عادت سوريا إلى واجهة الأحداث السياسية مع الدخول العسكري الروسي إلى أراضيها الذي جَدد النقاش بقوة حول طبيعة الحل السياسي المرتقَب والمتصِل باستمرار الرئيس السوري بشار الأسد في سياق حكومة انتقالية أو عدمه. فهناك محاولة جديدة وجدية، ولكن يمكن ألّا يختلف مصيرها عن مصير سابقاتها بدءاً من «جنيف 1» و»جنيف 2»، إلّا انها تشغل اليوم مختلف عواصم القرار المعنية بالشأن السوري الحريصة على إعطاء هذه الفرصة حقها، خصوصاً مع بروز أزمة النازحين التي طرقت أبواب أوروبا. ولكن في هذا الوقت بَدت الأنظار مشدودة في اتجاهين: الاتجاه الميداني من اليمن إلى سوريا، والاتجاه الديبلوماسي في نيويورك. وأمّا في لبنان فالأنظار هذا الأسبوع تتوزّع في خمسة اتجاهات: الجلسة الحكومية المتوقّع عقدها نهاية الأسبوع مع عودة رئيسها تمام سلام من نيويورك، التسوية السياسية المتصلة بالترقيات العسكرية وآلية العمل الحكومي ومدى تأثيرها على الجلسة الحكومية المزمع عقدها في حال عدم نضوج هذه التسوية، أزمة النفايات التي يفترض أن تكون دخلت أسبوع الحسم في ظلّ معلومات أن الساعة الصفر ستنطلق غداً، الحراك في الشارع الذي دخل مع عطلة عيد الأضحى في إجازة ولم يعرف بعد الاتجاه الذي يمكن أن يسلكه، والحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» بعد كلام السيّد حسن نصرالله ورد الرئيس سعد الحريري عليه، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب التوتر السعودي-الإيراني إثر حادثة الحجاج في منى وتأكيد الحريري أنّ نصرالله «يتخذ من أرواح المسلمين الأبرياء وكارثة منى، وسيلة للنيل من السعودية وتصفية الحسابات السياسية». خارجياً يبقى الحدث في نيويورك مع اللقاءات الدولية التي تشهدها، وأبرزها اللقاء بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي سيتناول الملف السوري والدور الروسي العسكري في سوريا، والحرب على «داعش»، فيما واصَل رئيس الحكومة تمام سلام لقاءاته في نيويورك وهو التقى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند منتصف الليل بعدما كان ألقى السبت كلمة لبنان، في قمة التنمية العالمية المستدامة في الأمم المتحدة.

هولاند وروحاني

وفي موقف يؤشّر الى الدور الفرنسي في التبريد السياسي بين الرياض وطهران وفي البحث عن تسوية سياسية للملفات العالقة في المنطقة، نقلت وكالة رويترز للأنباء، عن مصدر دبلوماسي، أنّ الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند قال لنظيره الإيراني حسن روحاني إنّ مأساة الحج لا ينبغي أن تزيد التوتر بين إيران والسعودية.

عودة الحركة داخلياً

أمّا في الداخل فتعود الحركة السياسية مع انتهاء عطلتي الأضحى ونهاية الأسبوع في محاولة لمعالجة الملفات المطروحة مع استمرار الشغور الرئاسي، وفي مقدمها تفعيل العمل الحكومي والتشريعي من خلال بَتّ موضوع الترقيات العسكرية العالِق عند البحث في مسألة عدم اللجوء إلى التعطيل مجدداً والضمانات التي تؤكد ذلك. وفي معلومات «الجمهورية» انّ البحث يجري حالياً في صيغة جديدة بعدما لاقت الصيغة المطروحة عقبات عدة.

وفي الانتظار يبقى التعويل قائماً على ان تُحدث الجلسات المتتالية للحوار، في 6 و7 و8 تشرين الاول، خرقاً في الجمود الرئاسي.

برّي

وقد دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي المتحاورين الى الاتّعاظ «ممّا يجري من حوار على مستوى الكبار في نيويورك»، مؤكداً انه «لا يجوز أن يذهب العالم بأسره على اختلافه وانقساماته الى الحوار من أجل إنجاز التسويات وأن يعود اللبنانيون من حوارهم خاليي الوفاض».

وقال بري: «يخطئ الظن من يعتقد في الداخل أنّ طاولة الحوار هي لتضييع الوقت أو ضد الحراك الشعبي المدني، أقول إنّ طاولة الحوار هي لاستثمار الوقت الذي لن يكون لمصلحة لبنان إذا لم نحسن قراءة المتغيرات المتسارعة على مستوى المنطقة والعالم، وطاولة الحوار قادرة على إنجاز الكثير شرط أن تتوافر النوايا الصادقة لدى الأطراف المتحاورة، وإنني مؤمن بأنّ النوايا الصادقة لدى الجميع لإنقاذ لبنان».

جلسة حكومية

وكان رئيس الحكومة قال من نيويورك: «من واجبي ان أدعو الى جلسة لمجلس الوزراء فور عودتي الى بيروت خصوصاً في ظل الحوار القائم الذي يجب ألّا نربط تفعيل السلطة الإجرائية به، بل يجب ان نواكبه، مشدداً على انه لا يمكن ان نعطّل البلد على وتيرة الحوار الذي يمكن ان يمتد كثيراً، لأنّ مصالح الناس يجب أن تواكب».

نصر الله

وكان الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله رأى وجود فرصة لطاولة الحوار للنجاح ببعض الملفات إن توافرت النوايا. وقال انّ العقدة رئاسياً معروف مكانها، ولبنان بحاجة الى رئيس قوي شخصيته قوية لا يباع ولا يشرى ولا يخاف من التهديدات في المنطقة ويقدم المصالح الوطنية على غيرها، وأضاف: «انّ المواصفات التي نراها مناسبة لموقع رئاسة الجمهورية تفرض علينا دعم العماد ميشال عون وليس العكس»، لافتاً الى انّ فرصة العماد عون ستزيد في الوصول إلى الرئاسة وهو مستقلّ لا يرتبط بدولة ولا بسفارة ولا بأيّ جهة. وقال انه اذا لم نتّفق بشأن ملف الرئاسة سنتناقش بشأن الملفات الاخرى على طاولة الحوار.

واعتبر انّ المشكلة في لبنان هي انّ الدستور لم يتحدث عن استفتاء وهذا عكس ما تنصّ عليه غالبية الدول التي لديها دساتير وانتخابات، موضحاً انّ المدخل للحل هو قانون انتخابات جديد يقوم على النسبية. واعتبر انّ «مَن يرفض النسبية هو ديكتاتوري لأنه يرفض في منطقته وفي طائفته شريكاً له، بينما النسبية تُتيح ان يكون له شريك».

مكاري

وفي المواقف، قال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لـ»الجمهورية»: «لقد شاء السيّد نصر الله توجيه رسالة الى المتحاورين مفادها انّ ما سينتج رئيس جمهورية ليس الحوار، بل انتخاب العماد ميشال عون او من يريده عون».

ولاحظ مكاري أنّ «نصرالله يستخدم انتخاب العماد عون شمّاعة، مع انّ موضوع انتخاب الرئيس لم ينضج بعد بالنسبة اليه، وقد ربطه بالتطورات الاقليمية ولا سيما في سوريا. وبالتالي، وبما انّ الحوار قائم اليوم، هو يحاول أن يضغط ليحقق منه نتائج ملموسة تصبّ في مصلحته، وأبرزها قانون انتخاب يناسبه، وهذا بيت القصيد».

أضاف مكاري: «يدرك الجميع انّ القانون الذي أجريت الانتخابات الاخيرة على أساسه ليس مقبولاً من اكثر من طرف، وخصوصاً من المسيحيين». وذكّر بأنّ «هناك اقتراحات قوانين عدة تعطي التمثيل الأصحّ، والرئيس بري يقول انّ في المجلس 17 اقتراح قانون».

ورأى أنّ «ثمة قوانين قد لا تكون موجودة لدى المجلس حتى الآن على رغم انها تؤمّن تمثيلاً صحيحاً وربما تحقق تمثيلاً مسيحياً أصحّ، وأعني تحديداً قانوني الانتخاب وفق الدائرة الفردية أو على أساس مبدأ one man one vote».

وإذ أشار إلى أنّ «حزب الله يريد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة»، قال: «لا نستطيع القول انّ النسبية غير جيدة أو لا تحقّق تمثيلاً صحيحاً، لكنّ الظروف الراهنة لا تسمح بها، إذ إنّ عدم وجود أحزاب غير طائفية وعلى امتداد الوطن يحول دون أن تحقّق النسبية الهدف المنشود منها».

ولفتَ مكاري الى «وجود وجهتي نظر في الحوار: الأولى لفريق 14 آذار تدعو الى التقيّد بجدول الاعمال وعدم الانتقال الى بند آخر قبل الانتهاء من البند الاول، ووجهة نظر أخرى يقول بها الرئيس بري، ومفادها انّ البحث في البنود الاخرى ربما يكون عاملاً مساعداً للوصول الى الاتفاق على البند الأول».

وأضاف: «لا نستطيع ان نعتبر انّ وجهتي النظر خطأ، لكن هناك خوف بسبب ما علّمتنا إيّاه السوابق، والخشية هي من أن يتمسّك الفريق الآخر بالنقاط التي تفيده ولا يعود الى البند الاول».

واقترح مكاري «الإتفاق على مبدأ عام مفاده ألّا يتمّ بتّ أيّ بند قبل الانتهاء من بند الرئاسة وأخذ القرار فيه وانتخاب رئيس». وأشاد مكاري بقرار الرئيس بري الدعوة الى جلسات حوارية متتالية، معتبراً أنّ ذلك «سيُتيح تبيان ما إذا كان هذا الحوار سينتج أم انه مجرّد تجربة غير مُنتجة».

حمادة

بدوره، قال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «إذا كان لا بد من الحوار، وهذا هو منطقي بين أبناء البلد الواحد، فإنّ رفض الإذعان لـ»حزب الله» لا بد منه ايضاً.

فلا النسبية المطلقة التي تأتي حتماً بالأكثرية الطائفية العددية وتقضي ولَو بعد حين على المناصفة، بل على الوجود المسيحي، ولا التمسّك بمرشح وحيد أوحد يفرض على اللبنانيين، ولا استمرار المغامرة في سوريا والعداء للأشقاء العرب في كل شاردة وواردة، مقبول من غالبية اللبنانيين. من هنا كلام السيد حسن الأخير لا يقدّم في حل الازمة بل يؤخّر في ذلك.

وكان سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، أوّل من أسقط تلك النسبية والأغلبية العددية الناتجة عنها، رفضاً بالتحديد للديكتاتورية التي يتحدث عنها السيد نصر الله».

وشدد حمادة على «انّ مقايضة الآلية الحكومية بتعيينات عسكرية لن يُفعّل الحكومة وسيعطّل الجيش، وبكل صراحة، أنا لا أرى انه في ظل وجود جيش جرّار غير شرعي تابع لـ«حزب الله» يمكن أن نخاطر بوَضع جيشنا الوطني اللبناني المكوّن من كل اللبنانيين ومن كل أطيافهم، والتابع لقيادة متوازنة وحكيمة، تحت رحمة أي قيادة حليفة او تابعة لـ«حزب الله». سيعني ذلك حتماً بعض التراجع عن أساسيات كثيرة تمثّلت بالسلاح في لبنان واستعماله خارج لبنان وتجاوز السلطة في كل الميادين وتسليم حاضرنا ومستقبلنا الى أصولية معينة ستجلب علينا حتماً ويلات الأصولية الأخرى».

«الحزب»

وكان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض قال: «إنّ طاولة الحوار الوطني ستشهد بعد أيام اجتماعات مفتوحة ومتتالية وعلى مدى ثلاثة أيام، وإنّ ذلك سيفرض على المتحاورين الدخول في التفاصيل والخروج من المقاربات العامة، ممّا سيفرض تداخلاً في معالجة البنود الواردة في جدول الأعمال».

واكد أنّ «لاحتمال التفاهم والوصول إلى حل مداخل عدة فلنناقشها كلها، وعلى ما يبدو فإنّ التفاهم على قانون انتخابي هو أحد هذه المداخل التي قد تكون متيسّرة وأقل تعقيداً، ولكنّ العقدة في موضوع النظام الانتخابي تكمن في موقف فريق 14 آذار الرافض للنسبية الكاملة».

ودعا الفريق الآخر إلى «مراجعة مسؤولة وبنّاءة لأهمية النسبية الكاملة في النظام الانتخابي التي هي ليست لمصلحة فريق بل لمصلحة التمثيل العادل والصحيح، ولمصلحة الإصلاح السياسي والاستقرار الذي تحتاجه البلاد». ودعا الى «اغتنام الفرصة التي هي أمامنا على طاولة الحوار للتفاهم على قانون الانتخاب، ولا نعيد تكرار تجربة إهدار الفرَص التي شهدناها في خلوة الأقطاب الأسبوع الماضي».

«اللقاء التشاوري»

وفي هذه الأجواء، وبعد عودة الرئيس ميشال سليمان من باريس ليل أمس، يتحضّر «اللقاء التشاوري» للاجتماع، بحضور رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والوزراء الثمانية للبحث في المستجدات وملف النفايات وما تحقّق الى اليوم من طروحات على مختلف المستويات.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ وزراء سليمان والكتائب والمستقلين سيبحثون في توحيد المواقف ورؤية ما استجدّ في ملف الترقيات العسكرية وما هو مطروح على قاعدة عدم المَسّ بهيكلية الجيش والوقوف على رأي قيادته في كل شاردة وواردة قبل بتّ أي طرح، واعتبار اي تفاهم خارج إطار مجموع مكوّنات الحكومة لا يعني الوزراء الثمانية ومن يمثّلون.

شهيّب في الرابية

وفي ملف النفايات، لم تدخل خطة الوزير اكرم شهيّب بعد حيّز التنفيذ في انتظار الاتصالات التي يجريها في أكثر من اتجاه.

وعلى وَقع الوعد شبه النهائي الذي قطعه النائب وليد جنبلاط ومعه اتحاد بلديات الغرب والشحار بفتح مطمر الناعمة لسبعة أيام، على رغم الانقسام حول الخطوة، بهدف استيعاب 90 الف طن من النفايات المكدسة موقتاً في بيروت والضواحي وفك رموز المعارضة الشعبية والبلدية لمطمري المصنع وسرار، يواصِل شهيّب لقاءاته اليوم لتزخيم الخطة وتحديد ساعة الصفر لانطلاقتها بزيارة الرابية للقاء رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون وسط أجواء توحي بتحميله مسؤولية بعض المعارضة التي تواجهها الخطة خصوصاً في عكار حيث بعض الرموز التي ترفض توسيع استخدام المطمر لجمع النفايات من بيروت وجبل لبنان فيه بسبب عدم الحسم الذي يريده في ملف الترقيات العسكرية.

تضامن مع العسكريين

وفي إطار الحراك المدني يقف أطراف الحراك المدني بدعوة من «صرخة ضمير» وبالتنسيق مع أهالي العسكريين وقفة تضامنية عند السادسة من مساء اليوم في ساحة رياض الصلح مع العسكريين ورجال قوى الأمن المخطوفين في جرود عرسال قبل عام وشهرين و«لرَفع الذلّ والحَيف عنهم»، وستشارك مجموعات من مكوّنات أخرى في الحراك بعدما توسّعت رقعة المشاورات.