تحول منتدى زعماء العالم، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الى ميدان لتقاذف مصير بشار الأسد. فريقان متفقان على وجوب البحث عن حل سياسي سريع للأزمة السورية، بعدما وصلت شظاياها الى «دار الغرب» مع مئات آلاف الضحايا الباحثين عن ملجأ. الخلاف على حل مع الأسد أو من دونه، معه لكونه حاجة لا بد منها كما يتذرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقتال «داعش» وتسنده في ذلك إيران التي وجدت منذ زمن في طاغية دمشق خادماً مخلصاً لمصالحها، أو من دونه لأنه «طاغية قاتل أطفال» كما وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس ويتفق معه في ذلك معظم الأوروبيين والعرب وتركيا وقبلهم الشعب السوري الذي ذاق الأمرين.

المشهد مخزٍ فعلاً. الأسد «الممانع» أسير جحره الضيق المحمي بقوات روسية وإيرانية، فيما مصيره معلق على مساومات مفتوحة في بورصة السياسة الدولية حيث كان الغائب الأكثر حضوراً على منبر الأمم المتحدة وفي أروقتها.

فقد دار جدال علني بين الرئيسين الأميركي ونظيره الروسي قبيل اجتماع الأمس، أمام أعين الجمعية العامة للأمم المتحدة أظهر أن الزعيمين على طرفي نقيض في التعامل مع الأزمة السورية. ففي حين وصف الرئيس الأميركي الأسد بالطاغية قاتل الأطفال، وبأنه الجاني الرئيسي في الحرب السورية التي قتل فيها على مدار السنوات الأربع مئتا ألف شخص على الأقل إضافة لملايين المشردين، قال الرئيس الروسي للمجتمعين من قادة العالم إنه لا بديل عن التعاون مع نظام دمشق في المساعي الرامية لهزيمة تنظيم «داعش» الذي استولى على مساحات واسعة من أراضي سوريا والعراق. 

وفاجأ أوباما قادة العالم وفي مقدمهم بوتين بخطاب ناري ووصف الديكتاتور السوري حليف موسكو بـ»الطاغية قاتل الأطفال» وإجرامه بحق شعبه بمثابة «اعتداء على الإنسانية جمعاء». 

والمفاجأة في كلمات أوباما ليست في شدة الأوصاف التي أطلقها ضد الأسد إنما في كونها تأتي بعدما تهيأ لروسيا وإيران والنظام السوري أن الغرب قد عدل عن موضوع إنهاء حكم الأسد وقنع ببقائه في الحكم الى حين إعادة تنظيم البيت الداخلي السوري وإجراء انتخابات ديموقراطية.

ووضع أوباما النقاط على الحروف ليوقظ الأسد وحلفاءه من أحلامهم الذهبية ويؤكد لهم أن «نقل السلطة من الأسد الى رئيس جديد يجب أن يحدث لكي يشرع الشعب السوري في إعادة بناء بلده». ومد الرئيس الأميركي يده الى الجميع مبدياً استعداده «للتفاوض مع أي دولة بما في ذلك روسيا وإيران، من أجل حل للأزمة السورية التي راح ضحيتها مئات الآلاف وتشرد بسببها الملايين من منازلهم». أضاف «على الجيمع أن يدركوا أنه لم يعد ممكناً العودة الى الوضع السابق في سوريا بعد سفك كل هذه الدماء وكل هذه المذابح التي ارتكبت بحق الشعب السوري». وأوضح أن «أي استقرار طويل الأمد يمكن أن يتحقق فقط عندما يُبرم السوريون اتفاقاً من أجل العيش بسلام». 

وشدد أوباما على أن «الواقعية تفرض علينا وجوب التفاوض وتوحيد الصفوف من أجل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي الذي يسيء ببربريته وعقيدته الأبوكاليبتية الى الإنسانية والإسلام. ولكن الواقعية نفسها أيضاً يجب أن تحتم علينا بدء عملية انتقالية واضحة يغادر الأسد بموجبها الحكم ويسلم السلطة الى رئيس جديد والى حكومة شاملة تنهي هذه الفوضى العارمة في سوريا وتسمح للشعب السوري بإعادة البناء«. 

وبدا الانزعاج الشديد على محيا الرئيس الروسي وهو يلقي كلمته التي جاء ترتيبها الزمني في وقت لاحق من خطاب أوباما، فقد أفرغت كلمات الرئيس الأميركي كلمة القيصر الروسي من مضمونها. وجاء خطاب بوتين فاقداً للصلاحية عندما تطرق الى الملف السوري وتحدث عن وجوب تشكيل تحالف دولي شامل ضد داعش يضم بما في ذلك الدول الإسلامية، ونصح بضرورة إشراك الأسد في هذا التحالف واصفاً رفض الغرب التعاون مع الرئيس السوري حتى الآن بـ«الخطأ الجسيم». 

تلك الكلمات كانت لتؤتي أكلها لو أن خطاب أوباما لم يأتِ شديد الوضوح بشأن مستقبل الأسد. وربما الجديد الوحيد في الخطاب الروسي كان تأكيد بوتين أن بلاده لا تمتلك أي طموحات في سوريا. 

وواصل الرئيس الروسي تركيزه على إلحاق الهزيمة بالإرهابيين في سوريا داعياً الى «تشكيل «تحالف واسع لمحاربة داعش في سوريا شبيه بالتحالف الدولي ضد النازية إبان الحرب العالمية الثانية»، مشدداً على وجوب «معالجة مشاكل الإرهاب ومخاطره التي تواجهنا جميعاً وتأليف تحالف واسع ضده». لكن خطاب أوباما دفع بوتين الى الوقوع في شرك «نظريات التآمر» والتلميح الى أن داعش والمشروع الأميركي يستخدم أحدهما الآخر لتحقيق غايات معينة.

وبعد اجتماعه بالرئيس الأميركي، قال بوتين إنه اتفق مع الرئيس الأميركي على تجاوز الخلافات الحالية، وإن اللقاء بينهما كان مثمراً وصريحاً. وقال بوتين إنه لا يستبعد أن تنضم بلاده الى التحالف الدولي ضد «داعش» تحت مظلة دولية.

وبخصوص الأسد قال الرئيس الروسي إن السوريين هم من يقررون مصيره، وإن موسكو تحترم مصالح إسرائيل في سوريا.

ثم جاء خطاب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ليقطع شك بوتين باليقين بأن الموقف الغربي من الأسد لم يتغير وأن الأخير لا يمكن أن يلعب أي دور في سوريا المستقبل. وقال هولاند «أبدت روسيا وإيران رغبتهما في المساهمة في حل الأزمة السورية، وبالتالي علينا العمل مع هذه الدول لنؤكد لها أن الحل لعملية انتقالية في سوريا يجب أن يتضمن رحيل الأسد». 

وسخر الرئيس الفرنسي من «وهم يعيشه الرئيس السوري بأن العالم إذا كان ضد داعش فإنه سيصبح معه». وشدد هولاند في خطابه على «عدم إمكانية المساواة بين الضحايا (الشعب السوري) والجلاد (الأسد)»، وبالتالي «يجب استبعاد الأسد من أي حل سياسي للنزاع لأنه هو المسؤول الأول عن الفوضى في سوريا، ومأساة السوريين ناجمة عن تحالف الإرهاب مع الديكتاتورية». 

ويبقى أبرز ما ورد في خطاب هولاند قوله إن «الفيتو يجب أن يُمنع من التداول عندما يتعلق الأمر بارتكاب مجازر وجرائم بالحجم الذي حصل في سوريا«.

وقال الرئيس الفرنسي إن بلاده ستبحث مع شركائها في الأيام القادمة اقتراحاً طرحته تركيا وأعضاء في المعارضة السورية بإقامة منطقة حظر طيران في شمال سوريا.

وقال للصحافيين على هامش التجمع السنوي لزعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة «سيبحث (وزير الخارجية الفرنسي) لوران فابيوس في الأيام القادمة حدود المنطقة وكيف يمكن تأمين هذه المنطقة وما الذي يفكر فيه شركاؤنا«. وأضاف «ندرس هذا الاقتراح» مضيفاً أن اللاجئين السوريين الذين يأتون إلى أوروبا قد يعودون إلى المنطقة التي سيطبق فوقها حظر الطيران. وتابع «يمكن أن يجد (الاقتراح) مكاناً له في قرار لمجلس الأمن الدولي يضفي شرعية دولية على ما يحدث في هذه المنطقة».

والموقفان الأميركي والفرنسي تطابقا أيضاً مع الموقف التركي إذ أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن «لا حل ممكناً في سوريا في ظل وجود الأسد في الحكم». وأعرب عن استعداد تركيا «للعمل مع كل الدول بما فيها روسيا، من أجل انتقال سياسي في سوريا وإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش». وشدد أن «على الجميع إدراك أن مستقبل سوريا يجب أن يكون خالياً من الأسد وداعش على السواء.

وأعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن «الحكومة السورية تواصل قمع شعبها وسط تقاعس المجتمع الدولي وعجزه عن وقف المأساة في سوريا. كما أن ظاهرة الإرهاب التي نتجت عن هذا العجز تضع تحديات أمنية وسياسية خطيرة أمام المجتمع الدولي». وأشار الى أن الصراع في سوريا تحول إلى حرب إبادة وتهجير جماعي للسكان».

وكان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون افتتح أعمال الجمعية العامة بخطاب تمحور حول كيفية مواجهة أزمة الهجرة واللجوء التي يواجهها العالم ولا سيما أوروبا. وقال «أحث أوروبا على القيام بمزيد من الجهود لمعالجة هذه الأزمة بموجب القوانين الدولية وحقوق الإنسان». وانتقد سياسات بعض الدول الأوروبية الشرقية كهنغاريا مشدداً على أن حل «مشكلة اللاجئين لا يتم عبر بناء جدران وسياج شائك» وإنما عبر «معالجة فورية للمشكلة بصدر إنساني رحب ومعالجة طويلة الأمد لأسباب موجة النزوح هذه أي الحروب والاضطهاد الديني».