في زمن همشت فيه الامم المتحدة، وتزعزعت شرعيتها، في بعض الحالات، واصبحت قراراتها غير قابلة للتنفيذ وحل الخلافات في دول العالم، مما ادى الى حروب ودمار وخروج عن كل المواثيق والاعراف الدولية. وقد رافق ذلك اتخاذ قرارات احادية الجانب، الامر الذي يتعارض مع مبادئ الامم المتحدة حتى استعادت الاخيرة جزءاً من دورها واهتمامات العالم من خلال الازمة السورية التي اخذت كل الاهتمامات وسرقت الاضواء، وحازت على كل خطابات الجمعية العمومية للامم المتحدة في دورتها السبعين وبالتالي كانت الازمة السورية «نجم» الدورة السبعين في حضورمعظم قادة العالم، وفي مقدمهم الرئيسان الاميركي والروسي باراك اوباما وفلاديمير بوتين الذي يحضر الدورة الاممية للمرة الاولى منذ 10 سنوات.
كما حضر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون والرئيس الصيني والرئيس الايراني حسن روحاني الذي التقى الرئيس الروسي بوتين قبل ان يغادر الى بلاده بسبب مشاركته في تشييع جثامين الحجاج.
واللافت ان كلمتي الرئيسين الاميركي والروسي فصلت بينهما ساعة تقريباً، وحظيا باهتمام العالم من باب الازمة السورية. وكانت مواقفهما نارية وعبرت عن الانقسام الدولي والغربي حولها. والبارز ان خطابي الرئيسين الاميركي والفرنسي حملا هجوماً عنيفاً على شخص الرئيس الاسد ووصفاه بالديكتاتور... وانه لا يمكن التعامل معه ولا يمكن التعامل مع شخص يلقي البراميل المتفجرة على شعبه، فيما دافع الرئيس بوتين عن الرئيس الاسد، مؤكداً انه من الخطأ العمل لحل الازمة السورية من دون الرئيس الاسد واعلن دعمه للجيش السوري وللحكومة الشرعية.
وبعيدا عن الازمة السورية كان لافتاً ان اوباما ابدى رغبة واشنطن بالانسحاب من المشاكل الدولية ولم يقدم نفسه كزعيم للواجهة الغربية في ظل تأكيد رفضه العودة للحرب الباردة، ولذلك فان اوباما اكد على التعاون مع روسيا وايران لحل الازمة السورية، ولم يظهر كأنه يضع خطوطاً حمراء لروسيا في سوريا، فيما الرئيس الروسي استطاع من خلال خطابه قلب الطاولة ويفرض سياسة بلاده في المنطقة وفي عدة مسائل دولية محبطا اي محاولة لعزله وعزل بلاده من قبل اخصامه السياسيين. بالتالي فان مناخات الحرب الباردة سيطرت على اجواء الجمعية العمومية رغم تأكيد اوباما انه لا عودة للحرب الباردة مع موسكو، وبالتالي ظهر اوباما وبوتين نجمي الدورة السبعين.
اما باقي الكلمات فتمحورت حول الملف السوري ايضاً، فيما تطرق بعض رؤساء الدول للملف اليمني وسبل مواجهة الارهاب. لكن البارز ان فلسطين غابت كلياً عن اهتمام خطابات رؤساء الدول ولم يتطرق اوباما ولا بوتين للموضوع الفلسطيني والاستيطان الاسرائيلي، بعد ان قفزت الازمة السورية الى الواجهة وتصدرت كل النقاشات.
ـ اوباما: لا مستقبل للاسد ـ
قال الرئيس الاميركي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك امس إن الولايات المتحدة لا تريد العودة إلى الحرب الباردة، مشيرا الى ان واشنطن على مدى العامين الماضيين قامت وبمساعدة روسيا والصين بالتوصل لاتفاق نووي مع إيران. وانتقد ضمنيا موقف موسكو الداعم للحكومة السورية الشرعية، قائلا إن «هناك من يدافع عن الرئيس السوري بشار الأسد بدعوى أن البديل هو الأسوأ» الا انه في الوقت ذاته ابدى استعداده للتعاون مع روسيا وايران لحل الازمة السورية داعيا إلى مرحلة انتقالية مدروسة لا تشمل الرئيس السوري بشار الاسد والذي وصفه بالطاغية وقاتل الاطفال. وشدد على أنه «لا يمكن حل النزاعات باللجوء إلى القوة ومفاهيم العنف» معتبرا أن «أي حل يفرض في القوة في أي مكان يكون مؤقتا وغير دائم»، مشيرا الى أن «الديكتاتوريات وسجن المعارضين يظهر هشاشة الأنظمة» التي تقوم بها.
وحول محاربة الارهاب، شدد اوباما على انه لا يمكن القبول «بقوة إرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية»، مشيرا إلى عزم بلاده على الاستمرار في استخدام القوة العسكرية في مواجهتها، مطالبا جميع دول العالم المشاركة في تلك المواجهة لا سيما الدول الإسلامية منها بإثبات براءة الإسلام من هذه الأفكار المتطرفة.
وحول الازمة الاوكرانية، برر اوباما موقف بلاده بفرض عقوبات على روسيا نتيجة سياستها في اوكرانيا وتدخلها المفرط في شؤون هذه الدولة. وهاجم سياسة بوتين في أوكرانيا لكنه نفى نية واشنطن عزل موسكو، كما انتقد سياسة بوتين في اللجوء إلى القوة في حل النزاعات الدولية. وقال: «لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء ضم القرم وتهديد أوكرانيا.. لا مصالح لنا في أوكرانيا لكننا لن نقبل بتكرار سيناريو ضم القرم».
وفي نطاق متصل، قال الرئيس الاميركي إن بلاده عملت خلال سنوات عمر الجمعية العامة للأمم المتحدة السبعين مع عدد من أعضاء الجمعية رغم النزاعات التي أزهقت أرواحاً كثيرة في مختلف أنحاء العالم على منع اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبل مختلفة من بينها بناء نظام دولي يدعم ديمقراطيات الدول وبناء نظام دولي يقر بالمساواة بين جميع الشعوب.
ـ بوتين عدم التعاون مع الاسد خطأ جسيم ـ
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستعقد في الأيام القريبة القادمة اجتماعا وزاريا لمجلس الأمن الدولي لبحث التنسيق بين جميع القوى التي تواجه تنظيم داعش.
وفي كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال بوتين أن المراد من هذا الاجتماع الذي ستعقده روسيا بصفتها رئيسا للمجلس في دورته الحالية، هو تحليل التهديدات المحدقة بمنطقة الشرق الأوسط.
وأفاد بأن روسيا تقترح بحث إمكانية التوصل إلى صياغة قرار للمجلس الأمن ينص بشأن تنسيق جهود جميع القوى المناهضة لتنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات إرهابية أخرى. وشدد بوتين على ضرورة أن يعتمد هذا التنسيق على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وأعرب الرئيس الروسي عن قناعته بقدرة المجتمع الدولي على بلورة استراتيجية شاملة ترمي إلى إعادة الاستقرار السياسي إلى الشرق الأوسط وإنعاش المنطقة اقتصاديا واجتماعيا.
وأكد الرئيس الروسي أن «التدخل الخارجي العنيف» هو الذي أدى إلى تدمير مرافق الحياة ومؤسسات الدولة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الأمر الذي أسفر عن «سيادة العنف والفقر والكارثة الاجتماعية وتجاهل حقوق الإنسان، بما فيها حقه في الحياة».
وتابع قائلا: «ولو سألنا من خلق هذا الوضع: ما الذي صنعتموه؟ فأخشى أن يبقى هذا السؤال بلا جواب لأن السياسية المبنية على الثقة المفرطة باستثنائيتها وحصانتها من أي مساءلة لم يتم التخلي عنها.
وأكد بوتين أن روسيا تقدم مساعدات عسكرية وتقنية إلى الحكومتين السورية والعراقية في مواجهة الإرهاب على أساس شرعي تماما، واصفا رفض بعض الدول الغربية التعاون مع دمشق في هذا المجال بالخطأ الكبير، ورأى ان عدم التعاون مع نظام الاسد خطأ جسيم، واكد دعمه للرئيس الاسد الذي طالبت دول غربية والمعارضة السورية برحيله.
وذكر أن تصرفات أي دولة التفافا بمجلس الأمن الدولي تنافي ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وفي تطرقه لأزمة اللاجئين، قال بوتين إن إنعاش اقتصاد بلدان الشرق الأوسط وبنيته الاجتماعية سيجعل بناء مخيمات للاجئين غير ضروري. وأشار إلى أن اللاجئين يحتاجون إلى اهتمام ودعم، لكن لا يمكن معالجة هذه القضية إلا عن طريق إعادة بناء مؤسسات الدولة حيث حصل تدميرها، وذلك من خلال تقديم «كل أنواع المساعدة، بما في ذلك المساعدة العسكرية والاقتصادية للبلد الذي وقع في ورطة».
وأضاف أن روسيا تعتبر أنه من الأهمية البالغة المساعدة على إعادة عمل مؤسسات الدولة في ليبيا ودعم الحكومة الجديدة في العراق والحكومة الشرعية في سوريا.
وشدد الرئيس الاميركي على اعتماد الدبلوماسية وسيلة لانهاء الخلافات، وقال ان القوة وحدها لا يمكن ان تفرض النظام في العالم، تعلمنا هذا الدرس في العراق، مضيفا ان «العراق كان تجربة صعبة رغم قوتنا واثبتت اننا بحاجة الى دول اخرى لحل المشكلات».
ـ كي مون: خروج الازمة السورية عن السيطرة ـ
اعتبر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان العجز الديبلوماسي لمجلس الأمن الدولي وغيره على مدى 4 سنوات أدى إلى خروج الأزمة السورية من السيطرة، محملا الأطراف المتنازعة في سوريا افشال اي تسوية سياسية وبتحويل بلدهم الى انقاض.
وأشار بان كي مون إلى أن قوى إقليمية ومنافستها تغذي النزاع في سوريا، داعيا مجلس الأمن ودول المنطقة الرئيسية للمضي قدما في مجال تسوية الأزمة.
وحول اليمن، شدد أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع في اليمن، مطالبا جميع الأطراف المعنية للجلوس وراء طاولة المفاوضات وتسوية الأزمة من خلال الحوار بوساطة مبعوثه الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد كما دعا بان كي مون إلى وقف القصف في اليمن الذي يدمر المدن والبنى التحتية والتراث التاريخي.
وكشف الامين العام للامم المتحدة أن نحو 100 مليون شخص في العالم حاليا يحتاجون إلى تلقي مساعدات إنسانية، بينما غادر 60 مليونا على الأقل بيوتهم ودولهم، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة طلبت هذا العام نحو 20 مليار دولار لتلبية هذه الاحتياجات وهو رقم يمثل 6 أضعاف المبلغ المماثل قبل 10 سنوات.
واضاف إن الأمم المتحدة لا تتلقى ما يكفي من المال لإنقاذ ما يكفي من الأرواح. ودعا دول الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من العمل من أجل دعم اللاجئين، قائلا: «يجب ألا نبني أسوارا وجدرانا في القرن الحادي والعشرين» لمنع دخول اللاجئين وتابع أن دولا نامية عديدة لا تزال تستقبل ملايين اللاجئين رغم إمكانياتها المحدودة.
ـ روحاني: نتبادل السجناء مع واشنطن اذا ..ـ
شدد الرئيس الإيراني حسن روحاني إن: «الأولوية في سوريا لهزيمة المتشددين المتطرفين مثل تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولتحقيق ذلك لا يجوز إضعاف حكومة بشار الأسد». وتابع :«هذا لا يعني أنه لا حاجة لإصلاح الحكومة السورية.. بالطبع هناك حاجة»، مشيرا الى أن استبعاد الرئيس الأسد سيحول سوريا إلى ملاذ آمن للمتطرفين.
على صعيد متصل، أكد روحاني أن بلاده مستعدة لتبادل السجناء مع واشنطن، بما في ذلك صحفي يعمل لدى صحيفة واشنطن بوست موضحا أنه في حال اتخاذ الولايات المتحدة التدابير اللازمة وتكون أفرجت عن المعتقلين فإن طهران ستتخذ إجراءات عاجلة وكل الإجراءات الضرورية للإفراج عن الأميركيين المحتجزين في ايران.
بدوره، قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ، إن غياب التوافق الدولي أعاق حل القضايا الدولية المهمة.
ـ هولاند: الأسد لا يمكن أن يشارك في الحل ـ
شدد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على ان «الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن يشارك في الحل»، معتبرا انه يجب تشكيل حكومة جديدة في سوريا من دون «الديكتاتور».
ولفت الى ان اي انتقال سياسي في سوريا يجب ان يلحظ رحيل الرئيس بشار الاسد، معهما مؤكدا ان «لا احد يمكنه ان يتصور حلا سياسيا» في وجود الرئيس السوري.
واضاف «قالت روسيا وايران انهما راغبتان في المساهمة في حل، وبالتالي علينا العمل لنقول لهما: ان الحل لعملية انتقالية في سوريا يجب ان يلحظ رحيل الاسد».
وانتقد هولاند «وهم» الرئيس السوري الذي يسعى الى «الايحاء بأننا اذا كنا ضد تنظيم «داعش» فاننا معه ولكن كلا هذا امر ليس صحيحا».