أكثر من مصدر وزاري حمّل تيار المستقبل، أو على الأقل أطرافاً فيه، مسؤولية «الزعبرة» عبر تسريب بنود من «خارج التفاوض»، بخلاف ما كان يجري التفاهم عليه لملء الشواغر في المجلس العسكري وشرعنة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وضباط آخرين، إضافة إلى ترفيع عدّة ضباط إلى رتبة لواء، بينهم العميد شامل روكز.

وقد تولّى العماد ميشال عون الاعلان عن رفضه الصيغة المسرّبة، مشيراً بعد الاجتماع الأسبوعي لتكتل التغيير والاصلاح إلى أنه «إذا لم يكن هناك قائد للجيش، فلن يكون هناك مدير عام لقوى الأمن الداخلي. ومن كتب هذا البند، يجب أن يتذكر أنه تعهد بأن ينجز هذين الأمرين معاً (في إشارة إلى الاتفاق بينه وبين الرئيس سعد الحريري حول روكز والعميد عماد عثمان)... نحن نلتزم بما نقوله ونتعهد به، ونريد من الجميع أن يكونوا كذلك، أي أن يسمعوا ما يقولونه ويفوا بتعهداتهم، ويحترموا كلمتهم، لكن يبدو أنهم يريدون أن يطيّروا الحوار».
تصعيد عون، الذي لم يكن قد أعلن موافقته على التسوية بصيغتها السابقة إلى حين الحصول على موافقة أولية من غالبية الكتل السياسية، قابله تشدّد من قبل الرئيس السابق ميشال سليمان الذي كرّر أمس موقفه الرافض للتسوية، مشيراً إلى أنه مع «ضرورة إبقاء المؤسسة العسكرية خارج إطار الصراعات والمقايضات»، وهو ما يتشارك فيه مع حزب الكتائب.
ولم تنجح الزيارة التي قام بها الوزير وائل أبو فاعور، أول من أمس، لسليمان، ولا اتصالاته بالنائب سامي الجمّيل، في إقناعهما بالعدول عن الاعتراض على التسوية، في ظلّ الحماسة التي يبديها جنبلاط، وانتهاء الانقسام القائم داخل تيار المستقبل بانصياع الرئيس فؤاد السنيورة لموقف الرئيس سعد الحريري المشجّع لحصول التسوية.


التزام الحريري «قاطع» بالتفاهم حول الترقيات ورفض سليمان والكتائب يهدد التسوية

 

وبحسب المصادر، فإن ردّي سليمان والجميّل على أبو فاعور كانا شبه منسّقين للقول: «هلق تذكرتونا؟»، في إشارة إلى عدم دعوة الطرفين إلى الخلوة التي عقدت برعاية الرئيس نبيه بري بعد جلسة الحوار الأخيرة في مجلس النواب لمناقشة التسوية.
مصادر وزارية في التيار الوطني الحرّ قالت لـ«الأخبار» إن «ما نشر عن التسوية غير صحيح. هذا الموضوع لم يجر التطرق إليه في أي مرحلة من مراحل التفاوض والوساطات». ونقلت عن رئيس الحكومة تمام سلام تأكيده أن «الحريري أعطاه كلاماً قاطعاً بأنه مع حل المشكلة بحسب ما كان يجري التفاهم عليه، أي بتطبيق قانون الدفاع لجهة ملء الشغور»، وعليه، «يفترض بأن التفاهم لا يزال سارياً، على أن يوضع موضع التطبيق في أول جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل». وأوضحت المصادر: «أجواؤنا حتى الآن أن الأمور ماشية، وقد يكون ما نشر محاولة من بعض الأطراف في المستقبل لجسّ نبض حول إمكان تمرير تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي. أما إذا كان وراء الأمر توزيع أدوار، فهذا يعني أنهم يريدون إفشال التفاهم». ورأت أنه «لا قدرة لسليمان ولا لغيره، على تعطيل تفاهم يسير فيه الحريري وجنبلاط وبري وعون وحزب الله».
على ضفّة المستقبل، أكدت مصادر في التيار لـ«الأخبار» أن «الحريري قاطع فعلاً في التزامه بالتسوية». لكنّها لفتت إلى أن «سليمان والكتائب، عددياً، يستطيعان عرقلة التسوية في مجلس الوزراء، خصوصاً أن القوى الأساسية، أي الحريري وجنبلاط وبري، بالكاد تبلع التسوية لوقوفها على خاطر قائد الجيش». ونفت أن يكون التصعيد الأخير «انعكاساً لأي تحوّل إقليمي أو دولي، لأن أحداً لا يفكّر فينا حالياً».

عون ووزير المال

على صعيد آخر، وجّه العماد عون أمس انتقادات إلى وزير المال علي حسن خليل، على خلفية ما سمّاه «خطة لإفلاس المتعهدين اللبنانيين»، متّهماً الوزير بعدم دفع مستحقات مالية لمتعهدين يعملون مع وزارة الطاقة. وقال: «لدينا ملفان كبيران تمت إحالتهما مع المستندات المطلوبة على المدعي العام المالي؛ الأول أحيل عام 2009 عن مبلغ 985 مليون دولار، أي ما يقارب مليار دولار، وحتى اليوم لم يستدع المدعي العام أي شخص معني بهذا الموضوع. ثانياً، تمت إحالة ملف إعادة النظر في الموازنات والحسابات عام 2013، التي لم تنته منها وزارة المال حتى اليوم. ونتمنى أن تنتهي هذه الحسابات مع نهاية القرن الـ21. هناك أهمية كبيرة لهذا الموضوع، خصوصاً أن الموازنات الأخيرة شهدت على الكثير من العجائب المالية، حيث إن هناك 11 مليار دولار حتى عام 2009».
وردّ خليل بقسوة على كلام عون بالقول: «أفهم جيداً توتر الجنرال عون ورميه الاتهامات، بعدما نقل له نواب تكتله بالتأكيد أجواء لجنة الاشغال والطاقة اليوم (أمس)، والتي كشفت بالوثائق المشكلة الحقيقية في ملف تلزيم إنتاج الكهرباء وإصرار وزارة الطاقة، ومن لزّم فيها، على تجاوز الاصول القانونية ومخالفة قرارات هيئات الرقابة». وأضاف: «استطراداً لما قاله عن صراخ متعهدي وزارة الطاقة، وبما أنه تعوّد التحديات الخاسرة، أتحداه أن يعلن ما هي الشبهات التي لم يتكلم عنها ليبنى على الامر مقتضاه، باعتبار أننا لم نجد في ما قاله ما يستحق التعليق أكثر في الاعلان».


حزب الله يتدخل بين عون وبري والطرفان يؤكدان حصر الخلاف في «الشق التقني»

 


مصادر وزارية في التيار الوطني الحرّ أشارت لـ«الأخبار» إلى أن «كلام عون حول وزارة المال هو ردّ فعل على ما جرى (أمس) أمام وزارة الطاقة، لأنه لا يجوز تحميل وزير التيار مسؤولية الفشل في تأمين الكهرباء، فيما وزارة المال ترفض دفع الأموال للشركات». واستبعدت المصادر أن «يكون لهذا الموقف انعكاس على العلاقة مع برّي، إنما الأمر محصور في شقّ تقني».
من جهتها، أشارت مصادر مقرّبة من خليل إلى أن «وزير المال أوضح في لجنة الطاقة للنواب، بالوثائق والمستندات، أن الذنب ليس ذنب وزارة المال. فمنذ أن وقع الخلاف في تشرين الأول 2014، بعد التعديلات على مشروع الكهرباء، برز رأي داخل وزارة الطاقة نفسها يقول بأنه يجب أن تعرض التعديلات على ديوان المحاسبة. وعندها تدخل الجنرال عون والوزير الياس بو صعب، فقامت الوزارة بالدفع، ولم يعرضوا الأمر على الديوان. وبعد شهرين اعترض الديوان، وقال إنه يجب أن تعرض وإنه هو من يقرّر، فردّت وزارة الطاقة بأنها لا تريد الالتزام، فقررت الوزارة أن لا تدفع. ولكن عندما اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالدفع، تأمّن الغطاء القانوني والسياسي، فتمّ تحويل الأموال، وهي تدفع من حينها بشكل دوري بانتظام».
بدورها، رأت مصادر وزارية مقرّبة من برّي أن «السجال مع عون لن يأخذ أبعاداً. اتهمنا، ورددنا عليه في مسألة، وانتهينا»، مشيرة الى أن «برّي من أكثر المتحمسين لإرضاء عون في مسألة التعيينات، وبدا سعيه واضحاً في الوصول إلى تفاهم، على الرغم من اتهامات الكتائب وسليمان والسنيورة وقهوجي بالتحيّز لعون، ومحاولة استغلال الحوار لتمرير قانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية بما يرضي عون». حتى إن برّي، بحسب المصادر، «ابتدع حلّاً لقانون استعادة الجنسية، بالإشارة إلى عون بتقديم اقتراح معجّل مكرّر لتقديمه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للمرور فوق عقبات اللجان النيابية». ولذلك، استغربت المصادر «تلويح عون بعدم المشاركة في الحوار». وليلاً، علمت «الأخبار» أن حزب الله دخل على خطّ الحلحلة بين بري وعون، لحصر الموضوع في إطاره التقني، بعيداً عن أي انعكاس على علاقة الحليفين.