من حسنات الحراك الشعبي أنه أحدث دينامية تتجاوز ملف النفايات، بحيث صارت العيون مفتوحة على أي ملف يوضع على طاولة أهل السلطة، ومن حسناته أيضاً، أنه يضع النسبية في صلب خياراته الانتخابية، فيلتقي في ذلك مع حساسيات لبنانية أخرى، أبرزها الحساسية المسيحية التي تلتقي بأطيافها كافة تحت سقف النسبية في أي قانون انتخابي جديد.
ومن حسنات الحراك، أنه يتقاطع مع إرادة خارجية وداخلية تلتقي عند نقطة حماية الاستقرار اللبناني، وهذا الأمر تُرجم في الدفع السياسي الذي أعطي في الساعات الأخيرة لقضية الترقيات العسكرية، باعتبارها تشكل مدخلاً لسلة متكاملة من شأنها تمديد الهدنة اللبنانية لسنة على الأقل، في انتظار ما ستكون عليه صورة المنطقة، وخصوصاً سوريا.
ووفق المعلومات المتوافرة لـ «السفير» فإن «تيار المستقبل» أبلغ بشخص رئيسه سعد الحريري المعنيين بموافقته على السلة المتكاملة للتسوية، بعدما أضاف اليها بنداً يتعلق بتعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي وتعيين مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، فأصبحت «السلة» تتضمن البنود الآتية:
أولاً، تعيين أعضاء المجلس العسكري (خمسة أعضاء) بمن فيهم الممددة ولايتهم، أي قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان.
ثانياً، ترقية 3 ضباط من رتبة عميد الى رتبة لواء وفق قانون الدفاع (لواء ماروني+ لواء شيعي+ لواء سني).
ثالثاً، تحديد مركز للعميد شامل روكز بعد ترقيته الى رتبة لواء، على أن يختاره قائد الجيش.
رابعاً، تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي (العميد عماد عثمان أو العميد سمير شحادة).
خامساً، تعيين أعضاء مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي بعدما أحيل معظم أعضاء المجلس الحالي للتقاعد.
سادساً، إعادة تفعيل الحكومة واستئناف اجتماعاتها، بما في ذلك التوافق على آلية اتخاذ القرارات (إما التوافق أو يؤجل بند إذا اعترض عليه مكونان شرط عدم تعطيل السلطة التنفيذية).
سابعاً، المراسيم العادية لا تحتاج الى الإجماع، بل يوقعها معظم الوزراء، أي أكثر من الثلثين، ولا يعود بمقدور وزير أو اثنين تعطيلها بعدم توقيعها.
ثامناً، الالتزام من كل الكتل بالنزول الى المجلس النيابي، على أن يوضع قانون الجنسية وقانون الانتخاب على جدول الأعمال.
تاسعاً، استمرار المشاركة في أعمال طاولة الحوار الوطني.
وعُلم أن الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط وقيادتي «حزب الله» و «المستقبل» أبدوا موافقتهم على الاقتراح، على أن يتم الوقوف على رأي قيادة الجيش في موضوع الترقيات العسكرية واستكمال نصاب المجلس العسكري «تفادياً لأي خلل في التراتبية العسكرية»، وهي النقطة التي ركز عليها جنبلاط، فيما أبدى «حزب الله» وحركة «أمل» حرصهما منذ اللحظة الأولى على إبلاغ المعنيين أنهما يوافقان على ما يوافق عليه العماد عون.
وقالت مصادر معنية بالاتصالات لـ«السفير» إن كل عناصر التوافق السياسي على الاتفاق باتت مكتملة، بما فيها موافقة العماد عون، لكن ثمة إشكالية محصورة أولاً بموقف رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل (ثلاثة وزراء في الحكومة) وموقف رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان (بوصفه رئيساً لكتلة وزارية من خمسة وزراء)، وهذا الأمر استوجب تكثيف الاتصالات من جانب كل من «تيار المستقبل» والنائب جنبلاط بقيادة «الكتائب» التي كانت قد احتجت على استبعادها من الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي في مكتب رئيس مجلس النواب في ساحة النجمة على هامش جلسة الحوار الوطني للبت بموضوع الترقيات.
واجتمع وزير الصحة وائل أبو فاعور، أمس، بتكليف من جنبلاط، على التوالي، بكل من الرئيس سليمان فالنائب سامي الجميل، «وبرغم موقفهما المبدئي المتعلق خصوصاً بالحرص على المؤسسة العسكرية، فإنهما يتمتعان بروح المسؤولية الوطنية العالية وهما يستشعران حجم المخاطر المحدقة بالبلاد، ولذلك نعوّل على حرصهما لأجل إنجاز هذه التسوية لأن البديل هو استمرار تعطيل مؤسسات الدولة»، على حد تعبير أبو فاعور، موضحاً لـ «السفير» أنه سيكثف مشاوراته بالتنسيق مع قوى سياسية أخرى في الوجهة نفسها، خصوصاً أن عامل الوقت بات يضغط على الجميع. وأشار الى أن الأجواء غير مقفلة والكل يقدِّر خطورة المرحلة.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» إن السلة المتكاملة لا تغير في القواعد الدستورية المعمول بها، «لأننا سنكون عملياً أمام تفاهم سياسي يحظى بشبه إجماع من القوى السياسية، والنتيجة ستكون إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية، ولو أنها مهمة ستبقى ناقصة في ظل استمرار تعثر التسوية الرئاسية».
وكشفت المصادر أن «التحدي الكبير المطروح أمام طاولة الحوار في جلسات السادس والسابع والثامن من تشرين المقبل يتمثل في إمكان تحقيق تفاهم على قانون انتخابي جديد، خصوصاً مع اقتراب جميع القوى من صيغة النسبية، ولو أن حجم الدائرة وقضية الصوت التفضيلي وإمكان أن يكون مختلطاً هي من العناوين الخلافية».