هي قصة الصدرية التي تستخدم أكسسواراً للإغراء لدى بعض النساء، وينظر إليها كرمزٍ لقمع المرأة للبعض الآخر. في جميع الأحوال، تعكس الصدرية تطور المرأة في المجتمع، وتغير نفسيتها، وحتى جسدها، مع تسلسل الحقبات الأساسية في التاريخ الاجتماعي. تكاثرت المعلومات حول تمييز الحقبات المختلفة التي مرّت بها الصدرية في الشكل والمضمون، إلى أن أتى اكتشاف أثري مثير للاهتمام عام 2012 قلب المعايير، وأعاد الشكل الذي نعرفه عن الصدرية إلى زمن سحيق.
بين قمع الصدر وقمع دور المرأة كانت الموضة لدى الرومانيين واليونانيين 400 عام ق.م. أن تخفي المرأة صدرها بلفّه بشرائط من الأقمشة بطريقة مشدودة جداً، فلا يظهر شكله أو حجمه إلى العلن. تبدأ الفتاة منذ صغرها بتبني ذلك الطقس الاجتماعي لحل تلك الإشكالية، أي منع الصدر من أن يكبر بطريقة عادية. أسماء عدة أعطيت لتلك الأدوات التي كان من شأنها أيضاً أن تساعد المرأة في العمل وممارسة الرياضة، أشهرها Mastodeton. انتظر الصدر قروناً عدة ليتحرر من تلك الممارسات ويدخل القرون الوسطى بحلة جديدة ومثيرة، مع المشد الذي يربط بأشرطة من الظهر أو Corset. استخدم في البداية لترفيع حجم القسم الأعلى من الجسم، وفي الوقت نفسه لإخفاء الصدر، مع العلم أن الكنيسة كانت تفضل آنذاك تقليص أهمية الصدر الإغرائية.
بعدها انقلبت المعايير، وأصبح المشد يساعد على رفع الصدر إلى أقصى درجاته، ليجعل الحلمتين تخرجان منه. نتج عن ذلك الفائض من الإغراء مرسوم كتب في أواخر القرن الرابع عشر، يمنع المرأة من لبس الصدرية بطريقة جازمة.
ربما يكون ذلك المشد الذي كان من المفترض أن ينحت جسم المرأة عبر تكبير الأرداف والصدر، من أخطر الأسلحة التي استخدمتها المرأة، لأنه سرعان ما انقلب ضدها، وأصبح يسبب حالات من التقرحات والإجهاض وتشوهات في القفص الصدري والعمود الفقري، بحسب التقارير الطبية الصادرة في تلك المرحلة. من خلال قمع جسم المرأة بتلك الطريقة، تقلّصت حرية تحركاتها ودورها في المجتمع الذكوري، خصوصاً في أوائل القرن التاسع عشر، فكان تصميم المشد ينحدر أكثر حتى الأرداف، وهذا ما جعل مقاييس الجمال تميل إلى النساء الشاحبات اللون والحزينات، يمشين بخطواتٍ متمهلة وبالكاد يتحدثن. حقيقة أصل حمالة الصدر كانت يعتقد أن جذور حمالة الصدر بالشكل الذي نعرفه الآن، تعود إلى بداية القرن العشرين، إلى أن اكتشف علماء آثار من النمسا عام 2012، صدرية شبيهة جداً بالتي تستخدمها المرأة اليوم، تعود إلى القرن الخامس عشر.
لا دليل على استخدام الصدرية في القرون التي تلت، ربما لأن ذلك التصميم لم يلق شهرةً آنذاك، أو لأي سببٍ آخر. ما نعرفه أن العودة حصلت على يد الفرنسية Herminie Cadolle عام 1889، التي قدمت تصميماً كان مزيجاً بين المشد والصدرية، لكنه لم ينل الكثير من الشهرة. مقالات أخرى هل فعلاً يحب الرجال البكيني؟ أغرب العادات المتعلقة بالمرأة في العالم العربي انتظرت المرأة القرن العشرين حتى تكتشف الصدرية وتتبنى ميزاتها، مباشرةً قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، حين صممت الأميركية Mary Phelps Jacob الصدرية الأولى على الشكل الذي نعرفه اليوم، أي فصل الصدر عند لبس الصدرية في كوبين منفصلين أو Cups. تم تصميم الصدرية عن طريق الصدفة، وبسبب الحاجة، أي عندما تكون المرأة على عجلة من أمرها قبل الذهاب إلى حفلٍ ما، ولا تملك الوقت الكافي لتلف صدرها بالمشد، تستخدم محرمتين وشريطاً ودبوساً مشبكاً لتخرج بسرعة من غرفتها. مرحلة "الغلامور" حرير، أو موسلين، أو نسيج الرايون.
بدأت شعبية الصدرية تكبر منذ العام 1920، وفي العام 1928 تم اختراع الأكواب لتلائم الأحجام المختلفة. شهدت الخمسينات والستينات من القرن الماضي انتقال الصدرية من مرحلة العملي إلى مرحلة الجميل والأنيق. فحملت الخمسينات الموضوع إلى ذروة الإغراء مع اختراع تصميم الصدرية المخروطة الشكل، أو Cone bras، كالتي لبستها المغنية الأميركية مادونا في الثمانينات من تصميم Gaultier. أما الستينات ففضلت الصدر الأصغر حجماً خلف صدرية دائرية الشكل. مع اندلاع الثورة الأنثوية في مايو 1968، تم إعدام الصدرية بصفاتها "الشيك"، ومالت النساء إلى عدم ارتداء أي شيء تحت القميص، بما أن ذلك الأكسسوار كان يرمز في تلك الفترة إلى القمع الذكوري، وهو ما دفع بعض النساء إلى إحراق الصدريات التي كن يمتلكنها.
حملت الثمانينات الصدرية إلى عالم للإغراء لا حدود له، فدخل الدانتيل في تصاميمها، وتكاثرت الحشوات في الكوبين، وأصبح ذلك الأكسسوار المفضل لدى النساء، كما الرجال. منذ أعوامٍ قليلة، تم انتخاب إعلان العارضة Eva Herzigova لماركة Wonderbra من التسعينات ”Hello Boys”، أكثر صور الإعلان شهرةً في التاريخ، ألا يكفي ذلك لفهم صدرية التسعينات بصورةٍ أوضح؟ أصبح الأمر رسمياً مع الـ Décolleté، فهو سلاح الإغراء الأقوى بين يدي المرأة، هل يشك أحد في ذلك؟ عبارة Victoria’s Secret تعبّر عن الكثير من الأحاسيس لدى الرجل، نتيجة تلك العروض للملابس الداخلية على أجساد مثالية للإغراء، وتلك الصدريات التي ترفع وتكبر الصدر نحو خيالٍ أوسع، خيال مختلف تماماً عن نظيره في العصور القديمة، وبطبيعة الحال عن الخيال الذي سيحكم المستقبل.