فيما المؤتمنون على الرئاسة يعرقلون الاستحقاق، والقيمون على تسيير امور الناس يعطلون الحكومة والمجلس معا، تلقى لبنان جرعة دعم دولية كبيرة، لم تترجم بالارقام الضرورية لإخراجه من ازماته التي ضاعفها وجود لاجئين على أرضه، لكنها ترجمت بمواقف مؤيدة لحكومته، وحاضة على انتخاب رئيس، ودافعة في اتجاه المحافظة على استقراره، ولعل كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عبّر بوضوح عن هذه الارادة الدولية بقوله: "لا يمكن السماح للفوضى بأن تعم لبنان".
واذا كانت قضايا اللاجئين السوريين وتداعيات الازمة السورية طغت على كلمة الرئيس تمام سلام امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، فان كلمته في الاجتماع الخامس لمجموعة الدعم الدولية جاءت ذات مذاق آخر نظرا الى توغلها ولو بإيجاز الى ازمة الفراغ الرئاسي من منطلق دعوته جميع "القادرين على التأثير الإيجابي للدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بطريقة ديموقراطية" مشددا على ان "الاوان آن للتحدث الى الاصدقاء والخصوم لفصل الانتخابات الرئاسية عن كل القضايا الاخرى العالقة في المنطقة".
واضاف: "إن لبنان الضيّق المساحة والقليل القدرات... يستضيف منذ أربع سنوات مليونا ونصف مليون نازح سوري، أي ما يقاربُ ثُلُثَ عدد سكانه. لقد استُنزِفت البنى الحكومية والمجتمعات المضيفة في لبنان إلى أقصى الحدود، في وقت تتراجع المساعدات الدولية باطراد بسبب ما نسمعه عن "تعب المانحين". إن لبنان، المتمسك بالتزاماته الدوليّة، يكرّر النداء إلى الدول المانحة للوفاء بتعهداتها، لا بَلْ إلى مضاعفة مساهماتِها المالية، وتقديمِ المساعدات المباشرة للمؤسسات الحكومية وللمجتمعات اللبنانية المضيفة، وذلك طبقاً لخطة الاستجابة التي أطلقها لبنان بالتعاون مع الأمم المتحدة في كانون الأول الماضي".
الترقيات: حل أو لا حل؟
لكن النظرة الايجابية الى لبنان والاحاطة الدولية به في نيويورك لم تحجبا الحال الضبابية التي تسود الاجواء الداخلية، وعندما يعود الرئيس سلام اليوم، سيجد الامور معقدة اكثر مما كانت لدى سفره، آملا في أن تنتج حركة الاتصالات توافقات تتيح له عقد جلسة لمجلس الوزراء. ذلك أن حكومته باتت مهددة، كما الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري. فعقدة الترقيات العسكرية تراوح مكانها، ولا جديد سوى ما صدر من تصريحات لتبديد ما ورد في ورقة البنود التسعة التي سرّبت واعتبرها العماد ميشال عون بمثابة فخ لم يقع فيه، خصوصاً ان القرار في الرابية أنه لن يكون تعيين للمدير العام لقوى الأمن الداخلي ما لم يكن هناك تعيين لقائد الجيش، وأنها، أي الرابية، لا دخل لها بأي صفقات وهي خارج "البازار" السياسي، بل ثمة حقوق، على حد تعبير مصدر في "التيار الوطني الحر". وقال المصدر: "نحن لم نطلب أي شيء ولا حتى قبلنا، هم عرضوا علينا وهم وضعوا العراقيل. يناورون ويقدمون مبادرات ويتراجعون عنها وحتى يهربون من التزاماتهم". وأكد المصدر: "أننا غير معنيين بالبازار المطروح في موضوع الترقيات العسكرية ولا نفاوض عليها، بل ما نريده فعلاً تحقيق الشركة الفعلية على صعيد الرئاسة وقانون الانتخاب والتعيينات".
وعلمت "النهار" ان الاقتراح البديل الذي عرض امس والذي يوافق عليه وزراء الرئيس ميشال سليمان وربما الكتائب، استنادا الى مصدر وزاري، يقضي بتأجيل تسريح العمداء الذين يبلغون سن التقاعد مدة سنة، ويتم ذلك في مجلس الوزراء بقرار من وزير الدفاع بناء على اقتراح قائد الجيش بموجب المادة 55 من قانون الدفاع. وعندها يبقى العميد شامل روكز في مكانه. واعتبر المصدر الوزاري ان هذا الحل لا يتعارض مع القوانين المرعية.
في المقابل، أكد مصدر كتائبي لـ"النهار" أن عملية ترقية العميد شامل روكز إلى رتبة لواء "فرطت، ولا يمكن أن تتمّ". وأضاف أن "مدة هذه المشكلة مع النائب ميشال عون ستكون 15 يوماً الى حين إحالة روكز على التقاعد، أما في حال ترقيته فستمتد المشكلة سنة و15 يوماً". وسئل عن رد فعل عون المتوقع، فأجاب: "ماذا يقدر أن يفعل؟ يقدر أن يعطل الحكومة وجلسات الحوار، فليعطلها ولتتحوّل حكومة تصريف أعمال. وإذا استقال وزراء تكتله فيتولى وزراء بدلاء وزاراتهم بالوكالة. في الأساس هو عطّل رئاسة الجمهورية ".
الحكومة
حكوميا، أبلغت مصادر وزارية "النهار" أن رئيس الوزراء الذي سيعود الى بيروت اليوم سيبادر الى الاجتماع بالرئيس بري للتشاور في المعطيات المتوافرة ليقرر سلام في ضوئها ما إذا كان سيدعو الى جلسة لمجلس الوزراء أم لا. وكان الرئيس سلام وفي اتصالاته في نيويورك تبلّغ من المراجع الدولية ضرورة تفعيل عمل الحكومة كي لا يخسر لبنان الدعم الذي سيتلقاه فضلا عن خسارته الدعم الذي سيحوّل اليه لتحمل أعباء اللاجئين السوريين. ولفتت المصادر الى ان الجهات الديبلوماسية التي حاولت في الايام الثلاثة الأخيرة أن تضغط في اتجاه إقرار تسوية الترقيات في المؤسسة العسكرية، تراجعت امس ودعت الى البحث عن مخارج جديدة.
في موازاة ذلك، علمت "النهار" من مصادر في كتلة "المستقبل" أن الرئيس بري لا يزال يعمل على أساس ان الافق ليس مسدودا امام الحلول التي من شأنها أن تنشّط الحوار النيابي والحكومة. ولم تستبعد أن يكون ثمة مجال لتسوية يقرّها مجلس الوزراء عندما ينعقد لاحقا.
جنبلاط
وعلق رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط على مجمل الوضع فقال لـ"النهار": "أراقب التصريحات العشوائية والهمايونية التي اذا كانت تهدف الى شيء، فهي تهدف الى ضرب التسوية السياسية التي كنا على وشك انهائها مع العماد ميشال عون والتي أجهضت في آخر لحظة". وأضاف: "كفى مزاحاً مع العماد عون. وأتفهم موقفه وكفى استنتاجات دستورية من هنا وهناك فالموضوع سياسي".