكومة بالفشل» مضيفاً «ما يقومون به لن ينجح وهو غير بناء».

واعتبر أن الاستراتيجية الروسية عندما لا تلحظ وجود عملية انتقالية سياسية ورحيل بشار الأسد عن السلطة فهي تؤدي الى «صب الزيت على النار».

كما قال مسؤول عسكري أميركي إن هذه الغارات الروسية استهدفت قوات معارضة وليس متطرفي تنظيم «داعش»، بعكس التصريحات الروسية.

وقال المسؤول الأميركي طالباً عدم الكشف عن اسمه «لم نشاهد أي ضربات ضد داعش، وما شاهدناه هو ضربات ضد المعارضة السورية». 

وفي السياق نفسه قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي إن الولايات المتحدة لن تعارض الضربات الجوية الروسية في سوريا إذا كان الهدف «الحقيقي» منها هزيمة تنظيم «داعش». وتابع «أوضحنا أننا سنشعر بالقلق البالغ إذا ضربت روسيا مناطق ليست فيها أهداف لداعش والقاعدة». وقال أن «أي ضربات من هذا النوع ستضع علامات استفهام حول نيات روسيا الحقيقية وهل هي القتال ضد داعش أم حماية نظام الاسد». وقال أيضاً «علينا أن لا نخلط، ولن نخلط، بين قتالنا ضد داعش ودعم الأسد، و»داعش» نفسها لا يمكن هزيمتها ما بقي بشار الأسد رئيساً لسوريا». 

إلا أن البيت الأبيض كان أكثر حذراً في تعليقه على الموضوع نفسه معتبراً أنه من المبكر تحديد المواقع التي استهدفتها الغارات الروسية.

وقال المتحدث جوش ايرنست إنه «من المبكر بالنسبة لي أن أقول ما هي المواقع التي استهدفوها، وما هي الأهداف التي ضربوها»، ولكن البيت الأبيض قال إن بوتين لا يستطيع التصرف بشكل منفرد في سوريا.

ويأتي هذا التسارع في التدخل الروسي في سوريا على خلفية اختبار قوة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي حول مستقبل الأسد، حيث أن الأول يعتبره «طاغية» لا يمكن أن يكون له دور في مستقبل سوريا، في حين أن الثاني يعتبره أساسياً في الحرب على تنظيم داعش.

وكان كيري اتصل الأربعاء بنظيره الروسي سيرغي لافروف واعتبر الضربات الروسية غير بناءة. كما اعتبرت واشنطن أن هذه الضربات لن تغير شيئاً في المهمات العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق.

وأعلنت واشنطن عن الضربات الروسية قبل تأكيدها من قبل وزارة الدفاع الروسية. 

كما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في تصريح صحافي من نيويورك الأربعاء أن «هناك إشارات تفيد بأن الضربات الروسية لم تستهدف داعش»، مضيفاً «أن الضربات يجب أن توجه الى داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى وليس الى المدنيين والمعارضة المعتدلة».

وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أمس أمام الجمعية الوطنية رداً على سؤال نائب «أن رد الاعتبار للأسد سيكون خطأ أخلاقياً وخصوصاً سيفضي الى حالة من الشلل لأن السوريين أنفسهم لن يقبلوا بذلك كما لن توافق على ذلك أي من الدول العربية السنية في المنطقة». 

ودان الائتلاف السوري المعارض بشدة «القصف الوحشي الذي نفذته طائرات حربية روسية لمواقع مدنية سورية في ريفي حمص وحماة، وأدى إلى إيقاع ضحايا مدنيين؛ بينهم أطفال ونساء».

وقال في بيان إن القصف «وما يتوارد عن إرسال وحدات روسية خاصة إلى ثكنات ومطارات عسكرية تمهيداً لعمليات برية؛ يمثل عدواناً سافراً على الشعب السوري بكافة مكوناته (...) كما يُقوض مزاعمها (روسيا) في السعي لإيجاد حل سياسي».

واتهم رئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجا موسكو بأن الهدف من غاراتها الجوية هو «الإبقاء» على الأسد في السلطة وليس قصف مواقع تنظيم «داعش»، كما أعلن عن مقتل 36 مدنياً في القصف الروسي على موقع في محافظة حمص. 

أما مدير الدفاع المدني في ريف حمص الشمالي الذي تسيطر عليه المعارضة عبد المنعم اسطيف فقال عبر الانترنت «نقلت فرقنا اليوم 43 شهيداً مدنياً بينهم ستة أطفال وأكثر من مئة جريح» جراء الضربات الروسية التي استهدفت تلبيسة والرستن والزعفرانة والمكرمية.

وقال إن «طائرتين حربيتين متلازمتين شنتا بدءاً من الثامنة صباحاً ضربات جوية في الزعفرانة ثم تلبيسة وقرية المكرمية المجاورة ثم الرستن.. وذلك بعد تحليق طائرات استطلاع لنحو 5 ساعات».

وبحسب اسطيف، تبع القصف الجوي للمرة الأولى اشتعال حرائق ضخمة تطلبت حضور فرق الإطفاء الى جانب فرق الإسعاف.

ونفى اسطيف استهداف أي مقار للفصائل موضحاً أن المقار التابعة لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام موجودة على أطراف هذه المدن والبلدات التي تديرها مجالس محلية مدنية.

وأكد أحمد وهو ناشط ميداني ساهم في إسعاف الجرحى في ريف حمص الشمالي عبر الانترنت أن الضربات الجوية استهدفت المدنيين ولم تستهدف أي مقر لأي فصيل، نافياً أي وجود لتنظيم «داعش» في المنطقة.

وقال إن «أكثر من خمسين منزلاً تدمروا بالكامل جراء القصف الجوي على مدينة تلبيسة حيث استشهد 22 شخصاً«.

وأوضح أن القصف على الرستن «استهدف سوقاً للخضار والفاكهة وتسبب بمقتل 8 أشخاص بينهم 4 أطفال. ودعا الائتلاف «مجلس الأمن الى التحرك المسؤول لإلزام موسكو بوقف عدوانها والانسحاب الفوري من كامل الأراضي السورية»، معتبراً أنه «لا بد للعالم أن يدرك بأن سلوك الحكومة الروسية العدواني يشكل دعماً مباشراً لقوى الإرهاب، وعامل تغذية لها، خصوصاً أنه ينتهج أسلوب النظام نفسه في استهداف المدنيين بقصد قتلهم وتهجيرهم».

وتسيطر جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) على معظم المناطق التي استهدفها القصف الروسي في محافظة حمص، حيث تسيطر قوات النظام على مدينة حمص مركز المحافظة باستثناء حي الوعر، وعلى مناطق أخرى في المحافظة، فيما يسيطر تنظيم «داعش» على مناطق واسعة في الريف الشرقي أبرزها مدينة تدمر الأثرية.

أما المناطق التي طالها القصف في حماة، فمعظمها تحت سيطرة فصائل إسلامية وأخرى «معتدلة»، فيما تسيطر جبهة النصرة وفصائل مبايعة لتنظيم «داعش» على بعضها الآخر.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء خلال اجتماع للحكومة الروسية إن على روسيا أن تتحرك بشكل استباقي لضرب الجهاديين في سوريا قبل أن يصلوا الى بلاده.

وقال في تصريحات متلفزة «الطريقة الوحيدة الصحيحة لقتال الإرهاب الدولي هي التصرف بشكل استباقي وقتال المقاتلين والإرهابيين على الأراضي التي يسيطرون عليها والقضاء عليهم، وعدم انتظار وصولهم إلينا».

كما قال بوتين الداعم الثابت للأسد، إنه يأمل في أن يقبل الرئيس السوري بـ»تسوية». وقال «التسوية النهائية والدائمة للنزاع في سوريا ممكنة فقط على أساس إصلاح سياسي وحوار مع القوى السلمية في البلاد».

وأضاف «أعرف أن الرئيس الأسد يتفهم ذلك وأنه مستعد لمثل هذه العملية». 

وأكد بوتين أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يقتصر على الضربات الجوية دعماً للقوات الحكومية السورية مستبعداً في الوقت الراهن إرسال قوات على الأرض. وأضاف «تم إبلاغ كافة شركائنا بالمخططات والتحركات الروسية في سوريا» داعياً «كافة الدول المهتمة بمكافحة الإرهاب» الانضمام الى مركز التنسيق الذي انشأته سوريا وإيران والعراق وروسيا في بغداد.

وفي المقابل، فإن موسكو أبلغت اسرائيل أنها على وشك أن تشن غارات جوية في سوريا قبل تنفيذها. وصرح مسؤول إسرائيلي لوكالة «فرانس برس» أن روسيا أبلغت إسرائيل مسبقاً بالعملية.

وطالب رئيس الوزراء التركي احمد داود أوغلو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأربعاء بإقامة «مناطق آمنة» في سوريا لحماية المدنيين الفارين من البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام السوري، ومن هجمات تنظيم «داعش». ودعا داود اوغلو الى التحرك العاجل لتحقيق «الأمان للسوريين النازحين داخل بلدهم، وإقامة منطقة آمنة خالية من القصف الجوي الذي ينفذه النظام والهجمات البرية التي يقوم بها داعش وغيره من المنظمات الإرهابية».