ذكرت "الراي" ان ضجيج الملفات الداخلية في بيروت تراجع مع انتقال مجمل الملف اللبناني الى نيويورك التي توجّه اليها امس رئيس الحكومة تمام سلام للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة وترؤس اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، وسط انشداد الأنظار الى اللقاءات البالغة الأهمية التي سيعقدها باعتبار انها ستساعد في استكشاف آفاق الأوضاع في المنطقة وانعكاساتها المحتملة على «بلاد الأرز».

وقد غادر سلام بيروت بعد تأديته صلاة عيد الأضحى في مسجد محمد الامين (في وسط العاصمة) التي أمّها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي لم تغب عن خطبته عناوين الساعة سياسياً،لا سيما ملفيْ رئاسة الجمهورية وعمل الحكومة اذ شدد على وجوب «انتخاب رئيسٍ للجمهورية منْ ضمْن الرُّوح التوافُقيّة والانفتاح والوطنية ولنْ يستقيم الوضعُ الوطنيّ إلا بوجود رئيس الجمهورية»، مؤكداً في الوقت نفسه «ان علينا ألا نظلم الحكومة، وعلينا أن نقف إلى جانبها وندْعمها في الظروف الصعبة التي يمُرُّ بها وطنُنا».

وجاءت مقاربة مفتي الجمهورية للواقع اللبناني وسط استمرار الجهود الرامية الى تفكيك عناصر الأزمة السياسية المتفرّعة من الفراغ في رئاسة الجمهورية. وفي ظلّ التسليم الداخلي بأن الملف الرئاسي عالق على «حبال» التحولات في المنطقة، تتركّز المساعي على سبل تحقيق اختراقات تسمح بعودة العجلة الحكومية والإفراج عن عمل البرلمان وإن من ضمن «تشريع الضرورة»، وهو ما بات يمرّ حكماً بإيجاد تسوية لقضية العميد شامل روكز، صهر زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بما يضمن بقاءه في المؤسسة العسكرية بعد إحالته على التقاعد منتصف اكتوبر المقبل.

وتوحي الاتصالات التي لم تتوقف على خط ملف روكز باستمرار «الأخذ والردّ» حيال نقطتين تعوقان بلوغ حلّ: الاول مبدأ الترقيات التي يجري الحديث عنها وتشمل ترفيع روكز وضابطيْن آخريْن الى رتبة لواء، في ظل اعتراضات على هذا الخيار من ضمن المؤسسة العسكرية التي تخشى تأثيراته على هرَمية الجيش الى جانب افتقار مثل هذه الخطوة الى معيار واضح (لترقية ضباط رغم وجود العشرات غيرهم ممن يسبقونه بالأقدمية) وايضاً الرفض القاطع لفريق وازن في الحكومة يعبّر عنه الرئيس ميشال سليمان ووزراء مستقلون. اما النقطة الثانية فهي السلّة المتكاملة التي يجري العمل عليها لمعالجة أزمة التعيينات ومجلس النواب والحكومة، وسط رفض عون مقايضة اي ترقية لروكز بالتخلي عن مقاربته لآلية اتخاذ القرارات القائمة على عدم جواز البحث في اي بند او صدور قرار يعترض عليه مكوّنان في الحكومة، وهو ما يتيح له ولحليفه «حزب الله» الإمساك بمفاصل العمل الحكومي.

واذا كان «شدّ الحبال» هذا، يوحي بأنه دون بلوغ تسوية لقضية روكز هناك تعقيدات غير سهلة بعضها يصل الى حدّ الإيحاء بعدم جدية بعض مكوّنات "8 آذار" في منح «جائزة ترضية» لعون مع التلميح الى امكان دفْع الأمور نحو خيارات أخرى تحرجه (عون)، فان الاوساط السياسية تترقّب إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء اليوم عبر شاشة «المنار» حيث يُنتظر ان يتطرق الى مجمل العناوين الداخلية وبينها ملف الترقيات وتشعباته والحِراك الاحتجاجي في الشارع، الى جانب قراءته للتطورات في المنطقة،لا سيما الدخول الروسي على خط الأزمة السورية وما عكسه من تقاطُع مصالح بين أطراف متناقضة.

وكان زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري استبق اطلالة نصر الله من هذه الزاوية حين غرّد قائلاً «ان القلب يُدمى عشية العيد لمشهد عشرات الشباب اللبنانيين يعودون جثامين وجرحى، أضحيةً للحفاظ على نظام قاتل ينكل بشعبه. أضاحٍ تُقدّم تحت زعم الممانعة فيما هي في قمة التنسيق مع اسرائيل لفرض بقاء النظام السوري على رقاب شعبه المسكين»، متسائلاً: «كيف يتم الجمع بين الممانعة والتنسيق مع إسرائيل لإبقاء النظام السوري، فيما هي تنتهك الأقصى وتدوس كرامة فلسطين وأهلها والعرب كلهم؟».

ولم تحجب هذه الوقائع الاهتمام بالمحادثات التي سيجريها سلام في نيويورك وتشمل قادة بارزين بينهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الاحد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اضافة الى لقاءات اخرى مع وزير خارجية الفاتيكان ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وستتركّز لقاءات سلام كما الكلمة التي سيلقيها الاربعاء المقبل امام الجمعية العامة للأمم المتحدة على تأكيد وجوب ان تدفع الدول المؤثرة باتجاه إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان وفك ارتباط الواقع اللبناني بملفات المنطقة باعتبار انه ينوء تحت ثقل نحو 1.5 مليون نازح سوري الى جانب الجهود الحثيثة لمكافحة الإرهاب والتي تجعل بيروت بحاجة الى دعم دولي كبير لمواجهة أعباء بدا العالم بأجمعه عاجزاً امامها.

وفي هذا السياق، يكتسب اجتماع مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان الذي ينعقد ايضاً الاربعاء المقبل اهمية خاصة علماً انه سيلتئم برئاسة الامين العام للأمم المتحدة بان كي - مون والى جانبه سلام، على ان يحضره وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى وممثلو الاتحاد الاوروبي ودول أخرى اضافة الى ممثلي المنظمات الدولية.

وسيشكّل هذا الاجتماع مناسبة لمحاولة استعادة «مظلة الحماية» الدولية للاستقرار اللبناني واختبار اذا كان ما زال «خطاً أحمر» دولياً، علماً ان إشارة بارزة يفترض ان تصدر على هذا الصعيد مع تقاطُع المعلومات عن ان الرئيس الفرنسي سيزور بيروت اواخر اكتوبر المقبل في إطار الرغبة في إعطاء دفْع لمساعي إنهاء الفراغ الرئاسي واستكشاف «على الأرض» لواقع النزوح السوري وسبل مساعدة لبنان على هذا الصعيد.